|
التحرّش الإلكتروني

التحرّش بالصحافيين على الانترنت: تكميم أفواه وتخويف وتهديد

تزايدت المخاطر التي تعترض الصحافيين/ات وتهدد سلامتهم مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار التحرّش الإلكتروني كنوع جديد من التهديد الذي أصبح سياسة ممنهجة في الكثير من الأحيان.

تزايدت المخاطر التي تعترض الصحافيين/ات وتهدد سلامتهم مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار التحرّش الإلكتروني كنوع جديد من التهديد الذي أصبح سياسة ممنهجة في الكثير من الأحيان.

التنمّر الالكتروني، التحرّش الجنسي، التخوين، الشتيمة، إضافة الى النبش في الماضي الشخصي، أنواع كثيرة من التعرّض الالكتروني للصحافيين، بهدف إسكاتهم وقمع آراءهم في كثير من الأحيان.

وتنقسم مصادر التهديد والتعرض الالكتروني الى عمليات يقوم بها أفراد عاديون، الى جانب عمليات ترهيب ممنهجة عادة ما تقوم بها "الجيوش الالكترونية" ويتم توظيفها من طرف الأنظمة الاستبدادية أو الاحزاب السياسية لقمع حرية الصحافة.

الملاحظ ان التحرش الالكتروني بالصحافيين/ات يزداد منسوبه في وقت الأزمات، لا سيما في الدول التي تشهد نوعاً من القمع او الفوضى في المشهد السياسي.

"احدى حملات التشهير التي تعرضت لها، تسببت في تجنب التعامل معي كصحافي من عدة مؤسسات اعلامية ودفعتني للتفكير في الانتحار"

 

هذا ما يكشفه عابدين حول التأثيرات الخطرة لهذا النوع من التحرش الالكتروني. ويوضح عابدين ان هناك حاجة لتقديم الدعم النفسي للصحافيين والصحافيات الذين يمرون بهذا النوع من التجارب.

ويؤكد الصحافي المصري أحمد عابدين في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان هناك حالة استقطاب كبيرة على مستوى مصر بشكل خاص، والبلدان العربية بشكل عام. لا مجال لطرح رأي مخالف لطرفي الصراع. اما ان تكون مع النظام أو ضده. وكلما كانت شهرتك أوسع في مواقع التواصل الاجتماعي والجدلية في طرحك أكبر، تواجه هجوماً أكبر. وتتنوع أساليب الهجوم الالكتروني بين محاولة اختراق حسابك وصولاً الى حملات السبّ والتشهير، فضلاً عن التهديدات التي تصل الى مستوى التصفية الجسدية أو الخطف.

ويشير عابدين، الناشط على فايسبوك، الى ان الهجوم عادة ما يكون من افراد عاديين يحملون افكاراً مخالفة للطرح الذي تقوله، وفي أحيان أخرى يكون الهجوم من جيوش الكترونية تبعاً للجهة التي تأثرت او شعرت أن الرأي الذي تنشره يشكل خطراً عليها، والهدف "إسكاتك تماماً"، بحسب عابدين.

 

ثلاث مراحل لتنسيق هجمات الكترونية

التنمر والتحرّش الجنسي السلاح الأخطر ضد الصحافيات

أشار تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في العام 2018 الى أن الصحافيات والسياسيات يتعرّضن لبعض أشكال الإساءة على "تويتر" كل 30 ثانية، كما وجدت دراسة استقصائية عالمية أجريت بالاشتراك مع المؤسسة الدولية لدعم المرأة، أنّ ما يقارب ثلث الصحافيات يفكرن في ترك المهنة بسبب الهجمات والتهديدات عبر الإنترنت.

تعيش الصحافيات والناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى المنطقة العربية خطرا يومياً، بسبب التحرش الالكتروني. حيث، تتعدد المواضيع التي لا يزال ينظر البعض اليها على انها "تابو" يُحظر على المرأة الصحافية الخوض فيه والنقاش به. وتتنوع حملات التحرش بحق الصحافيات بين التنمر والشتم والسباب والتخوين، حيث تأخذ هذه الحملات طابعاً جندرياً لأن المستهدفين من النساء.

لفت تقرير "مراسلون بلا حدود" حول التنمر الالكتروني الصادر عام 2018 الى وجود ثلاث مراحل تعتمدها الأنظمة المعادية لحرية الصحافة، من اجل تنسيق هجمات الكترونية ضد الصحافيين، وهي:

التضليل: يتم إغراق المضمون الصحافي على شبكات التواصل الاجتماعي بفيض من الأخبار الزائفة التي تخدم نظام معين.

التضخيم: يتم تضخيم قيمة هذه المواد، بشكل مصطنع، عن طريق مؤثرين تابعين لهذه الأنظمة من اجل وضع رسائل على شبكات التواصل أو باستعمال برامج الكترونية (روبوتات) تنشر المضمون أوتوماتيكياً.

التهديد: يستهدف الصحافيين بشكل شخصي وشتمهم وتهديدهم بالقتل وتشويه سمعتهم من أجل إسكاتهم.

لكن نتائج الحملات، لا تتساوى بين صحافيات مستهدفات يحظين بشهرة ونفوذ في مواقع التواصل، وأخريات مغمورات. ومع أن الحملة ستكون أكثر قسوة بحق صحافية معروفة، إلا أن آليات الرد والتحصين ستكون أقوى، عملاً بقاعدة المؤازرة من جمهور يتشارك معهن الموقف نفسه، وينتج حملة الكترونية مضادة لدعمهن.

وينطبق ذلك على حالة الإعلامية ديما صادق التي تنشر آراءاً في حساباتها الالكترونية، إلا أنها في كل مرة تجد نفسها عرضة لهجوم الكتروني بغيض يسمح بالتطرق لحياتها الشخصية وتصبح عائلتها عرضة للتشريح، وصولاً الى استعمال ابنتها ووالدتها كسلاح للضغط عليها.

وتختلف ردود فعل الصحافيات حول هذا النوع من الهجمات الالكترونية، وقد تنتهي بإغلاق الحسابات الشخصية على مواقع التواصل، كما اشارت مراسلة قناة "ام تي في" نوال بري في تصريح لـ"مهارات نيوز"، وأكدت إنها "اضطرت بعد هجوم ضخم عليها إلى اغلاق صفحاتها الالكترونية لمدة 15 يوماً".

نوع آخر من الهجوم تعرضت له الصحافية في قناة الجزيرة غادة عويس. فقد تم اختراق هاتفها ونشر صورها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. كتبت عويس مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تتحدث فيه عما تعرضت له من هجوم الكتروني.

"سرقوا صوري الخاصة بملابس السباحة من هاتفي ونشروها على تويتر بادعاءات كاذبة وذكورية وعدوانية تدعي أن الصور التُقِطَت في مزرعة رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية". هذا ما روته عويس خلال مقالها بعد شن حملة عليها من مغردين سعوديين وإماراتيين. 

نُشر مقال عويس تحت عنوان "أنا صحافية في الشرق الأوسط والهجمات عبر الإنترنت لن تخرسني". وأكدت عويس انه برغم عملها كصحافية في الشرق الأوسط مدة 20 عاماً، ومعرفتها كيفية التعامل مع التحديات كونها امرأة في هذا المجال، لم تر شيئاً كهذا من قبل. وأضافت عويس: "ما قرأته أغضبني وصدمني وأخافني".

ولفتت إلى أنها لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها للتنمر أو التحرش الجنسي عبر الإنترنت أو لحملة ممنهجة عبر مواقع التواصل، ولكن المختلف في هذه الحملة هو أن المهاجمين إخترقوا هاتفها للمرة الاولى.

وعبرت عويس عن ذهولها بطريقة إعادة نشر التغريدات مئات المرّات في الدقيقة الواحدة. وتابعت: "في غضون ساعات قليلة، نُشرت صور لي في حوض السباحة وبعضها مشفّرة لجعل الناس يعتقدون أنني عارية، وتم نشرها وتغريدها أكثر من 40 ألف مرة".

في السياق، تشير مديرة التواصل في المنطقة العربية لبرنامج النساء في الاخبار في المنظمة العالمية للصحف ميرا عبد الله في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى ان التحرش بالصحافيات يهدف الى إسكاتهن وتخويفهن.

وتتعدد أنواع التحرش بحسب عبد الله، ولكن القسم الاكبر من التحرش يكون عبر التنمر والتحرش الجنسي عبر نشر صور عارية مركبة من خلال الفوتوشوب للصحافيات.

اما التأثيرات التي يمكن ان تطال الصحافيات فتتضمن عدة جوانب أبرزها التأثيرات النفسية، والعقلية الشرقية للأهل التي تضغط على الصحافيات من اجل ترك المهنة او إغلاق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي أو على الاقل تطبيق رقابة ذاتية.

يكمن الحل بحسب عبد الله في تحصين الصحافيات وتدريبهن لمواجهة مثل هذه الحوادث، فضلاً عن رفع الوعي لدى المواطنين بمخاطر التنمر والتحرش الجنسي في المجتمع.

كذلك، يجب تشكيل شبكات دعم ومتابعة مرتبطة بتقديم إستشارة في الصحة النفسية. وعلى نطاق أوسع، من الضروري تشريع قوانين على مستوى المنطقة العربية تجرم التحرش الجنسي، لا سيما في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيات، والتي تهدف الى قمع حرية الرأي والتعبير.