|
منصات التحقق

منصات التحقق من المعلومات في زمن كورونا... رفع الوعي هو الأهم

في السنوات الأخيرة، انطلقت عدة منصات ومبادرات عربية متخصصة في التحقق مما ينشر من الاخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة أو مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما مع انتشار ظاهرة "الاخبار الكاذبة" بشكل واسع.

في السنوات الأخيرة، انطلقت عدة منصات ومبادرات عربية متخصصة في التحقق مما ينشر من الاخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة أو مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما مع انتشار ظاهرة "الاخبار الكاذبة" بشكل واسع.

هذه الاخبار تضاعفت مع انتشار فيروس "كورونا" في المنطقة العربية، كجزء من أزمة انتشار الأخبار الكاذبة حول العالم بشكل مضطرد، وذلك لعدة أسباب، أبرزها إن الأزمة وصلت إلى جميع بلدان العالم تقريبا، في وقت تستمر فيه مواقع التواصل الاجتماعي في النمو والانتشار، مع ما يترافق مع ذلك عادة من انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة.

وما زاد الأزمة انها ترتبط بجوانب طبية وعلمية وصحية تتعلق بحياة الإنسان نفسها. ولذلك كان للأخبار الكاذبة في هذه الأزمة تحديدا جوانب مأساوية، تتعلق باتباع نصائح وإرشادات خاطئة عن طرق وهمية للوقاية والعلاج من الفيروس.

ظهر مصطلح "الأخبار المزيفة" (Fake News ) بشكل متزايد بعد استخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب له خلال العام 2017، عند استهدافه لوسائل الإعلام المستقلة. وتطور المصطلح، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مع تنامي دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الاخبار. وقد برزت عشرات الخدمات الإعلامية الرصينة التي تهتم بالبحث عن الأخبار الكاذبة وتفنيدها بالمعلومات الصحيحة. ومنها على سبيل المثال، خدمات تابعة لوكالة "أسوشييتد برس" وصحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "سي إن إن" ووكالة "فرانس برس".

مبادرات عربية

وترتكز طريقة معالجة الاخبار الكاذبة حول كورونا، على استخدام أدوات التحقق ومصادر المعلومات المتعارف عليها، لدى جميع منصات التحقق من المعلومات. فضلا عن ذلك، هناك اعتماد اكبر على جمهور هذه المنصات للمساهمة في الرصد والتحقق، بحسب ما يقول المحرر الاول في منصة "مسبار" أحمد بعلوشة.

ويؤكد بعلوشة في حديث مع "مهارات ماغازين" ان "هناك آلاف المشتركين والقراء يشكلون "مجتمع مسبار"، ساعدونا في رصد عدد كبير من الاخبار الزائفة، بل وحتى إرسال روابط للمعلومات الصحيحة حول هذه الاخبار".

وقد نشرت وكالة رويترز خلاصة دراسة قام بها علماء في جامعة إيست أنجليا البريطانية، تفيد بأن "أي جهود تنجح في منع الناس من نشر أخبار كاذبة يمكن أن تسهم في إنقاذ أرواح" وأن "الأخبار الكاذبة"، بما فيها المعلومات الخاطئة والنصائح غير السليمة على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تجعل انتشار الأمراض أسوأ.

في ظل عدد كبير من الاخبار الكاذبة حول كورونا، ترجع أولوية معالجتها حسب تأثيرها على صحة الناس، بحسب ما يؤكد مؤسسة منصة "ده بجد" المصرية هاني بهجت. ويشير بهجت في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى وجود أطباء متخصصين في المنصة ساعدوا في توفير المعلومات والاثباتات المرتبطة بالأخبار الطبية المغلوطة، والتي تشكل خطرا على صحة الأشخاص.

شهدت بداية انتشار فيروس كورونا في المنطقة العربية تدفقاً كبيراً للأخبار الصحيحة والخاطئة والمضللة حول الفيروس. واعتبرت هذه الاخبار مساحة لترويج الشائعات والخرافات. يرجع السبب الى الطبيعة المجهولة لهذا الفيروس، ونقص الوعي لدى الجمهور، واستخدام هذا النوع من الاخبار الكاذبة لدى بعض المواقع الاخبارية، للحصول على عدد أكبر من القراء المهتمين بكل ما يرتبط بكورونا.

أكثر من 300 خبر زائف حول كورونا تم معالجته في منصة "فتبيّنوا" الأردنية خلال فترة تفشي الفيروس. تنوعت تلك الاخبار بين أخبار سياسية، طبية، وإجتماعية، وتطلبت جهود التعامل معها، العمل أكثر من 16 ساعة يوميا من المحررين، بحسب ما يؤكد المدير التنفيذي للمنصة معاذ الظاهر لـ"مهارات ماغازين".

في المقابل، يؤكد مسؤول خدمة تقصي صحة الأخبار باللغة العربية في وكالة "فرانس برس" خالد صبيح في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان "القسم العربي للتحقق من الاخبار الكاذبة في الوكالة عالج أكثر من 150 خبرا كاذبا حول كورونا، خلال 3 أشهر، وهو رقم مهول، مقارنة مع وجود 13 قسم يعملون بـ 13 لغة في الوكالة".

ويشير مدير تحريرمنصة "تأكد" السورية ضرار خطّاب لـ"مهارات ماغازين" الى نوعين من الاخبار الكاذبة حول "كورونا"، النوع الأول ارتبط بمعلومات علمية مغلوطة حول الفيروس، والنوع الثاني إرتكز على تزوير المعلومات التي تنشرها وسائل الاعلام.

وتضيف المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات التي تحتضن "فاكتوميتر" وهو قسم خاص في موقع "مهارات نيوز" الاخباري، نوعا ثالثا من الاخبار المغلوطة المرتبطة بكورونا والتي تصدر على لسان المسؤولين لاسيما بمواقع التحقق المتخصصة بالتأكد من تصاريح السياسيين. هذا الى التحقق من مطابقة الاجراءات المتخذة مع القوانين المرعية.

أدوات كشف الأخبار الزائفة

إتفق المسؤولون عن إدارة منصات التحقق من المعلومات،على عدة أدوات، يتم استخدامها للتحقق من الاخبار الكاذبة في زمن كورونا. أكثر الطرق تداولا اشراك الجمهور في عملية التحقق، عبر الاعتماد على تبليغات المشتركين في هذه المنصات، بعدها تأتي مرحلة التأكد من الأخبار الأكثر تداولاً، وذلك يكون من خلال التحقق من مصادر الاخبارودرجة مصداقيتها، ومعرفة ما اذا كان الخبر قد تم تفنيده من جهة ما، إلى جانب فحص الصور المرافقة للخبر باستعمال برامج مثلGoogle image ، Fotoforensics.com، Tineye  أو بالبحث في Youtube عندما يتعلق الأمر بالفيديو، وأحيانا الاتصال بالجهة المعنية بالخبر للتحقق من صحته.

وتقول مخايل ان الكشف قد يكون بسهولة العودة الى المراجع الموثوقة من منظمة الصحة العالمية او مراكز السيطرة على الامراض ومكافحتها وترجمتها مثل ما فعلنا في "فاكتوميتر" للتحقق اذا ما كانت كورونا تنتقل في السباحة في البحر ولا تنتقل في الاحواض كما ورد في قرار وزارة الداخلية اللبنانية، او في انتشار خبر الكورونا الافريقية المتحولة جينيا والاكثر فتكا.

تتفق هذه المنصات على احترام قواعد معينة، مثل عدم نشر الشائعات التي لم تعرف انتشاراً واسعاً، وعدم نشر التكذيب الذي لا يتضمن دليلا.

تحدّي الاخبار الكاذبة حول كورونا

فرض الكم الكبير من الاخبار الكاذبة حول فيروس كورونا مجموعة من التحديات لتفنيد هذه الاخبار. وقد تشاركت منصات التحقق العربية بالعديد من هذه التحديات. أبرزها يعود الى صعوبة الوصول الى المعلومات حول الفيروس، خصوصا فيما يرتبط بمنصة "تأكد" السورية. إذ تعاني المنصة من امكانية التأكد من الارقام التي يصدرها النظام السوري حول عدد الاصابات والوفيات من جرّاء الفيروس.

كذلك، يوضح مسؤول خدمة تقصي صحة الأخبار باللغة العربية في وكالة "فرانس برس" خالد صبيح في حديث لـ "مهارات ماغازين" ان من التحديات البارزة في تدقيق الاخبار، ان تكون عملية تقنية بحتة خارج الحسابات السياسية والولاءات الوطنية والطائفية والمعتقدات الطبية والعلمية، وبعيدا عن المحاور السياسية التي يتبعها الاعلام في المنطقة العربية.

وتؤكد مديرة مهاراتالتي تحتضن "فاكتوميتر"رلى مخايل على صعوبة التحقق في بلدان منقسمة مثل لبنان حيث "علينا التأكد حتى من تصاريح الخبراء وحيث كل الناس مسيسة ويتماهون مع الآراء التي تشبههم والسياسيينن الذين ضمن اصطفافهم السياسي."

ثمة مجموعة من التحديات الاخرى التي تشترك فيها المنصات العربية، وهي:

  • صعوبة التعامل مع كم هائل من الاخبار الكاذبة والمغلوطة والعدد الهائل من المعلومات الواردة حول الفيروس.
  • حداثة الوباء ونقص المعلومات الطبية والعلمية عنه.
  • تعديل بعض المصادر كمنظمة الصحة العالمية لمعلوماتها المنشورة حول الفيروس مع زيادة الدراسات والمعلومات، ما سبب لغطاً لدى الجمهور حول هذه المعلومات.
  • نقص المحتوى الطبي العربي حول فيروس كورونا مقارنة مع اللغات الاخرى.
  • تصديق الشائعة والمعلومة الخاطئة كان أقوى لدى الناس بالرغم من تقديم الاثباتات حول عدم صحتها.

نظرية المؤامرة

بدأت منذ اللحظة الأولى للإعلان عن انتشار الفيروس،انتشار اخبار كاذبة تصف تفشي "كورونا" بالـ"مؤامرة"، وتتسع للزعم بأنه حرب بيولوجية بين الولايات المتحدة والصين. والزعم بأن الوباء لا وجود له، وأن الفيروس مبالغ فيه ولا يستحق كل هذه الضجة الإعلامية من العالم أجمع! وأن عدد ضحايا الأنفلونزا أكثر من ضحايا الفيروس، وهي معلومة غير صحيحة على كل حال، لأنها لا تأخذ في الاعتبار سرعة انتشار الفيروس ولا معدلات الوفيات في كلا الحالتين، بل وتطور الأمر إلى الزعم بأن الفيروس لا ينتج عنه ضحايا، وأن الأرقام المعلنة غير حقيقية، وأن المستشفيات لا يوجد فيها مرضى!  وبالرغم من تفنيد تلك الشائعات الا ان عدداً كبيراً من المتابعين لا يزالون يعتبرون ان كورونا "مؤامرة من الدول ضد الشعوب".

منذ مطلع 2020، هناك 70 في المئة من الاخبار الكاذبة التي عالجها موقع "مسبار" كانت حول كورونا، بحسب أحمد بعلوشة. وتضمنت هذه الاخبار الى جانب الحديث عن مؤامرة، تصريحات مغلوطة منقولة عن منظمة الصحة العالمية، وأخبار عن علاجات مصرية سورية لبنانية للفيروس.

يرجع معاذ الظاهر تبني الجمهور لتلك الاخبار الكاذبة الى نقص الوعي، كما ان هناك ميلاً لدى الجمهور لتصديق الشائعات حتى لو دُحضت بالإثباتات حول عدم صحتها. لكن ذلك يتغيّر شيئاً فشيئاً مع الجهد المبذول من منصات التحقق والاعلام المهني لتفنيد هذا النوع من الاخبار.

في المقابل، يعتبر هاني بهجت وضرار خطّاب انه بالرغم من انتشار اخبار كاذبة كثيرة حول نظرية المؤامرة والعلاجات الخاصة بكورونا، الا ان الجمهور في كثير من الحالات تفاعل ايجابياً من خلال رصد هذه الشائعات والرد عليها احيانا من خلال المقالات التي تنشرها منصات التحقق من الاخبار الكاذبة.

الدوافع من انشاء المنصات

حمل المشهد الاعلامي السوري الكثير من الاخبار المغلوطة والمضللة منذ اندلاع الأحداث في 2011. وجاء تأسيس منصة "تأكد" في العام 2016 كمحاولة للحد من انتشارهذه الاخبار، التي تستخدمها الأطراف المتنازعة في سوريا، ولتشجيع المؤسسات الإعلامية على الالتزام بمبادئ العمل الصحافي، وللتواصل مع الجمهور السوري المقيم في سوريا او المغترب، لا سيما ان المنصة تنشر بثلاث لغات هي العربية، الانكليزية، والتركية.

المدير التنفيذي لموقع "فتبينوا" معاذ الظاهر يؤكد ان الهدف من المنصة محاربة الخرافة بكل أنواعها لإيصال الحقيقة للجمهور، ويحتوي الموقع أنواعاً مختلفة من الخرافات التي يقوم الموقع بتصحيحها كخرافات الكترونية، واجتماعية، ورياضية، وطبية.

وتلفت المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات ان "فاكتوميتر" قسم خاص في موقع "مهارات نيوز" الاخباري، يتحقق من تصاريح المسؤولين ويقيس مدى دقة المعلومات التي يوردونها في تصريحاتهم لاسيما ان هؤلاء يروجون فقط لمشاريعهم السياسية ولا يقدمون اية وقائع او ارقام او احصاءات في تصريحاتهم في وقت ينتشر فيه الفساد وتغيب المحاسبة.

تختلف الدوافع التي ساهمت في انشاء منصات التحقق من المعلومات في العالم العربي، لكنها تشترك في هدف مكافحة الاخبار الكاذبة، التي باتت تسيطر على المشهد الاعلامي العربي وحتى العالمي.

ويؤكد بعلوشة ان الدافع وراء إطلاق موقع "مسبار"، الذي يعمل فيه ما يقارب 30 صحافياً وموظفاً، هو كثافة ضخ الأخبار المفبركة والكاذبة، والحاجة المتزايدة لإعادة ثقة المستخدمين بمنصات الإعلام والأخبار، من دون التلاعب بالحقائق.

لا يشترط نجاح منصات التحقق من الاخبار وجود إمكانيات مادية كبيرة، والدليل على ذلك نجاح منصة "ده بجد" المصرية، التي تعمل فيها مجموعة من المتطوعين تحت إشراف هاني بهجت. ويؤكد بهجت ان عمل المنصة هدفه التحقق من صحة الأخبار، ونشر الوعي لدى الجمهور من اجل التقليل من الشائعات التي تطال جميع المجالات.