|
تحديات الصحافة الاستقصائية

شبكات الصحافة الاستقصائية في العالم العربي... وحدة التحديات

تقل الموارد المخصصة لإنتاج صحافة إستقصائية مستقلة في المنطقة العربية، في مقابل ازدياد القوانين المقيّدة لحرية الصحافة، الى جانب ارتفاع معدلات الصحافيين القابعين في السجون، وتزايد الضغط لممارسة الرقابة الذاتية أو إجبار الصحافي على ترك العمل الصحافي بشكل كامل

تقل الموارد المخصصة لإنتاج صحافة إستقصائية مستقلة في المنطقة العربية، في مقابل ازدياد القوانين المقيّدة لحرية الصحافة، الى جانب ارتفاع معدلات الصحافيين القابعين في السجون، وتزايد الضغط لممارسة الرقابة الذاتية أو إجبار الصحافي على ترك العمل الصحافي بشكل كامل. كل ذلك يعشيه الصحافي الاستقصائي يوميا خلال ممارسة عمله في كشف الحقيقة وخدمة المصلحة العامة.

ورغم هذا الواقع، ثمة محاولات عدة لإطلاق وتكوين منصات أو شبكات للصحافة الاستقصائية في العالم العربي تستحق المتابعة. كانت البداية في نهاية العام 2005، حيث سعى صحافيون عرب لإرساء صحافة استقصائية عربية، وشكَّـلوا من أجل ذلك شبكة أريج ARIJ. وهدفت "أريج" الى تدريب الصحافيين عل الصحافة الاستقصائية وانتاج تحقيقات من خلال هذه التدريبات.

دربت "أريج" 2800 صحافي خلال السنوات الـ15 الماضية، وأنتجت 600 تحقيق استقصائي خلال هذه الفترة، في 20 بلد عربي. وساهمت "أريج" في تأسيس وحدات استقصاء في وسائل إعلام عربية عديدة. كما أشرفت الشبكة على بث ونشر عدد كبير من التحقيقات الاستقصائية على فضائيات محلية وعربية ودولية مثل "بي بي سي" و"دويتشه فيلله" بالعربي.

ولعل تفاعل الصحافيين العرب ووعيهم بأهمية الصحافة الاستقصائية في خدمة المصلحة العامة لبلدان المنطقة العربية، دفع العديد منهم الى إطلاق عدة شبكات استقصائية، منها شبكة "نيريج" في العراق، "سراج" في سوريا، "يمان" في اليمن، المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية "ليفيج". وفي لبنان قامت مجموعة من الصحافيين بإطلاق موقع "درج"، الذي يقدم في جزء منه تحقيقات استقصائية لبنانية وعربية.

مبادرات إستقصائية ناجحة

يغلب على الصحافة العربية الطابع السريع في العمل، بما يتضمنه من إعداد التقارير والمقالات والتغطية الإخبارية، وبالوسائل المتاحة لديهم. ويغفل كثيرون منهم الصحافة المتعمّقة، وتقل الجهود المبذولة لكشف ما وراء الأخبار. أي لا ينتهجون الصحافة الإستقصائية، التي تهدف الى الوصول إلى وثائق أو معلومات والكشف عن حقائق كانت سريّة ومبهمة، تسعى في الغالب بعض السلطات لتحصينها وعدم تسريبها، لأنها قد تشكّل تداعيات لدى الرأي العام.

في السنوات الاخيرة هناك تغيير بدأ مع انطلاق عدة منصات وشبكات للصحافة الاستقصائية في العالم العربي.

"ليفيج" في ليبيا

إنطلقت المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية "ليفيج"، وهي أول مؤسسة صحافية ليبية متخصصة في مجال الصحافة الاستقصائية، ولها اهتمامات أيضاً بصحافة البيانات، والسرد القصصي الرقمي، والحماية الرقمية، وقد تأسست في شباط/فبراير 2015. وقد جاءت فكرة تأسيس مؤسسة للصحافة الاستقصائية في ليبيا، من وحي تجربة أريج (ARIJ).

"نيريج" في العراق

إنطلقت شبكة "نيريج" للصحافة الاستقصائية في العام 2011، من قبل مجموعة من الصحافيين العراقيين المحترفين، وبالشراكة مع شبكة "أريج" للعمل على الصحافة الاستقصائية مع وجود بيئة من الحريات المقبولة والمتاحة.عملت شبكة "نيريج" منذ تأسيسها على توفير الدعم التحريري والمالي والاستشاري للصحافيين الاستقصائيين العراقيين، لإنجاز تحقيقات معمقة تستند إلى البحث عن الحقائق الموثقة والمدعومة بالمصادر المتعددة وثيقة الصلة بالموضوع قيد الكشف.

وكانت أهداف "ليفيج" نشر ثقافة التقصّي في الإعلام الليبي، وتوفير فرص التدريب، وموارد الدعم للصحافيين الاستقصائيين، ودعم فرص الإنتاج والنشر للصحافة الاستقصائية، وكذلك المساهمة في حماية حقوق الصحافيين الاستقصائيين، والعمل على تأمين الحماية القانونية لهم، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الشفافية، وحق الحصول على المعلومات، والمساهمة في مكافحة الفساد المالي في مؤسسات الدولة، من خلال التحقيقات الاستقصائية.

"سراج" في سوريا

إنطلقت الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية "سراج" في العام 2016. عندما قررت مجموعة من الصحافيين الاستقصائيين خارج سوريا، وبالتعاون مع صحافيين في الداخل تأسيس شبكة بمثابة نواة لمشروع صحافي ناشئ يوحّد جهود الإعلام الاستقصائي في سوريا.

جاءت الفكرة من تأسيس وحدات صحافة استقصائية في دول عربية عديدة ومن مساهمات لعدد من الصحافيين في مؤسسات استقصائية دولية، وكذلك من الحاجة إلى أن تكون في سوريا مؤسسات استقصاء تطوي صفحات من تقييد حرية الإعلام وكمّ الأفواه، ومنع تداول المعلومات على نطاق واسع بين الجمهور السوري.

ويتركز هدف "سراج" بحسب المسؤولين عنها، على تهيئة الأجواء العامة لتعزيز المحاسبة التي بدورها تعزّز الكفاءات في مختلف المجالات العامة، بدلا من أن تكون الصحافة حكراً وأداة بيد الحكومة والنظام لنشر الايديولوجيا والأفكار التي تناسب وجهة نظر ومن جانب واحد، بإعتبار ان هذا النوع من الصحافة يستند إلى البحث والتوثيق، وبالتالي تقديم المعلومات الحقيقية والصحيحة للتأثير وخلق الوعي.

"درج" في لبنان

تختلف التجربة مع موقع "درج"، الذي إنطلق على يد مجموعة من الصحافيين المتخصصين. احد المبادئ التي قام عليها الموقع هو انجاز التحقيقات الاستقصائية، بحسب ديانا مقلد احدى الصحافيات المؤسسات للموقع. حيث شارك الموقع في تحقيقات استقصائية حول تسريبات وثائق "بارادايس" وتسريبات وثائق "بنما 2".

"يمان" في اليمن

إنطلقت الشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية "يمان" في العام 2019. وهي شبكة استقصائية كوّنها مجموعة من الصحافيين اليمنيين من وحي تجربة "أريج". وتهدف الى العمل على الارتقاء بمستوى الصحافة الاستقصائية اليمنية وتعزيز دورها في الرقابة والمساءلة عبر مجموعة من برامج التدريب، إضافة الى توفير التمويل للصحافيين الاستقصائيين اليمنيين لمساعدتهم على انتاج قصص استقصائية مكتوبة ومصورة، فضلاً عن تقديم الدعم والمساندة  القانونية والاستشارية لهم ومساعدتهم على النشر بما يسهم في تعزيز نشاط الصحافة الاستقصائية في اليمن.

التحدي الأمني هو الأصعب

تعاني بيئة الصحافة الاستقصائية في العالم العربي من تحديات عدة، تسببت في إبتعاد الكثير من الصحافيين عن العمل في ميدان الصحافة الإستقصائية، والواضح ان هذه التحديات متشابهة الى حد كبير على إختلاف البلدان، لاسيما التحديات المرتبطة بندرة المصادر والتدريبات، وقلة الدعم من المؤسسات الصحافية، والتكلفة المادية والزمنية العالية للتحقيق الاستقصائي.

وتؤكد المديرة التنفيذية لشبكة إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية "أريج" روان الضامن في حديث لـ"مهارات ماغازين" انه منذ العام 2010، انحسر هامش حرية الصحافة والحق في الوصول الى المعلومات بشكل كبير في البلدان العربية، كما إزداد استخدام الصحافيين للأسماء المستعارة خلال نشرهم لتحقيقاتهم الاستقصائية، واضطر العديد منهم لمغادرة بلدانهم.

وزاد انتشار فيروس "كورونا" الوضع سوءاً بحسب الضامن، لا سيما فيما يرتبط بالعمل الاستقصائي الميداني وحرية التنقل بين الدول. وقد شكل هذا الوضع فرصة إضافية للسلطات في الدول العربية لقمع الصحافيين.

بالرغم من تشارك الكثير من الدول في هذه التحديات، الا ان لكل بلد خصوصية ايضا في التحديات التي تواجه الصحافة الاستقصائية.

 

في العراق أكد المدير التنفيذي لشبكة "نيريج" سامان نوح في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان البيئة العراقية تتضمن تحديات عدة أبرزها، غياب القوانين التي تسهل العمل الاستقصائي مثل قانون حق الوصول الى المعلومات. كما ان التحدي المالي يحد من انتاج التقارير الاستقصائية، حيث يكلف التحقيق الواحد بين 300- 500 دولار أميركي، وبالتالي لا توجد إمكانية لإصدار اكثر من 40 تحقيق استقصائي في العام.

أما أكثر التحديات صعوبة بسحب نوح فيتمثل في التحدي الأمني. يقول: "نلجأ في العراق الى تغيير اسماء الصحافيين على التقارير او نسب التقرير الى فريق صحافي، حتى لا يتم استهداف شخص معين"، علماً أن لدى الفريق ثلاث فرق استقصائية في نينوى (شمال العراق) وبغداد وجنوب العراق.

أبرز التحقيقات التي لم تستطع الشبكة من تسمية الصحافي المسؤول عنها كان تحقيق بعنوان "العراق: أبرياء يحاكمون بتهم الإرهاب ورشى تبرئ أمراء "داعش"، يتضمن الاشارة الى عمليات اعتقال كيدية من الاجهرة الامنية في نينوى، ودفع رشاوى لإطلاق أمراء "داعش".

تحقيق آخر لم تستطع الشبكة تسمية الصحافي المسؤول عنه، وهو تحت عنوان "إصمتوا الى الأبد"، حول اعتقال مئات النشطاء والصحافيين والمتظاهرين خلال حراك تشرين الاول/اكتوبر 2019.

ويشير نوح الى تعرض موقع "نيريج" في كثير من المرات الى الحجب عن شبكة الانترنت، لذلك تقوم الشبكة بنشر تحقيقاتها بالشراكة مع مؤسسات اعلامية اخرى خارج العراق، كموقع "درج" اللبناني، لأن المؤسسات الاعلامية العراقية بمعظمها تابعة اما للسلطات العراقية او الاحزاب السياسية.

 

 

في ليبيا قال أحد مؤسسي المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية جلال عثمان لـ"مهارات ماغازين"، أن أهم التحديات امام الصحافة الاستقصائية هو الوضع الأمني في ليبيا، حيث ينتشر السلاح خارج سلطة الدولة، وتتواجد سجون لا تخضع لوزارة الداخلية. كما توجد ميليشيات نافذة ترعى الفساد، ولا تسمح بأي عمل صحافي استقصائي يمكن أن يكشف تورطها، مثلما حدث مع الصحافي الاستقصائي رضا فحيل البوم عضو مجلس الإدارة في "ليفيج"، حيث تم اختطافه من مطار طرابلس وهو عائد من تونس، واتضح بعد ذلك أن ميليشيا مسلحة قامت بالقبض عليه، وبعد احتجازه لعدة أيام، تمت إحالته الى النيابة العامة، بحجة ممارسة العمل الصحافي دون إذن، وهي تهمة غير موجودة في القانون الليبي.

وأخيرا وليس آخراً، غياب القوانين التي لا تدعم العمل الصحافي كقانون حرية النفاذ للمعلومات، وقانون حماية المصادر. فالقانون الوحيد في البلاد ذي العلاقة بالعمل الصحافي، هو قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972. شُرّع في بداية حكم القذافي للبلاد، وهو يختص بالمطبوعات فقط، ولا توجد فيه أي مواد قانونية عن التلفزيون أو الراديو أو النشر الالكتروني.

في سوريا خلق الصراع بيئات جديدة للعمل الصحافي، وترك آثاراً وحواجز أمام الصحافيين الراغبين بنقل الحقيقة. ووجد الصحافيون الاستقصائيون أنفسهم أمام نوع جديد من الممارسات التقييدية التي تمنعهم من أداء عملهم على الأرض، لا سيما تلك المرتبطة بالروتين الاداري والوظيفي عند محاولة الحصول على المعلومات، بحسب ما يؤكد محمد بسيكي مؤسس ومدير تنفيذي لشبكة "سراج" لـ"مهارات ماغازين".

كذلك، تعد التهديدات الأمنية الخطر الاكبر على الصحافيين من قبل مختلف الأطراف العسكرية على الارض السورية، وهي تعمل على الحدّ من حرية الحصول على المعلومات، وبالتالي إنجاز التحقيقات، والمضيّ قدماً بالكتابة والنشر.

ويشير بسيكي الى ان مختلف الأطراف على الأرض السورية لا ترحب بالصحافة الاستقصائية، لأنها أداة لكشف الانتهاكات ولتسليط الضوء عليها. لاسيما أن المحاسبة يفترض أن تبدأ في مرحلة التحول نحو الديمقراطية.

كما يعتبر بسيكي ان فيروس "كورونا" مثّل احد التحديات التي ظهرت مؤخراً، إذ حدّ من القدرة على التحرك والاستمرارية، وضغط باتجاه إيقاف كل العمل الاستقصائي، على غرار بقية القطاعات. لكن تم ايجاد طرق جديدة للاستمرار في إنجاز التحقيقات، عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة.

في لبنان تؤكد ديانا مقلد، احدى الصحافيات المؤسسات لموقع "درج" ان تحديات العمل الاستقصائي في لبنان تتمثل في انه ليس بصلب العمل المؤسساتي للإعلام، وبرز ذلك بشكل لافت في التحقيقات التي نشرت عن إنفجار مرفأ بيروت. كما ان تبعية المؤسسات الاعلامية طائفياً وحزبياً تساهم بشكل كبير في تعطيل العمل الصحافي الاستقصائي، فضلاً عن غياب الإطار التشريعي الحامي للصحافة الاستقصائية مع عدم تطبيق قانون الوصول الى المعلومات، وملاحقة الصحافيين على صعيد واسع بجرم القدح والذم.

في اليمن يؤكد أصيل سارية أحد مؤسسي شبكة "يمان" للصحافة الاستقصائية لـ"مهارات ماغازين" ان التحدي الأبرز أمني، ففي بلد تمزقه الحرب وتسيطر عليه الميليشيات يواجه الصحافي الاستقصائي القتل في حال أغضب احد الاطراف المتصارعة على الأرض. ففي العام 2017 قتل الصحافي الاستقصائي اليمني محمد العبسي مسموماً، واشتُبه في ان قتله تم بسبب تحضيره لتحقيق استقصائي قبل فترة وجيزة من وفاته، حول قضية فساد ذات صلة بشركات نفطية قد تكون ملكيتها عائدة لمجموعة من قادة الحوثيين. هذا الاغتيال أرهب الصحافيين الاستقصائيين ودفعهم للتحقيق في القضايا المجتمعية الخفيفة بحسب سارية، والتي لا تستفز أحداً.إضافة الى التهديد الأمني، تعاني الصحافة الاستقصائية في اليمن من غياب الوعي لدى المؤسسات الاعلامية بأهميتها، كما يعاني هذا النوع من الصحافة أوضاعاً اقتصادية صعبة حدّت بشكل كبير من غزارة الانتاج الاستقصائي، وبقي الاعتماد على انتاج شبكات استقصائية عربية مثل "أريج"، التي لا تستطيع ان تنتج أكثر من 5 تحقيقات سنوياً عن اليمن، بحسب سارية.

العمل الاستقصائي وتفاعل السلطة

بالرغم من كثرة التحديات التي تواجه الصحافة الاستقصائية في البلدان العربية. الا انها حققت تجاوباً من قبل السلطات وأفرزت في بعض الاحيان إتجاها للمحاسبة والشفافية في معالجة قضايا الفساد. تعتبر الضامن ان تجاوب السلطات العربية مع التحقيقات الاستقصائية يتفاوت، ولكن هناك الكثير من التحقيقات تسببت برد فعل إيجابي لدى السلطات، ومنها التحقيق الاستقصائي الذي قامت به الصحافية الأردنية حنان خدنقجي بعنوان "خلف جدران الصمت"، حول التعدي على الاطفال في دور رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن. حيث، طلب الملك الاردني عبدالله الثاني بمحاسبة المسؤوليين عن هذه القضية. كذلك، تشير الضامن الى تفاعل السلطات اللبنانية مع تحقيق آخر بعنوان "مدارس من رمل" للصحافي اللبناني رياض قبيسي، الذي تناول فيه رحلة البحث عن الأموال الضائعة في ملف تعليم اللاجئين في لبنان.

في اليمن، وبسبب الحرب، يبقى التفاعل من السلطات تجاه ما تكشفه التحقيقات الاستقصائية من فساد محدوداً. لن يواجه أي مسؤول حتى لو ذكر اسمه في قضايا فساد، بحسب سارية، وتبقى المحاسبة من أوساط الجمهور والصحافيين والمجتمع المدني على مواقع التواصل الاجتماعي، الا في حالات نادرة كالتحقيق الذي قام به سارية حول فساد المساعدات الغذائية، التي تقدمها المنظمات الدولية في اليمن، حيث فتحت وزارة الادارة المحلية في الحكومة الشرعية تحقيقاً لكن لم يصل الى خواتيم تضمن المحاسبة.

في العراق ساهم تحقيق لشبكة "نيريج" بعنوان "لا عودة الى سنجار"، وتحقيق حول السيطرة على تركة "أوقاف الموصل" بين الوقفين السّني والشيعي، الى فتح تحقيق قضائي من قبل السلطات العراقية، وتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول القضية.مع ذلك، يعتبر سامان نوح ان الواقعية تؤكد انه لا يمكن للصحافة الاستقصائية ان تتحدث عن انجازات حققتها او دفعت بإتجاه تفعيل حركات اصلاح، لكنها بالتأكيد قامت بتوثيق وكشف المستور من فساد وعدم شفافية، على أمل ان تكون هذه الملفات الاستقصائية السبب في محاسبة الفاسدين.

في ليبيا بعد فترة وجيزة من إنتاج "ليفيج" للتحقيق الاستقصائي "مياه غير صالحة للشرب" للصحافي الاستقصائي رضا فحيل البوم، أعلنت بلدية طرابلس الغرب أنها ستباشر بالكشف عن مياه الشرب المعبأة، بكافة الأحجام المتوفرة بالسوق المحلي، كما قالت البلدية عبر صفحتها الرسمية بموقع " فايسبوك"، أنه ستتم مصادرة أي منتج لا يحمل بطاقة البيانات التوضيحية الخاصة بها، وستتولى فرق العمل من مكتب الإصحاح البيئي والحرس البلدي بمتابعة المخالفين.

كما أنتجت "ليفيج" تحقيقاً استقصائياً حول بعض الليبيين من مكون الطوارق، الذين حرمتهم الحكومات المتعاقبة من حق الجنسية، وكان التحقيق بعنوان "الليبيون البدون". واعتبر هذا التحقيق الاول من نوعه، إذ لم يفتح في السابق ملف الليبيين، الذين يعيشون بلا حقوق مدنية.

وقامت وزارة الداخلية بإتخاذ خطوات إيجابية بخصوص حلحلة مشاكل بعض الليبيين المحرومين من حقوقهم المدنية، وهم من سكان قطاع "أوزو"، الذي كانً متنازعاً عليه بين ليبيا وتشاد في سبعينيات القرن الماضي.

في سوريا تختلف القضية، حيث ان هناك سلطات أمر واقع في مختلف المناطق السورية، لا تدعم بجانب كبير منها الصحافة الاستقصائية ولا ترحب بجهود كشف الانتهاكات والفساد، لأن جزءاً واسعاً من هذه الانتهاكات تمارس من قبل السلطات ورجالها وعلى رأسها النظام السوري. ويؤكد المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة "سراج" محمد بسيكي ان الساحة السورية معقدة جداً، ولايمكن النظر إليها بطريقة ترحيب السلطات في مختلف المناطق بنتائج تقرير استقصائيأ وتحقيق، لأن هناك معوقات تكبّل الإنطلاق بإتجاه كتابة القصة أوانتاج التحقيق، ويضيف: "نضطر في بعض الاحيان الى قتل القصة في مهدها، ومستويات الفساد والانتهاكات بحق الصحافيين تدل بشكل كبير على طبيعة العلاقة بين الصحافي وبين السلطة القمعية".

التشبيك في العمل الاستقصائي

هناك نوعان من التشبيك الذي تقوم به المنصات الاستقصائية في العالم العربي، الاول هو التشبيك على المستوى الاقليمي، والثاني هو على المستوى الدولي. تقول مقلد ان تجربة التشبيك لـ"درج" بدأت قبل انطلاق الموقع، حيث كانت هناك تفاهمات مع عدة شبكات استقصائية على صعيد المنطقة من اجل التعاون مثل "أريج" و"نيريج". أما على المستوى الدولي، فهناك تعاون مع مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، ومع شبكة الصحافيين الاستقصائيين الدوليين (ICIJ). 

كذلك، تعتبر وحدة "سراج" ان التشبيك من أساسيات العمل الاستقصائي، حيث يعتبر فرصة للبقاء والاستمرارية. فمع بداية هذا العام 2020، أصبحت وحدة "سراج" عضوا في الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية (GIJN)، وهي أول مؤسسة سورية وثالث مؤسسة عربية تنال هذه العضوية.  كذلك أصبحت "سراج" شريكاً مركزياً لمشروع مكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود ومكافحة الفساد (OCCRP)، وهناك تعاون على اكثر من صعيد.

ويرى محمد بسيكي ان تبادل الخبرات هو عامل حاسم في تحقيق مستويات نمو وتطوير الصحافة الاستقصائية على مختلف الأصعدة. حيث خلق العمل الجماعي بين الصحافيين أو المؤسسات الإعلامية عبر الحدود مستويات عالية من الحرفية، وبالتالي قدمت تحقيقات نوعية وحصدت جوائز عالمية.

التشبيك في ليبيا صعب بحسب مؤسس "ليفيج" جلال عثمان، إذ حاولت المؤسسة التواصل مع عدة منصات استقصائية عربية ودولية لكن لا جواب حتى الآن. ولم تحظ "ليفيج" سوى بدعم على مستوى التدريب من قبل أكاديمية "دوتشيه فيلله" في تونس، ومن خلال ورشتين تدريبيتين في مجال الصحافة الاستقصائية.  

أما على الصعيد المحلي فهناك تشبيك مع عدد من الجامعات الليبية، حتى أن كلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس ستقوم بتدريس الصحافة الاستقصائية خلال الفصل الدراسي القادم.كما ان هناك خططاً لتأسيس الشبكة المغاربية للصحافة الاستقصائية مع عدد من الصحافيين من تونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا. لكن، جائحة كورونا عطلت المشروع. 

ويؤكد سامان نوح من "نيريج" ان التشبيك مهم مع المؤسسات الاستقصائية العربية، لكن هذا التشبيك يواجه عقبات تتمثل في اختلاف الثقافات والواقع الاجتماعي والقانوني بين بلدان المنطقة. فالعراق وسوريا ولبنان متشابهين من حيث الواقع السياسي والاطار القانوني، لذلك يسهل العمل في هذه البيئة لـ"نيريج". أما الواقع والسياق المصري والتونسي والمغربي فهو مختلف. وبالتالي يحدّ من إمكانية التشبيك بين المؤسسات.

في السياق، تقول روان الضامن ان التشبيك فكرة مهمة، لكن لم يتم استيعابها بشكل كامل من الصحافيين الاستقصائيين العرب. لذلك، حاولت "أريج" من خلال المؤتمرات السنوية التي تقوم بها بجمع الصحافيين الاستقصائيين للتنسيق والعمل المشترك. كما حاولت الشبكة ربط الصحافيين الاستقصائين في المنطقة العربية مع الشبكات الاستقصائية الدولية.

وتشير الضامن الى ان التشبيك تحدّه في أحيان كثيرة العقلية التنافسية والاقصائية لدى بعض الصحافيين، وغياب روح العمل ضمن فريق. وتوضح الضامن: "يجب اعطاء فرصة لبعضنا البعض من اجل التشبيك، والانفتاح على الثقافات الاخرى، لا سيما المضامين الصحافية التي ينتجها الصحافيون الاستقصائيون في المغرب العربي، والتي لا يتم الاطلاع عليها من الصحافيين في المشرق العربي، بالرغم من ان الانتاج الاستقصائي لدول المشرق العربي، يتم تناوله والاطلاع عليه من صحافة المغرب العربي".