|
أغنيس كالامارد

كالامارد "المرأة الخارقةالتي اتهمت بن سلمان بقتل الخاشقجي

”المرأة الخارقة في مجال حقوق الانسان“، ”بطلة جريئة“، ”مدافعة صلبة عن حرية التعبير والاعلام“،  هذه اوصاف رافقت اسم أغنيس كالامارد. اسم اشتهر في منطقتنا العربية بعد تقريرها الشهير الذي نشر نتائج تحقيق استمر لمدة ستة أشهر في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، تركيا

”المرأة الخارقة في مجال حقوق الانسان“، ”بطلة جريئة“، ”مدافعة صلبة عن حرية التعبير والاعلام“،  هذه اوصاف رافقت اسم أغنيس كالامارد. اسم اشتهر في منطقتنا العربية بعد تقريرها الشهير الذي نشر نتائج تحقيق استمر لمدة ستة أشهر في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، تركيا. تحقيق أجرته كالامارد بصفتها كمقرر خاص للأمم المتحدة لمتابعة عمليات الإعدام مع تفويض“لدراسة حالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات سريعة أو تعسف في كل الظروف، ولأي سبب كان”. كتبت في تقريرها ان “القتل كان نتيجة خطط مفصّلة تضمنت تنسيقاً مكثفاً وموارد بشرية ومالية كبيرة. وقد تم الإشراف عليها وتخطيطها واعتمادها من قبل مسؤولين رفيعي المستوى. لقد كان القتل متعمدا”. وأضافت قائلة إن هناك “أدلة موثوقة … للمسؤولية الفردية لمسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك مسؤولية ولي العهد” (محمد بن سلمان). ودعت كالامارد مجلس حقوق الإنسان أومجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق جنائي دولي.

بعد اشهر على تقريرها وبمناسبة اليوم العالمي لانهاء الافلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين أجرت مهارات ماغازين مقابلة مع كالامارد سألتها فيها عن شجاعتها في تسمية ولي العهد محمد بن سلمان وتحميله مسؤولية قتل الخاشقجي وعن اهمية تحقيق العدالة وعن رضاها عن مسار جهود المجتمع الدولي.

لماذا تحملين قضية انهاء الافلات من العقاب على عاتقك؟ لماذا تعني لك هذه القضية على الصعيد الشخصي؟

عندما يأتي الامر الى اعتداء او قتل صحافيين، لاحظت ان هناك ثغرات في التحقيق الذي تجريه السلطات الامنية اي انهم لا ياخذون بالاعتبار العمل الذي يقوم به الصحافي والذي قد يكون الدافع وراء القتل.

اولا بنظري ان التحقيق الفعال في اية قضية عنف ضد الصحافيين  يتطلب ان يفهم المحققون العمل الصحافي لانه بالاغلب يشكل دافع الجريمة، ولكن معظم المحققين لا يفعلون ذلك اما لانهم لا يعرفون او لا يريدون.

كما ان هناك امر آخر جهازي وراء عدم التحقيق الفعال في قضايا العنف، اي يتعلق بالاجهزة الامنية، اما بسبب عدم الكفاءة او الفساد او عدم وجود ارادة، ما  يؤدي الى تحقيق غير معمق واستجابة ضعيفة.

هذان السببان يجعلان القضايا التي تصل الى المحكمة لا تصل الى خواتيم لان المدعي العام لن يكون لديه ادلة كافية للتقدم في الملف.

هناك امر ثالث وهو ان الشخص الذي يرتكب فعل العنف هو شخص مأجور وليس الشخص الذي أمر بالقيام بالفعل العنفي. يتم التعرف على الشخص المأجور ولكن الاجهزة الامنية لا تتمكن من تحديد الرأس المدبر، في وقت هم الاشخاص الذين يجب ملاحقتهم. الصعوبة في ان الشخص المأجور قد لا يكون يعلم من أمر بالقيام بفعل العنف. غياب الاثبات يؤدي الى افلات المرتكبين الحقيقيين وهو ما يجب ان نحارب من اجله.

وفق تجربتي بالنسبة للامر الاول المتعلق بالاجهزة الامنية التي تقوم بالتحقيق، يجب علينا ان نبني قدراتهم ونشدد ان الدافع مرتبط بعمل الصحافي. بالنسبة للسبب الجهازي فهذه مشكلة كبيرة واما الوصول الى العقل المدبر فهو امر معقد جدا ويتطلب اجهزة كفوءة لديها قدرات متطورة.

بالحديث عن العقل المدبر، قمت بتحميل المسؤولية في مقتل خاشقجي لولي العهد الامير محمد بن سلمان. من اين اتيت بالشجاعة لتسمية ولي العهد؟

لم اشعر انني شجاعة جدا وكنت اتعامل مع قضية خاشقجي الذي بالاصل لم يكن انسانا شجاعا بل كان رجل النظام وكان قريبا من الحكومة ومن ولي العهد. كان رجلا لطيفا ولكنه لم يكن شخصا يمكن وصفه بالشجاع.

ثم عندما بدأت التحقيق اكتشفت شخصا قال في يوم من الايام “لا، هذه ليست الطريقة التي اريد ان اعيش فيها حياتي واريد ان اعبر عن فكري بحرية.“ رأيت ذلك ملفتا ان رجلا لم يكن يتسم بشجاعة كبيرة قرر في يوم ان يقول لا، وانه لن يبقى ضمن الخطوط التي رسمتها له السلطة بل ساذهب الى المنفى مع علمه انه سيتعذب.

كل من قابلته اكد لي ان جمال كان يتعذب. كان رجلا حزينا جدا ومحبطا. كان يشتاق لعائلته واصدقائه وبلده ولم يعد لديه المال. دفع ثمنا كبيرا لقراره وكان لديه دافع واحد هو ان يستطيع التعبير عن رأيه بحرية. وقد أثر بي دائما انه لم يكن ”بروفيل“ الناشط ولكنه قرر وخسر الكثير لانه كان بمستوى عال وتخلى عن كل شيء ليعبر. عندما تعملين على قضية تتعلق بمثل هذا الشخص، لم أشعر بشجاعة كبيرة.

يمكنني التفكير بكثير من اصدقاء جمال الذين كانوا شجعانا مثل عمر في كندا الذي اراد العودة الى بلده لكن السلطات السعودية قامت بملاحقته وملاحقة عائلته وقالوا له انت مسؤول عن تعذيب اخيك. كذلك محمد في مصر. وايشتي وهي امرأة لم تعدها الحياة لما حصل في ٢ تشرين الاول. في الصباح كانت تفكر بالكرسي الذي ستشتريه لجمال ليرتاح وفي الليل تم قتله ولكنها وجدت الشجاعة في ان تكمل وتطالب بالعدالة. بنت صورتها كخطيبته بقوة وتمسكت بذلك بسبب الحب الذي كان بينها وبين جمال.

هؤلاء الاشخاص هم اشجع مني.

انا جزء من منظومة الامم المتحدة. لا يمكن التهويل علي بان هناك امورا لا يجب قولها للحفاظ على وضع قائم. اخذ القوة من الاشخاص الذين اعمل معهم وكان واضحا جدا لي ان علي ان اسمي محمد بن سلمان. وعندما تقول ان السعودية هي المسؤولة، شرعيا لا يمكن الوقوف هنا. عندما تسمين الجريمة جريمة دولة فان الخطوة المنطقية التالية هي القول من في الدولة هو المسؤول. انها الخطوة المنطقية ولكنها ليست الخطوة الطبيعية، اذ عادة في المنظومة الدولية نسمي دولا وليس اشخاصا. ولكن اعتقد يجب ان نكون مستعدين اكثر ان نسمي المرتكبين الافراد. طبعا يجب فعل ذلك بحذر لاننا لا نريد ان نسمي افرادا ثم يصبحون مستهدفين في وقت لم يرتكبوا شيئا. مثلا في تقريري عن جريمة خاشقجي هناك ١٨ شخصا لم اسمهم. هم يعلمون ان ما كانوا يفعلونه هو خطأ ولكني أعطيتهم ميزة الشك. اولئك هم الاشخاص الذين قدموا بعد عملية القتل لتنظيف ساحة الجريمة. لدي اسماؤهم لكني لم اسمهم بل سميت اولئك الذين لا شك حول تورطهم مع وجود شك حول مدى مسؤولياتهم. وهذا امر مهم خاصة عندما نكون مثلي في موقع حماية. 

سنة بعد الجريمة واشهر بعد صدور قرارك هل انت راضية اليوم وتشعرين ان هناك خطوات جدية يقوم بها المجتمع الدولي لتحقيق العدالة؟

ليس تماما. ربما كنت بسيطة بعض الشيء. عندما سميت ولي العهد لم اكن اعلم ان ذلك سيكون له هذا الوقع لاكون صريحة ولكني لم اعتقد يوما ان ذلك سيفتح الباب امام العدالة لانه كان واضحا ان ذلك يتطلب تغييرا للنظام في السعودية. كنت اعلم ايضا ان العديد من الدول لديها مصالح كبيرة مع السعودية وتحديدا مع ولي العهد. لذا لم أبن اوهاما كثيرة انني استطيع تغيير هذا الواقع. امضيت ٦ اشهر احقق وهذا يعني تحدثت مع العديد من الرسميين في الولايات المتحدة وكندا والمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد وكنت اعرف مواقفهم لذا لم يكن لدي توقعات كبيرة. فكرت انه سيفعلون القليل ولكنهم لن يدفعوا كثيرا. لذا شددت دائما انه يجب ان نروي القصة بطريقة تعطينا بعض القوة. اتفهم الإحباط ان العدالة لم تأخذ مجراها. العدالة كما نفهمها اي محمد بن سلمان قيد المحاكمة. هذا لم يتحقق ولن يتحقق اقله حتى يحصل تغيير كبير. ولكن يمكن ان نتحكم اكثر بما نقوله عن تحقيق العدالة. انه امر معقد ويتأثر بموازين القوى بين الدول او في العالم. نحتاج ان نجد طريقة مثل ”بعوضة في الخيمة“. لسنا الدب. نحن البعوضة التي تدور حول الناس ولن يتمكنوا من امساكنا رغم تصفيقهم. هذا ما يمكن ان نكونه. اكثر البعوض ازعاجا ونلدغ في بعض الاحيان. هذا ما فعلناه في الاشهر ال١٢ الماضية. ليس فقط انا. جعلنا من الصعب ان يتمكن محمد بن سلمان من الهروب من قضية خاشقجي. هذه الجريمة سترافقه كل حياته. 

أؤكد لكم. مهما فعل واينما ذهب اسم جمال سيكون حاضرا وذكرى انه امر بقتله  لن تذهب. انها تتردد في اروقة البرلمانات الاوروبية والاميركية. ليسوا بالقوة الكافية للانتقال من الكلمة الى الفعل ولكن ليست كلمة ستختفي. ستبقى دائما على الاجندة. ومع تغيير الحكومة في اميركا يمكن ان يكون هناك بعض التغيير لان الكونغرس والبرلمان فرضوا عقوبات على السعودية فيما يتعلق بجريمة خاشقجي والجرائم المرتكبة في اليمن. وما منع تطبيق العقوبات كان ”الفيتو“ الذي وضعه دونالد ترامب. لذا من الممكن مع جو بايدن تطبيق العقوبات. هناك دعاوى قضائية بحق بن سلمان. لن نراه في المحاكم الاميركية ولكن من المؤكد سيوكل العديد من المحامين وسيكون صعبا عليه القدوم الى الولايات المتحدة لانه قد يدخل في مشاكل. ليست بعوضة واحدة انما عشرون تدور حول رأسه. لذا اعتقد اننا لو لم نصل الى تحقيق العدالة ولكننا نخبر القصة وليس بمقدور بن سلمان ان يتجول حول العالم ولا احد يأبه لذلك. لا يمكنه القيام بذلك.

ما مدى اهمية ترسيخ ثقافة الانهاء من الافلات من العقاب في الجرائم ضد الصحافيين في المنطقة العربية لدفع الحكومات للالتزام بموجباتها الدولية وملاحقة المعتدين على الصحافيين؟ وكيف يمكن ذلك في منطقة تعتبر فيها الحكومات نفسها معادية لحرية التعبير؟

نحتاج دائما ان نعلي الصوت ان مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين يجب ان تتم محاسبتهم وان تبقى هذه الرسالة والمبدأ على الاجندة في وقت يمكن التفتيش عن طرق ربما تكون اكثر سهولة مثل العدالة السياسية او الديبلوماسية او الثقافية. ثقافة انهاء الافلات من العقاب في منطقة الشرق الاوسط معقدة لا شك لانها تتعلق بهيكليات هذه الدول. ننظر الى تونس، السودان والجزائر كيف سيحولون مجتمعاتهم. ليس الامر انه ليست هناك حركة تغيير في المنطقة. نذكر الناشطون في العراق الذين يتعرضون للقتل مثلا. لا يجب تصديق من يقولون ان لا شيء يمكن ان يتغير ولكن طبعا التغيير صعب . ليس لدي النصيحة السحرية ولكن وحدها القدرة على الصمود هي من سيصنع الفرق وانتظار الظرف المناسب. لا يجب ان نقوم باعمال بطولية تؤدي الى قتلنا. لا ينفع ان تكون بطلا اذا كنت ميتا. بطل في السجن ل٢٠ سنة في نظري لا ينفع. لذا يجب ان نتضامن مع بعضنا وان نكون مهيأين ولكن مع الحفاظ على سلامتنا. الصمود هو العامل الاهم. التضييق من السعودية على السودان هو لانهم لا يريدون ان يكون هناك ثورات ناجحة. ولم يريدوا الربيع العربي. يجب ان نعي ذلك. ويمكن الاعتماد على المجتمع الدولي واشخاص مثلي. هناك حماية في وجودنا وفي الضجة التي يمكن ان نقوم بها. التحقيق الذي قمت به فكك الوضع القائم اذ قلت للامم المتحدة ان الامور يجب ان تتغير وقلت ذلك للسعودية. وهذه وظيفتي كمقررة خاصة في الامم المتحدة ان اكسر الوضع القائم رغم ان ذلك غير كاف اذ لا نقوم بالاصلاح ولكنه يمهد الطريق.

عندما افكر بما يحدث في لبنان مثلا اتمنى ان تقوم الدول بتقديم تحقيق دولي وهذا سيفكك الوضع القائم. يمكن القيام بذلك افتراضيا ولا اوافق على الطريقة التي اعتمدها الرئيس الفرنسي في معالجة الموضوع ولكن اعتقد يجب تفكيك الوضع القائم خاصة ان القادة اللبنانيين يريدون قلب الصفحة وتعويمهم كان غير فعال. يجب قلب الامور وهو امر اوصي بان نفكر به اكثر ونجعله جزءا من الاستراتيجية.

رسالتك للمنطقة في الشهر الذي نعلي فيه الصوت لانهاء الافلات من العقاب

التوصيات التي اطلقتها في اليوم العالمي لانهاء الافلات من العقاب قي الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، انطلقت من اننا ركزنا كثيرا عما يحصل في المحاكم وجمع البيانات حول الافلات من العقاب. اليوم اعتقد انه يجب ان نعود قليلا الى الوراء ونركز على تحسين التحقيق في الجرائم ولمواجهة الاجهزة الامنية عندما لا تقوم بتحقيق فعال. يجب ان نتدخل بشكل فوري لان ذلك سيصنع فرقا.

طالبت الامم المتحدة بوضع آلية دولية لاني اعتقد ان ذلك سيهز الدول اذا لم تكن مستعدة للعمل الجدي ويجعلنا نتدخل. علينا حثهم على البحث عن الدوافع، النظر الى العمل الصحافي نفسه والتفتيش عن الرأس المدبر. اذا استطعنا كسر الوضع القائم حول التحقيقات اعتقد سنحقق اكثر. لم نفعل ذلك كثيرا حتى اليوم. عندما قمت بتحقيقي كان هناك فقط تجربة او تجربتين في التحقيق في جريمة. لدينا تجارب في التحقيق في مجازر ولكن ليس في جريمة واحدة. لذا نحتاج ان نقول ان جريمة واحدة اذا تم التحقيق الجدي فيها سنحول الديناميات حولها ويمكن عندها التأثير بعمق اكثر. اعتقد ان ذلك لم يتم اختباره بعد. التحقيق في جريمة قتل صحافي لن يكون كافيا ولكن سيحرك السرد ويخلق سردا مضادا حول تحديات التحقيق والقيود حوله. يمكننا ان نقوم بفرق.

البلد الذي لديه سجل افضل في حماية التعبير يجب ان يبدأ في التفكير بفرض عقوبات على الافراد قبل حتى ان يبدأوا بالقتل. مثلا اذا كان هناك وزير او مسؤول يستخدم سلطته لتهديد الصحافيين وحرية العمل الصحافي بشكل مستمر فان البلدان التي تحمي الحريات يجب ان تلقي عليه عقوبات وليس فرض عقوبات على دول بل على هؤلاء السياسيين. لنبدأ بالعمل قبل حصول الجريمة هذا ما اقترحت في ”عقوبات خاشقجي“، هكذا اسميت هذه التوصية. البلدان التي تهتم بالتحقيق في التهديدات وهي الضوء الاحمر التي تؤشر الى ان تهديدات اكبر ستحصل لذا اعمل على تطوير هذه الارشادات للمجتمع المدني والسلطات الامنية والسياسية لاخذ التهديدات جديا والقيام بتحقيق جدي في هذه التهديدات قبل ارتكاب الجريمة.