|
حجب المواقع الإعلامية

مُبرّر حجب المواقع الاعلامية في العالم العربي… بث أخبار لا تناسب السلطة!

بث أخبار لا تناسب السلطة يجعل الكثير من المؤسسات الإعلامية عرضة لحجب مواقعها. بعض أسباب الحجب يعتمد على سلة من القوانين والتشريعات التي تقوّض الحريات مثل قوانين الجرائم الإلكترونية وقوانين العقوبات. سياسة حجب المواقع الصحافية في العام 2023 اشتركت فيها بشكل واضح عدد من الدول العربية مثل مصر والأردن واليمن. 

تختلف وسائل التضييق على حرية التعبير وحرية الصحافة في العالم العربي، بات حجب المواقع الصحافية إحدى هذه الأدوات، حيث أن بث أخبار لا تناسب السلطة يجعل الكثير من المؤسسات الإعلامية عرضة لذلك. بعض أسباب الحجب يعتمد على سلة من القوانين والتشريعات التي تقوّض الحريات مثل قوانين الجرائم الإلكترونية وقوانين العقوبات. سياسة حجب المواقع الصحافية في العام 2023 اشتركت فيها بشكل واضح عدد من الدول العربية مثل مصر والأردن واليمن. 

حجبت السلطات المصرية 126 موقعًا صحافيًا بين عامي 2017 و2022 لأسباب مختلفة، أبرزها كان النشر بدون ترخيص أو بث أخبار كاذبة، وهي تهم لم تكن حكرًا على السلطات المصرية وحدها. إذ امتدت هذه الظاهرة إلى دول عربية عدّة، ففي اليمن أكد تقرير نشرته منظمة سام للحقوق والحريات بالتعاون مع منظمة "انترنيوز"، أنه ومنذ الحرب اليمنية "توقفت قرابة 80 صحيفة ومجلة وإذاعة، وتم حجب أكثر من 200 موقع إخباري محلي وخارجي عن المتابعين في اليمن"، سياسات الحجب هذه التي تتبعها مصر واليمن تتبعها دول عربية أخرى وإن بشكل أقل كالاردن.

وجاء حجب مصر لمواقع "مدى مصر"، "مصر 360 "، و"السلطة الرابعة" في الأشهر الأخيرة لأسباب متعددة. فكان حجب موقع "مدى مصر" على سبيل المثال بسبب مقال تناول سيناريوهات تهجير الفلسطينيين من غزة الى مصر. وجاء الحجب عن طريق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والسبب بحسب بيان المجلس: "لممارسته النشاط الإعلامي دون الحصول على ترخيص بذلك من المجلس"، وأيضًا لما اعتبره "نشر أخبار كاذبة دون التحري من مصادرها والإضرار بمقتضيات الأمن القومي".

في اليمن حُجبت عشرات المواقع الاعلامية خاصة ذات التوجه الذي يخالف توجه جماعة " الحوثي" التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء بتهمة "استهداف الأمن القومي". وأبرز هذه المواقع موقع قناة الجزيرة، "بي بي سي"، "سي ان ان" والعربي الجديد وغيرها من الوكالات والمؤسسات الإعلامية الدولية والإقليمية، إضافة إلى منصات إعلامية يمنية مثل "المصدر اونلاين".

في السياق يرى أحد مؤسسي موقع "الحدود الساخر"، عصام عريقات، في حديث لـ "مهارات ماغازين"، أن "الحجب لم يحصل بشكل رسمي، فلم يُرسل إلينا أي إخبار حول سببه، وعلى ما يبدو ما حصل غير قانوني كون الحجب حصل قبل إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الذي يتم الحجب على أساسه. وبإعتقادنا أن ما حصل كان بسبب تغطيتنا حفل عرس ولي العهد الباذخ، وتطرقنا في تغطيتنا لتكاليف العرس، فكان لديهم مشكلة مع الموضوع".

لا يختلف وضع الأردن عن وضع مصر واليمن، حيث حجبت السلطات الاردنية موقع "الحدود" الساخر ويرجح أن يكون سبب الحجب هو منشورات "الحدود" المتعلقة بالزفاف الملكي لولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني. كان الأردن قد احتفل، في 23 أيار/مايو الماضي بزفاف ملكي هو الأول منذ سنوات طويلة. وتناولت منشورات "الحدود" تكاليف هذا الزفاف وحق المواطن في التساؤل عن هذه المسائل، إضافة لانتقاد فكرة منع الاحتفالات بالتزامن مع الزفاف، كما نشر الموقع رسماً كاريكاتيرياً للفنانة البحرينية سارة قائد عنوانه "أفراح".

لا حق في الوصول للمعلومات!

تستمر السلطات المصرية بانتهاك الحق في حرية التعبير بصوره المختلفة، من سجن صحافيين واستهداف المواقع الالكترونية وتوقيفات بسبب قضايا النشر، وحجب المعلومات. ووثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي مؤسسة غير حكومية تُعد تقارير ربع سنوية عن حالة حرية التعبير في مصر، العديد من الانتهاكات في الربع الثاني من العام 2023 (1 نيسان/أبريل - 30 حزيران/ يونيو).

وفي هذا الإطار، شدد نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي خلال جلسة للحوار الوطني في يونيو/حزيران الماضي على حق المصريين في الوصول للمعلومات. ودعا إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، إنفاذًا للمادة 71 من الدستور والتي نصّت على أنه "لا توقَّع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون".

وطالب البلشي برفع الحظر عن المواقع التي تم حجبها خلال السنوات الماضية، ومراجعة القوانين التي تفتح الباب للحَجب وتعديل مواد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، والتي حولت الإجراء الاحترازي إلى عقوبة تم تنفيذها على العديد من الصحافيين وأصحاب الرأي خلال السنوات الماضية.

وقال البلشي "إننا أمام بيروقراطية تُسيطر عليها عقلية الحجب، فالغالبية الساحقة من مؤسسات الدولة وهيئاتها البيروقراطية والإدارية، تعتبر أن الأصل في الأمور هو حجب المعلومات، لا الإفصاح عنها وتداولها بحرية، وأن المعلومات ملك للدولة وليس للمواطن".

في السياق يقول الصحافي اليمني نجم الدين قاسم لـ "مهارات ماغازين"، إن القانون اليمني لا يبرر طبعاً حجب المواقع الاخبارية، لأن الدستور اليمني ينص على حرية الرأي والتعبير وعدم تقييد الحريات الصحافية والحريات الإعلامية، ولكن من وجهة نظر الحوثيين، كلّ ما يخص القانون أو الدستور اليمني يتمّ تطويعه فقط لاستهداف اليمنيين والصحافيين واستهداف خصومهم.

وقد بات تأثير الحجب واضح على حرية الرأي والتعبير وحق اليمنيين في الوصول الى المعلومات بحسب قاسم، خصوصاً في ظلّ وجود صوت واحد اليوم تابع للحوثيين، أما كلّ الوسائل الإعلامية الأخرى من مواقع وقنوات قد تم حجبها. والآن يتم دراسة حجب مواقع وتطبيقات شركتي "يوتيوب" و"فايسبوك"، على اعتبار أنهما من مصادر نقل وتداول المعلومات أيضاً وتعزيز حرية الرأي والتعبير، وهذا بالتالي يؤثر على سيطرتهم الإعلامية.

ففي الأشهر الماضية قام "يوتيوب" بحظر 12 قناة تابعة للحوثيين كانت تروج لمشاهد عنف مسلّح وتحرّض على القتال وعلى الاستنفار في الجبهات وتجنيد الأطفال، فكونها مخالفة لمعايير "يوتيوب" تم حظرها من قبل الشركة. وقد تم استغلال هذا الحضر للمطالبة بحجب "فايسبوك" و "يوتيوب" في اليمن.

وعلى الرغم من وجود قانون حق الوصول إلى المعلومات في الأردن، إلا أن قانون الجرائم الإلكترونية الأردني المُقر حديثًا يحجّم هذا القانون ويبرر حجب المواقع الصحافية، وهو ما يثير حفيظة العديد من الناشطين والمجتمع المدني، حيث يعتبر ضربة قاضية لحرية التعبير. وكان أقر مجلس النواب الأردني مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في تموز/يوليو 2023 ، ويتألف مشروع القانون من 41 مادة، إلا أن المواد 15 و16 و17 كانت الأكثر جدلاً لما تضمنته من عقوبات مشددة ومصطلحات غامضة وغير محددة  مثل "الأخبار الكاذبة"، و"التسهيل أو الترويج أو المساعدة أو الحض على الفجور"، و"حملات تشويه السمعة".

في هذا الإطار يقول عصام عريقات: "مع قانون الجرائم الإلكترونية يمكن أن تُغرّم بمبالغ طائلة أو أن تُسجن لحدود عشر سنوات لقول أي شيء فعلياً، وبرأيي تطبيقه على أشخاص أو مؤسسات في الفترة المقبلة يعني الإتجاه نحو أيام الزمن القديم الذي لم تكن فيه الناس لديها الجرأة على انتقاد الحكومة أو الملك حتى داخل منزلها".

حلول محدودة؟

وإعتبر أن توقيع الحكومة الشرعية في عدن في الأشهر الماضية اتفاقية مع شركة إماراتية لإنشاء شركة اتصالات في مناطق الحكومة الشرعية، سيساعد بالتالي على كسر الاحتكار على الإنترنت وعلى مزود الخدمة الوحيد في اليمن.

في المقابل، يرى عريقات، أن تأثير ما يحصل ليس بالكبير على موقع "الحدود" نظراً لانتشار قرّائهم في كل المنطقة العربية وفي الخارج، ولكن تأثير ما يحصل على حرية التعبير في الأردن كبير جداً، لافتاً إلى أن "أحد أسباب إنشاء موقع "الحدود" كان معرفتنا بأننا لا يمكننا التعبير أو التحدث بالطرق التقليدية وبالتالي اعتمدنا الأسلوب الساخر للتحايل على الأنظمة والرقابة الموجودة في المنطقة".

والحلّ وفق عريقات، لمواجهة هذه القوانين، العمل كمجموعات إن كان من الصحافيين أو الناشطين أو حتى الناس العاديين والوقوف بوجه ما يحصل وعدم السكوت عنه، فكلما إزداد عدد المعترضين والمواجهين كلما أصبح من الصعب عليهم تطبيق هذه القوانين.

تشترك أغلب الدول العربية في استخدامها لتكتيكات متشابهة (وأحياناً البرمجيات والمعدّات نفسها) لممارسة حجب مواقع الويب وتصفية (فلترة) المحتوى. وكون أن جماعة الحوثي مسيطرة على وزارة الاتصالات في صنعاء وعلى مزوّد الخدمة الوحيد للإنترنت في اليمن، فهي تستخدم نظام فلترة إسمه "نت سويبر" (Netsweeper) - وهو نظام كندي كانت قد اشترته الحكومة السابقة -  لفلترة المواقع الإباحية و لحجب المواقع الإباحية بشكل عام، حيث يضع الحوثيون قائمة بالمواقع المراد حجبها، وبالتالي عندما يضغط المستخدم على رابط الموقع تظهر أمامه رسالة تفيد بأن الموقع غير متوفر أو محجوب. إذاً كل المواقع يتم حجبها عن طريق "نت سويبر".

ويلفت قاسم إلى أن اليمنيين كانوا يتجاوزون هذه المشاكل من خلال أدوات الـ VPN أو الشبكات الخاصة الإفتراضية، ولكن حالياً تمّ حظر جميع المواقع والتطبيقات التي تقدّم هذه الخدمة فأصبح الأمر صعب. إذا أراد الصحافي على سبيل المثال الدخول إلى موقع من المواقع المحجوبة يعاني كثيراً.