|
التحرش بالصحافيات

التحرش بالصحافيات...غياب الإطار القانوني وآليات المكافحة

أرقام مرعبة عرضتها بعض الدراسات التي قامت بها شبكات دعم الصحافيات حول التحرش بالصحافيات في بعض البلدان العربية

تتجنب صحافية يمنية الذهاب لمقابلة الضيف في مكتبه، لأن الضيف السابق حاول التحرش بها.. وتقوم صحافية مصرية بصفع المصوّر الذي نزلت برفقته في مهمة ميدانية في القاهرة، وتجرّه إلى أقرب قسم شرطة، لأنه تحرش بها. كما ترفض صحافية عراقية العمل ليلاً في مؤسستها الاعلامية لان مدير هذه المؤسسة الاعلامية المحسوبة على أحزاب سياسية دينية "يستفرد بالصحافيات ليلاً".

تتعدد قصص التحرش بالصحافيات في البلدان العربية. لا إطار قانونياً يحمي، ولا نقابة صحافة تمتلك آليات فعّالة لتقديم الشكوى. تبقى الصحافية أمام خيار بات شبه واقع، ويتمثّل بالصمت.

أرقام مرعبة عرضتها بعض الدراسات التي قامت بها شبكات دعم الصحافيات حول التحرش بالصحافيات في بعض البلدان العربية.

في العراق، أجرى منتدى الاعلاميات العراقيات استبياناً حول التحرش بالصحافيات، وأظهرت النتائج تعرض 68 في المئة من الصحافيات للتحرش. وعن موقفها حين تتعرض للتحرش، فكانت النتيجة 42 في المئة تستمر بعملها و45 في المئة تستقيل و13 في المئة تُطرَد. وعن أسباب الاستمرار في العمل بعد التعرض للتحرش، بيّنت النتائج ان سبب الاستمرار بالعمل يعود الى الخوف على السمعة بنسبة 40 في المئة، والحاجة المادية بنسبة 24 في المئة.

أما في فلسطين، فقد أشارت دراسة لمؤسسة "فلسطينيات" في طور الاعداد إلى أن 93 في المئة من الصحافيات يتعرضن للتحرش أثناء العمل. وتنقسم هذه النسبة الى 39 في المئة يؤكدن أن هذا التحرش يتم في الشارع أثناء أداء العمل، في حين ترى 28 في المئة منهن أن التحرش يتم في مكان أو مقر العمل، وترى 26 في المئة منهن أن التحرش يتم أثناء اجراء مقابلات مع مسؤولين، فيما ترى 7% فقط أنه لا يوجد تحرش.

كذلك،  أشار تقرير صادر عن "المؤسسة الدولية للإعلام النسائي" الى ان التحرش طال نحو ثلثي الصحافيات عبر العالم، علماً أن ربع تلك المضايقات تجري على شبكة الإنترنت.

أمام هذا الواقع لا بد من تناول الاطار القانوي المرتبط بمكافحة التحرش، ودور شبكات الصحافيات والنقابات الصحافية البلدان العربية في مواجهة هذا الواقع، إضافة الى الجهود الدولية لنشر الوعي في المؤسسات الاعلامية ولدى الصحافيات من أجل توفير بيئة آمنة خالية من التحرش الجنسي.

الإطار القانوني للتحرش الجنسي

لا يوجد إطار قانوني أو تشريع يحمي الصحافيات من التحرش الجنسي، بل ولا يوجد الا فيما ندر قانون مخصص للتحرش الجنسي بشكل عام، لتبقى الاشارة الى التحرش الجنسي عامة في كثير من الاحيان عبر ذكره في قوانين اخرى كقانون العقوبات وحماية الاسرة.

في العراق:

لا قانون متخصص بالتحرش، ولكن يعتبر التحرش في العمل جريمة وفقا لقانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015.كما توضح ذلك المادة العاشرة من قانون العمل العراقي التي تحظر التحرش الجنسي في الاستخدام والمهنة سواء كان على صعيد البحث عن العمل أو التدريب المهني أو التشغيل أو شروط وظروف العمل.

ويحظر القانون أي سلوك آخر يؤدي إلى إنشاء بيئة عمل ترهيبية، أو معادية، أو مهينة لمن يوجه إليه هذا السلوك، بالإضافة الى النصوص القانونية التي تجرم التحرش في قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969.

في الاردن:

لا يوجد تعريف مباشر للتحرش في القانون الأردني، لكن السلطات الأردنية أقرت تعديلات تشريعية على قانون العقوبات، خصوصاً في ما يتعلق بالمادة 305، التي كانت تشير إلى المعاقبة بالحبس من شهر إلى سنتين كل "من داعب بصورة منافية للحياء" شخصاً لم يكمل الـ 18 من عمره. وفي حال تكرار الفعل لا يجوز، وفق القانون، تحويل عقوبة الحبس إلى غرامة.

وتشير المادة 306 من القانون نفسه إلى المعاقبة "بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة 30 ديناراً إلى 200 دينار كل من عرض على شخص لم يكمل الـ 18 أو على أنثى مهما بلغ عمرها عملاً منافياً للحياء أو كلاماً منافياً للحياء".

لكن تعديلاً تشريعياً ألغى المادة 305، واستعاض عنها بالمعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من "داعب بصورة منافية للحياء شخصاً لم يكمل الـ 18 سواء كان ذكراً أم أنثى أو أكمل الـ 18 دون رضاه". وألغى التعديل المادة 306 واستعاض عنها بالحبس "مدة لا تقل عن ستة أشهر بكل من عرض فعلاً منافياً للحياء أو وجه عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت".

في مصر:

يُعدّ التحرش الجنسي جريمة، ويحاكم المعتدون استناداً إلى المادتين 306 (أ)، و306 (ب) من قانون العقوبات. وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرش سواء لفظياً، أو بالفعل، أو سلوكياً، أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت، إلى السجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات، إضافة إلى غرامة مالية قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (نحو 3120 دولارا). على الرغم من ذلك، فإن غالبية الفتيات لا يحررن محاضر رسمية بوقائع التحرش الجنسي، ما يجعل هذه الظاهرة المجتمعية مستترة وإن كانت منتشرة.

وعلى الرغم من بعض التعديلات التشريعية في الخامس من يونيو/حزيران في عام 2014، والمتعلقة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتوسيع تعريف جريمة التحرش وزيادة العقوبات على من تثبت إدانته بها، إلا أنها لم تمنع ظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع والميادين والمنتزهات، وإن كان هناك تصدٍّ لبعضها بحكم القانون.

وتنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه (نحو 187 دولارا) ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه (نحو 312 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".

في فلسطين:

ليس هناك اي نص قانوني لمعاقبة الجاني في قضايا التحرش، في ظل وجود قانون العقوبات الأردني للعام 1960 والجاري تطبيقه في الأراضي الفلسطينية، وكذلك الحال قي قانون العمل وقانون الخدمة المدنية.

 

في تونس:

لا قانون مخصص للتحرش الجنسي، لكن ينص الفصل 16 من قانون أساسي عدد 58 لسنة 2017، والمتعلق  بالقضاء على العنف ضد المرأة على إضافة الفصل 226 ثالثاً (جديد): "يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار تونسي (1800 جولار) مرتكب التحرش الجنسي.

ويعتبر تحرشاً جنسياً كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنها إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".

في اليمن:

لم تتضمن القوانين اليمنية مواداً خاصة بتجريم التحرش الجنسي ولم تذكره بالاسم، لكن قانون الجرائم والعقوبات اليمني تناول قضية التحرش تحت جريمتي "هتك العرض"، و"الفعل الفاضح المخلّ بالحياء". وعرّف القانون "هتك العرض" بأنه "كل فعل يطال جسم الإنسان ويخدش الحياء... دون الزنا واللواط والسحاق"، فيما عرّف الفعل الفاضح بأنه "كل فعل ينافي الآداب العامة، أو يخدش الحياء".

تراوحت العقوبات المنصوص في القانون بين الحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو الغرامة لمرتكب جريمة الفعل الفاضح. والسجن لمدة سنة، أو الغرامة التي لا تجاوز ثلاثة آلاف ريال (14 دولار) لمرتكب هتك العرض. وتُشدد عقوبة الجريمة الأولى على الحبس مدة لا تزيد على سنة، أو الغرامة، اذا كان المجني عليه أنثى بدون رضاها، فيما تُشدد عقوبة هتك العرض على الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات اذا كان المجني عليه أنثى لم تتجاوز 15 سنة، أو ذكرا لم يجاوز 12 سنة.

في لبنان:

أقر مجلس النواب اللبناني في نهاية عام 2020 "قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، بعد دمج عدد من الاقتراحات المقدمة. وقدّم حقوقيون ورجال قانون قائمة بأبرز الملاحظات والتحفظات حوله. اذ يحمل القانون في طياته انتهاكاً للنساء بدلاً من حمايتهن. فوفقاً للمفكرة القانونية، القانون يحتوي إشكاليات عدة على رأسها أنه يقارب الموضوع من منطلق "أخلاقي يهدف إلى حماية المجتمع لا الضحية".

 كما أنه لا يحمي هوية الناجية، إذ إن الوسيلة الوحيدة للضحية هي اللجوء إلى القضاء الجزائي، ما يعني أن الأمر سيكون علنياً بمرور الناجية بمخفر وقاضي تحقيق ثم قضاة، وهو عائق كبير أمام الناجيات وليس تحفيزاً لهن لرفع شكاوى، خصوصاً في المجتمعات المغلقة التي تلقي اللوم على النساء في معظم الاعتداءات التي يواجهنها.

هذا عدا ضرورة إثبات المرأة فعل التحرش ونتائجه، وهو تحدٍ في ذاته، فيما كان المطلوب أن يثبت المتحرش عدم قيامه بالفعل. كما أن القانون يتيح للجميع على حد سواء التقدم بشكوى في أماكن العمل، ولا يستثني المرأة بذلك، علماً أن النساء هن الأكثر عرضة للتحرش في بيئة العمل، خصوصاً أن الرجال يحتلون المناصب العليا غالباً. ولم يلزم القانون أصحاب العمل بتأمين بيئة آمنة أو وضع آليات حماية للنساء.

وبحسب القانون، يتراوح العقاب بالحبس بين شهر وعامين أو دفع غرامة مالية قيمتها من 3 إلى 20 ضعف الحد الأدنى للأجور الذي يساوي 675 ألف ليرة، أي 450 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 70 دولاراً بحسب سعر صرف السوق السوداء. وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى فعاليّة تلك الغرامات لردع التحرّش.