|
شبكات الصحافيات

شبكات الصحافيات في العالم العربي..مساحة للتضامن ورفع القدرات والتوازن الجندري

الصعوبات والتحديات التي تواجه الصحافيات في العالم العربي عديدة، وتبدأ من بيئة العمل الذكورية، وضعف تمثيل الصحافيات في مراكز صنع القرار، وغياب التوازن الجندري في المؤسسات الاعلامية، ولا تنتهي بالتحرّش، والمعوقات الاجتماعية التي تحدّد عمل المرأة، وتجعل من مهنة الصحافة للمرأة أشبه بـ"التابو"

قدّم "نادي الاعلاميات الفلسطينيات" أوسع مساحة تشاركية للاعلاميات الفلسطينيات، حيث "وفّرت نشاطاته، مثل مؤتمر "الصحافيات يتحدثن"، مساحة أكبر للاعلاميات الفلسطينيات لكي يتحدثن ويعبّرن عن ذواتهن وعن ابرز التحديات التي يعانين منها".

هذا أبرز ما أكدته الصحافية الفلسطينية شيرين خليفة حول الانضمام الى منتديات وشبكات الصحافيات في فلسطين، وهو جزء من المساحة التي وفرتها شبكات الصحافيات في العالم العربي للصحافيات بغرض رفع قدراتهن.

فالصعوبات والتحديات التي تواجه الصحافيات في العالم العربي عديدة، وتبدأ من بيئة العمل الذكورية، وضعف تمثيل الصحافيات في مراكز صنع القرار، وغياب التوازن الجندري في المؤسسات الاعلامية، ولا تنتهي بالتحرّش، والمعوقات الاجتماعية التي تحدّد عمل المرأة، وتجعل من مهنة الصحافة للمرأة أشبه بـ"التابو".

ودفعت هذه التحديات بعض الصحافيات ومؤسسات المجتمع المدني الى انشاء شبكات ومنتديات مخصصة للصحافيات، لتشكل شبكة أمان ومساحة للتشبيك ورفع صوت الصحافيات، مثل نادي الاعلاميات الفلسطينيات التابع لمؤسسة "فلسطينيات"، و"منتدى الاعلاميات العراقيات"، و"شبكة الصحافيات السوريات"، و"شبكة الصحافيات اليمينيات"، وشبكة "ماري كولفن" للصحافيات.

فلسطين

تأسس "نادي الاعلاميات الفلسطينيات" التابع لمؤسسة "فلسطينيات" في العام 2010، ويضم اليوم اكثر من 600 صحافية من الضفة الغربية وقطاع غزة. وجاءت فكرة انشاء النادي بحسب مديرة مؤسسة "فلسطينيات" وفاء عبد الرحمن، بهدف إيجاد منصة تجمع الصحافيات من الضفة الغربية وقطاع غزة لتجاوز الخلافات السياسية، لا سيما ان هناك ضعفاً تعاني منه نقابة الصحافيين في هذا الاطار.

وتؤكد عبد الرحمن لـ"مهارات ماغازين" ان هناك اهدافا اخرى كانت وراء تأسيس النادي، بينها تقديم مساحة لرفع صوت الصحافيات من اطلاق مؤتمر سنوي للصحافيات الفلسطينيات حمل عنوان "الصحافيات يتحدثن".

كذلك، تتمثل بعض الاهداف بتقديم خدمات للصحافيات لتعويض غياب النقابة، حيث عمل النادي على تنمية قدرات الصحافيات في عدة مجالات، مثل "التغطية الحساسة للجندر" و"صحافة الموبايل" والكتابة الصحافية، كما تم انشاء وكالة اخبارية تهتم بتغطية قضايا النساء، وهي وكالة "نوى".

وكان الهدف من انشاء الوكالة بحسب عبد الرحمن، "توفير فرص عمل للصحافيات المستقلات، اللواتي يشكلن نسبة 85 في المئة من الصحافيات الفلسطينيات".

اليمن

أرخت الحرب في اليمن بظلالها الثقيلة على الصحافيات، إذ لا وجود لقضايا المرأة على أجندة وسائل الاعلام، وتحول الخطاب الاعلامي الى منافسة بين أطراف الصراع. هذا التحدي، دفع مجموعة من الصحافيات الى تشكيل "شبكة الصحافيات اليمنيات"، وبدأ تشكيل الشبكة في نهاية العام 2018، وهي تضم الآن 72 صحافية من جميع أنحاء اليمن.

وتؤكد منسقة الشبكة وداد البدوي لـ"مهارات ماغازين" ان الشبكة انطلقت في وضع صعب مع وجود تغطية لا تتعدى الـ 2 في المئة لقضايا النساء في الاعلام اليمني، إضافة الى ابتعاد الكثير من الصحافيات بسبب الحرب عن العمل الصحافي وتوقف العديد من المؤسسات الاعلامية المستقلة.

وتقول البدوي ان الشبكة تهدف الى رفع قدرات الصحافيات الشابات، اللواتي يعتبرن اغلب اعضاء الشبكة. فقد عملت الشبكة على تطوير قدرات الصحافيات في ثلاث مجالات. المجال الاول كان مهنياً من خلال تدريب الصحافيات على مهارات الكتابة الصحافية، أما المجال الثاني فكان حقوقياً عبر رفع الوعي بحقوق الانسان وحقوق المرأة والتغطية الحساسة للجندر. في حين، كان المجال الثالث تقنياً من خلال رفع المهارات في مجال الاعلام الجديد وتقنياته.

العراق

لا يختلف واقع الامور في العراق كثيرا عما هو عليه في اليمن وفلسطين، فقد واجهت الصحافيات العراقيات تحديات عدة دفعت بمجموعة من الصحافيات الى انشاء "منتدى الاعلاميات العراقيات" في العام 2011، ويضم المنتدى اليوم أكثر من 400 صحافية عراقية من مختلف المحافظات.

وتقول رئيسة المنتدى نبراس المعموري لـ"مهارت ماغازين" ان الهدف من تأسيس المنتدى يتمثل في مواجهة التمييز ضد المرأة في المؤسسات الاعلامية ونقابة الصحافيين العراقيين، اضافة الى رفع قدرات الصحافيات، واعطائهن صوتاً عبر حملات الضغط التي يمكن ان يقوم بها المنتدى.

وتشير المعموري الى ان برامج رفع القدرات تنوعت بين برامج التنمية البشرية للصحافيات من اجل الحصول على درجات وظيفية أعلى، والمطالبة بالحقوق ورفع الصوت لا سيما في موضوع التحرش ضد الصحافيات، وزيادة المهارات الصحافية عبر ورشات عمل حول الصحافة الاستقصائية والأمن الرقمي ومهارات الكتابة الصحافية.

سوريا

منذ بداية الحراك في سوريا عام 2011، تشكلت العديد من شبكات الدعم النسوية، وفي 2013 تم انشاء "شبكة الصحافيات السوريات"، التي قدمت برامج عدة على صعيد رفع القدرات واستفاد منها عشرات الصحافيات والصحافيين. وتهدف الشبكة الى تطوير قطاع الإعلام السوري من منظور جندري، لردم الفجوة من خلال نساء صحافيات عاملات، ولتغيير المحتوى الإعلامي المنتج، وبناء جسر بين قطاع الإعلام والحراك النسوي في سوريا.

وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة "شبكة الصحافيات السوريات" في حديث لصحيفة "الشرق الاوسط" ان الشبكة تعمل منذ تأسيسها على رفع مستوى الوعي حول السلامة المهنية من خلال توفير تدريبات للصحافيات والصحافيين، بهدف خلق المعرفة في كيفية إدارة وتحليل المخاطر، وأولويات ومعوقات السلامة، وتسليط الضوء على التحديات التي توجه الصحافيات تحديداً خلال عملهنّ، كونهنّ نساء، وكمدافعات عن حرية التعبير.

شبكة عابرة للحدود

في المقابل، كان هناك شبكات دعم للصحافيات، عملت في مختلف البلدان العربية مثل شبكة "ماري كولفن"، التي تأسست في عام 2016، وبدأت علمها بشكل فعلي واصبحت متواجدة على مواقع التواصل الاجتماعي في شباط/ فبراير عام 2020. وتضم الشبكة اليوم أكثر من 220 صحافية من مختلف البلدان.

وتركز الشبكة أهدافها بحسب رئيسة الشبكة ديما حمدان على دعم الصحافيات بشكل فردي وتوفير مساحة آمنة للصحافيات للحوار وتبادل الافكار والخبرات وتقديم الدعم النفسي، إضافة الى رفع القدرات عبر تقديم ورش عمل متعددة في مختلف المواضيع، منها "صحافة الموبايل" والتحقق من المعلومات.

وتقول حمدان لـ"مهارات ماغازين" ان الشبكة ايضاً لديها مجموعة من "المرشدات" اللواتي يقدمن النصائح للصحافيات في عدة مجالات، لا سيما المجال المهني والسلامة الالكترونية والصحة النفسية.

التوازن الجندري

تشترك شبكات الصحافيات في العالم العربي بعدة أهداف رغم اختلافها جغرافياً. أكثر الاهداف أهمية لهذه الشبكات، العمل على ضمان التوازن الجندري في المؤسسات الاعلامية، وضمان التغطية الاعلامية الحساسة لقضايا النساء.

خلال خمسة أعوام، حاول "نادي الاعلاميات الفلسطينيات" زيادة تمثيل النساء في المؤسسات الاعلامية ونقابة الصحافة. وقد قدم النادي، بحسب ما تقول وفاء عبد الرحمن، ثلاث مبادرات لتوحيد نقابة الصحافة ودعم تمثيل النساء فيها، كما يقوم النادي بتوفير تدريبات للصحافيات والصحافيين الجدد على التغطية الحساسة للجندر من اجل الاضاءة بشكل اكبر على قضايا النساء في الاعلام.

في اليمن، انشأت "شبكة الصحافيات اليمنيات" غرفة أخبار الجندر، ويتم عبرها دعم أي صحافي أو صحافية يحاولون انتاج مواد صحافية تضيء على قضايا النساء في اليمن، كما حاولت الشبكة التشبيك بين المؤسسات الاعلامية والصحافيات ورفع قدرات الصحافيات لتوفير فرص عمل لهن، من أجل زيادة تمثيل النساء في وسائل الاعلام اليمنية.

بدورها، حاولت "شبكة الصحافيات السوريات" دعم التوازن الجندري في الاعلام السوري عبر برامج الشبكة "جندر رادار"، الذي يهتم برصد المحتوى الإعلامي لعدد من المؤسسات الإعلامية السورية التي ظهرت بعد 2011، وإنتاج دراسات دورية لتحليل الخطاب الجندري، من خلال زيارات ميدانية وحلقات تدريبية، وتقديم استشارات لتطوير التفكير النقدي داخل المؤسسات، وللفريق العامل، إضافة الى كتابة ومناقشة توصيات بغية تطوير السياسة التحريرية بطريقة تشاركية.

وتختلف طريقة عمل شبكة "ماري كولفن" بحسب ديما حمدان لدعم التوازن الجندري، حيث "لا تعمل الشبكة مع المؤسسات الاعلامية بشكل مباشر، ولكنها تركز على الصحافيات في الأساس". وتقدم الشبكة برامج لرفع القدرات والمهارات للصحافيات، اضافة الى توفير الدعم القانوني للصحافيات في حال واجهن أي مشاكل قانونية مع المؤسسات الاعلامية من أجل المطالبة بحقوقهن، وبالتالي دعم قضية التوازن الجندري بشكل غير مباشر.

تحديات مشتركة

تختلف التحديات التي تواجه شبكات دعم الصحافيات بشكل أو بآخر، الا ان الامل في تجاوز التحديات يبقى كبيراً لدى القائمين على هذه الشبكات.

التحدي الاكبر للصحافيات الفلسطينيات يبقى بالإنقسام السياسي الحاصل بين قطاع غزة والضفة الغربية بحسب ما تقول وفاء عبد الرحمن، كون هذا الملف "يصعّب ايجاد ارضية تعاون لا سيما مع نقابة الصحافة التي تتبع الجهات السياسية بطبيعة الحال".

أما في اليمن، فيمثل التحدّي الأمني الهاجس الاكبر لـ"شبكة الصحافيات اليمنيات"، وما ينعكس عليه من تبعات اجتماعية فرضت على العديد من الصحافيات البقاء في المنزل وترك مهنة الصحافة.

ولا يختلف العراق عن اليمن كثيرا لجهة الواقع الامني وتهديد الصحافيات، كما تقول المعموري، لا سيما في حال كشفت الصحافيات عن بعض ما يتعرضن له من تحرش في مؤسسات اعلامية تابعة لأحزاب سياسية توصف بالدينية.

كذلك، تواجه الصحافيات في العراق واقعاً مريراً لجهة عدم تطبيق القوانين، لاسيما تلك التي تدعم قضية التوازن الجندري في المؤسسات الاعلامية، كقانون "شبكة الاعلام العراقي" (المؤسسة الاعلامية الرسمية)، الذي يشدّد على قضية التوازن الجندري وضرورة تمثيل النساء في مجلس امناء الشبكة (الجهاز التنفيذي)، لكن هذا القانون لا يطبق.

وتوضح ديما حمدان من شبكة "ماري كولفن" ان التحديات عديدة، أبرزها عدم وجود مكاتب للشبكة في البلدان العربية، وبالتالي التواصل يعتبر صعباً مع الصحافيات. ولكن، هذا التحدي بات الان نقطة قوة في زمن كورونا، حيث لم تأخذ الشبكة وقتاً لتعديل استراتجيات العمل عبر الانترنت.

والتحدي الاخر بحسب حمدان ان البيئة في العالم العربي لا تساعد على العمل الصحافي الحر، في ظل سياسات تكميم الافواه والقمع ضد الصحافيين.

وبالرغم من اختلاف ما سبق من تحديات الا ان هناك تحديات مشتركة بين الشبكات يجب الاسراع في إيجاد حلول لها، لا سيما ايجاد مصادر للتمويل بشكل مستدام من اجل توفير بيئة عمل متناسبة مع حجم الدعم الذي تقدمه الشبكات للصحافيات.