|
الأخبار الساخرة

تصديق الأخبار الساخرة حول "كورونا"... الحلّ في التربية الإعلامية

لا تندهش عندما تسمع أن هناك من تداول خبر"مقتل 14 من آكلي لحوم البشر بعد تناولهم مهندساً صينيًّا مصاباً بفيروس كورونا المستجد"، أو  خبر يفيد بأن "المريض الأول بفيروس كورونا كانت سبب إصابته  ممارسة الجنس مع عدد من الحيوانات ومنها "الخفافيش".فهذه الاخبار الساخرة تم تداولها على انها أخبار حقيقية حول فيروس كورونا!

لا تندهش عندما تسمع أن هناك من تداول خبر"مقتل 14 من آكلي لحوم البشر بعد تناولهم مهندساً صينيًّا مصاباً بفيروس كورونا المستجد"، أو  خبر يفيد بأن "المريض الأول بفيروس كورونا كانت سبب إصابته ممارسة الجنس مع عدد من الحيوانات ومنها "الخفافيش". فهذه الاخبار الساخرة تم تداولها على انها أخبار حقيقية حول فيروس كورونا!

وبالرغم من نشر هذه الاخبار على موقع World News Daily Report، الذي يعتبر من المنصات الساخرة التي تنشر الأخبار غير الحقيقية، والتي تؤكد الطبيعة الساخرة لمقالاتها والطبيعة الخيالية لمحتواها عبر رسالة على المنصة، إلا ان هناك الكثير من الاخبار الساخرة المنشورة على الموقع، يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الاعلامية على انها اخبار حقيقية، لا سيما تلك المرتبطة بفيروس "كورونا".

الميل لتصديق الأخبار الساخرة

ولا تقتصر ظاهرة تداول الاخبار الساخرة والكاذبة على انها حقيقية في العالم العربي بل تشمل كل العالم. ويشير الاستاذ الجامعي والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات داود إبراهيم في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى ان "هذا النوع من الأخبار جذّاب ومثير، ونشره يأتي في كثير من الاحيان للحصول على تفاعل وان كان سلبيا على مواقع التواصل الاجتماعي".

ويرجع الميل الى تصديق الاخبار الساخرة حول كورونا، الى ان هذا الفيروس جديد، ويكثر حوله اللغط والتضارب في المعلومات الطبية، اضافة الى وجود الكثير من الأفكار المسبقة حول الصين، البلد الذي انطلق منه الوباء، وعاداته وثقافاته الغريبة عن المجتمع العربي، خصوصاً في مجال الطعام.

لا يعدّ انتشار الاخبار الساخرة بهدف التضليل جديداً، لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي، والكم الكبير من الاخبار الكاذبة حول فيروس كورونا، أصبحت تنتشر بشكل يجعل تمييزها عن الأخبار الحقيقية صعباً.

وتشير كثافة تداول الاخبار الساخرة الى ان هناك ميلاً شعبياً للتداول بها، وتزايد هذا السلوك مع انتشار فيروس "كورونا" حيث شارك مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي المحتوى الساخر والغريب على أنه حقيقي. وترجع مديرة البرامج في أكاديمية "دويتشه فيليه" منى نجار في حديث مع "مهارات ماغازين" ذلك "الى حداثة الفيروس وقلة المعلومات عنه"، مشيرة الى ان "نزع الاخبار حتى لو كانت ساخرة من سياقها أيضاً، تجعلها قابلة للتصديق من الجمهور".

دور الاعلام

والحل في مواجهة إنتشار الاخبار الساخرة على انها صحيحة، يكمن في المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الصحافيين في عدم نشر الاخبار الساخرة على انها حقيقة، بحسب نجار، فضلاً عن التأكد من مصادر الخبر الذي يصل الى الصحافيين، حتى لا يقعوا في الفخ. ولكن احيانا يتعرض الصحافي للضغط بحكم عامل الوقت ويرتكب اخطاء. لذلك، من المهم ايضا ان تلتزم وسائل الاعلام بنوع من الشفافية وتنشر ما وقعت به من اخطاء في نشر اخبار كاذبة حول كورونا، لتزيد من مصداقيتها تجاه المتلقي.

يؤكد إبراهيم ان على وسائل الاعلام ان تقوم بدور التحقق من المعلومات، وان لا يصبح السبق الصحافي هو الهدف. كما لا يجب ان تكتفي بتداول ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، بل يجب ان تمتلك هذه المؤسسات فريقاً متخصصاً يتحقق ويحلل المعلومات الى جانب الفريق الذي ينشر المضمون الاعلامي للوسيلة على مواقع التواصل الاجتماعي.

من المفترض الا يحدث تصديق الاخبار الساخرة، كما جرت العادة، بحسب ما يقول مدير المحتوى في "شبكة الحدود" (موقع اخباري ساخر)  لؤي حازم لـ"مهارات ماغازين"، لانه "حتى لو التبس على القارئ في البداية سياق الموقع الذي ينشر الخبر، فالتعليقات على الخبر كفيلة بتوضيح ان الخبر ساخر".

لكن الخوف فعلياً، بحسب حازم، من المواقع الاخبارية التي تنسخ النصوص المرتبطة بكورونا كما هي دون الاشارة الى مصدر الخبر، أو الايضاح بأن هذا الخبر ساخر، وهو ما يدفع الجمهور الى تصديق هذا النوع من الاخبار. فخلال الفترة الماضية، برز هناك قدر من الهوس بكل أخبار كورونا، وحدث تضارب كبير في المعلومات، وفتح الاعلام مجالاً أمام اشخاص ليسوا متخصصين في علم الأوبئة، وبالتالي حدث تشويش لذهنية القارئ من كمّ المعلومات المعروضة أمامه.

لا تقتصر توصيات التصدّي للظاهرة، على المواثيق والتعليمات والنصائح، فهناك دور كبير أيضاً للتربية الإعلامية الرقمية لجهة ضرورة السعي الى تزويد الأفراد بمهارات التعامل مع وسائل الإعلام (التقليدية والجديدة) عن طريق تمكينهم من الوصول إلى الرسائل الاتصالية المنشورة عبر تلك الوسائل، والمنصات، ومواقع الشبكات الاجتماعية، ومن ثم تحليلها وتقييمها والتحقق من دقة البيانات والمعلومات الواردة فيها، والرجوع إلى مصادرها للتأكد من صحتها ومصداقيتها.

وتُبين التربية الإعلامية الرقيمة للفرد كيف يؤثر الإعلام في حياته اليومية بطرق مباشرة أو غير مباشرة وتطور مهارات استخدامه للأدوات والتطبيقات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، والتي يمكن ان تُعدّ كأدوات تساعد المستخدم في تحليل المحتوى الذي يتعرّض له، وهو أمر يزيد من فرصة التحقق من الأخبار والصور والمقاطع المرئية التي يتعرض إليها الفرد أو يشاهدها.

ويتبلور دور التربية الإعلامية الرقمية بشكل أكثر وضوحاً في محاربة الأخبار الكاذبة والساخرة، والشائعات، والمعلومات الخاطئة، وتنمية وتعزيز قدرات ومهارات التفكير الناقد لدى الأفراد والمستخدمين. فالتفكير بطريقة نقدية يُعد عنصراً مهماً من عناصر التعامل بوعي ووضوح مع وسائل ومنصات الإعلام، وتحديد ما هو سلبي وإيجابي من رسائل تُنشر وتُبثّ عبرها، وتمكينهم أيضا من التمييز بين الحقائق والآراء، وهو عامل آخر يسهل على المستخدمين كشف المعلومات الكاذبة والسعي لإيقاف انتشارها ووصولها إلى أعداد أكبر من الجمهور.

آليات تطبيق التربية الاعلامية

كذلك، يمكن ان تتعزز التربية الاعلامية من خلال عمل منصات التحقق من المعلومات، التي تعرض الأخبار الكاذبة مع نشر تفاصيل حول الأدوات التي يمكن ان يستخدمها الجمهور للتحقق من المعلومات.

هنا يشير حازم الى ان التربية الاعلامية يجب ان تكون لجهتين، الاولى المؤسسات الاعلامية لتضمن ترسيخ ذهنية ضرورة التحقق من المصادر والإشارة اليها، أما الجهة الثانية فهي القارئ، الذي يجب ان يعتاد على تحليل المعلومات والتأكد من مصادرها.

وقد قامت شبكة "الحدود" بإطلاق جائزة الحدود للصحافة العربية، التي تتضمن فئات للمواد المضللة والمليئة بالبروباغندا. كذلك في الجريدة الورقية لـ"الحدود"، هناك خدمة تصحيح المواد الاعلامية بتحليل ساخر للنصوص الصحافية وتوضيح لمواقع الخطأ فيها. وهذا جزء من جهد عربي يجب ان يتم، بحسب حازم، لمحاربة الاخبار الكاذبة.

تختلف أساليب تطبيق التربية الاعلامية لمواجهة الاخبار الكاذبة، فهي يمكن ان تبدأ من المدارس، عبر وضع منهاج تربوي ونشاطات إعلامية تعزز ثقافة التفكير النقدي للإعلام بما يتضمنه من تحقق من المصادر ومن مصداقية المنصات الاعلامية التي تقوم بنشر الاخبار.

ويشير ابراهيم، في هذا السياق، الى ان هناك ضرورة ملحّة لإدخال التربية الاعلامية الى المناهج المدرسية والجامعية. يقول: "في بلدان تملأها الصراعات، ويلعب فيها الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً بحسب الأجندات السياسية، هناك حاجة ملحة لإدخال التربية الاعلامية في المناهج، من أجل رفع وعي الجيل الشاب لكيفية التعاطي مع المضمون الاعلامي، وتعزيز الفكر النقدي".