|
القمع بالقانون

السلطات العربية للصحافيين: نقمعكم بالقانون

لم يختلف واقع الصحافة والاعلام لعام 2023 عن سابقيه من الأعوام في معظم الدول العربية وبدا واضحًا التشابه الكبير بينها  لناحية ازدياد قمع الصحافة. وأخطر ما في الأمر هو أن السلطات العربية تسعى لتكريس هذا القمع من خلال قوننته عبر تشريعات و مراسيم ذات مصطلحات فضفاضة تجعل من كل من يُطلق لسانه بالرأي خائنًا، منتهكًا لسيادة الدولة العليا.

لا يمكن الحديث عن حرية الصحافة والقدرة على إيصال الصوت والموقف في أي بلد ما لم تتواجد البيئة الضامنة والآمنة لتحقيق ذلك، من تشريعات وقوانين تحفظ وتُعزز العمل الصحافي، إلى استقرار سياسي وأمني، والى سلطات سياسية تحترم الأصوات المعارضة، وغالب هذه الشروط لا تتوافر في البلدان العربية، وخاصة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي شهدت العديد من الصراعات والأحداث الأمنية في السنوات الماضية عززت القيود وفاقمت مشاكل الصحافيين. 

لم يختلف واقع الصحافة والاعلام لعام 2023 عن سابقيه من الأعوام في معظم الدول العربية وبدا واضحًا التشابه الكبير بينها  لناحية ازدياد قمع الصحافة. وأخطر ما في الأمر هو أن السلطات العربية تسعى لتكريس هذا القمع من خلال قوننته عبر تشريعات و مراسيم ذات مصطلحات فضفاضة تجعل من كل من يُطلق لسانه بالرأي خائنًا، منتهكًا لسيادة الدولة العليا.

العقوبات المشددة على قضايا النشر مستمرة

تكفل  المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للفرد  الحق في أن  يعتنق الآراء التي يريدها وأن يلتمس الأنباء والأفكار، وأن ينقلها إلى الآخرين بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود، ورغم أن معظم الدول العربية مٌصادقة على القوانين والمواثيق الدولية التي تكفل حرية الصحافة والعمل الإعلامي إلا أن التطبيق على أرض الواقع يُمكن أن يأخذنا الى عشرات الانتهاكات القائمة منذ سنين والمستمرة في العام الحالي. 

وأقر عدد من البلدان حديثا أو في وقت سابق قوانين ومراسيم  ظاهرها أنها جاءت لتنظيم الفضاء الالكتروني والواقع الإعلامي ولكن عند الغوص في تفاصيلها نرى انها ما هي إلا أساليب جديدة تسعى الحكومات من خلالها الى كم الأفواه والتضييق على العمل الصحافي.

لبنان

شكل العام 2023 انتكاسة كبيرة لحرية الإعلام والصحافة في لبنان. ولا يمكن فصل الأحداث الآنية عن سياقها الممتد منذ ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث تحاول السلطة الحاكمة كمّ الأفواه المطالبة بتغيير الواقع الصعب.

وتركزت أشكال القمع لهذا العام بملاحقة الصحافيين والناشطين على خلفية قضايا النشر وأمام جهات غير مخولة بالملاحقة، واستدعت السلطات اللبنانية العديد من الصحافيين بتهم القدح والذم والتشهير ومنهم رئيس تحرير موقع ميغافون جان قصير ورئيسة تحرير موقع مصدر عام الصحافية لارا بيطار وغيرهم الكثير ممن تستسهل السلطة استدعاءهم والتحقيق معهم على خلفية مقالات أو تحقيقات ينشرونها قد تمس بأصحاب النفوذ. وتشوب هذه الاستدعاءات مخالفات قانونية أهمها أنها تتم أمام جهات غير مخولة للنظر في هذه القضايا، اذ يمنح  قانون المطبوعات اللبناني الحصانة الوحيدة المكفولة للصحافيين/ات بعدم المثول سوى أمام قاضي تحقيق أو أمام محكمة المطبوعات.

ولا يزال الصحافيون في لبنان ينتظرون إقرار قانون جديد للإعلام قد طال انتظاره، آملين أن يعالج الثغرات التي تُضيّق على الصحافيين وتنتهك من حرياتهم، خاصة في موضوع تجريم قضايا النشر، وتقوم وزارة الإعلام بدعم من مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت بعملية تشاورية شاملة لإصلاح قانون الإعلام في لبنان.

ويؤكد الدكتور في علوم الإعلام جورج صدقة "لمهارات ماغازين" أن البيئة الاعلامية في لبنان فقدت الكثير من حريتها والأسباب كثيرة، كمثل التحول الحاصل في النظام السياسي اللبناني من نظام ديمقراطي الى نظام أمني، وهذا أمر لا علاقة للقوانين به، لأن الانظمة السلطوية لا تحترم القوانين القائمة وتفسّرها لصالحها، وهناك تحول آخر حصل داخل المؤسسات الإعلامية التي تعاني من أزمة تمويل خانقة ما ألزمها البحث عن متمولين للاستمرار، وكان ذلك على حساب حرية توجهها ومعالجتها الأحداث، فباتت بغالبيتها ترتبط بأجندات الممول.

وعليه بحسب صدقة بات من الضروري وضع قانون جديد للإعلام يراعي التطورات الحديثة. فلا قانون المطبوعات ولا قانون المرئي والمسموع يستطيعان الإحاطة بالتغييرات التي أوجدتها الانترنت داخل المؤسسات الإعلامية التقليدية وخارجها. وأصبح هناك جيل جديد من الوسائل الرقمية خارج أي حماية. كما يبدو ملحًا تطوير قانون الإعلام لتحرير الصحافيين ومؤسساتهم من قيود في التشريع القديم كمثل تقييد التراخيص، وسجن الصحافيين، ولكن عمليا "إن مشاريع تطوير قوانين الإعلام المقدمة تنام منذ عشرات السنين في أدراج مجلس النواب، تناقشها اللجان النيابية ومن ثم تعيدها الى الأدراج، بما يوحي بأن السلطة السياسية في لبنان لا تودّ لهذا الإعلام أن يتطور وأن يتحرر كي يبقى تحت وصايتها". 

وفي سياق متصل نظمت مؤسسة مهارات في عام 2023 عدة لقاءات مع أصحاب المصلحة المعنيين في تطوير قطاع الإعلام من نواب ووزراء وأكاديميين وصحافيين، وتهدف اللقاءات لطرح الإشكاليات التي يعاني منها قطاع الإعلام وتقديم معايير إصلاح قوانين الإعلام ومناقشتها.

ويشرح المحامي طوني مخايل من "مؤسسة مهارات" أن المؤسسة تسعى من خلال برنامج "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان" بالشراكة مع المفكرة القانونية، الى وضع رؤية استراتيجية لمستقبل قطاع الإعلام في لبنان، ويطرح البرنامج المشاكل التي تواجه البيئة الإعلامية في لبنان ويهدف لتعزيز المعايير الاعلامية مثل إلغاء تجريم العمل الصحافي، حماية الصحافيين ومصادرهم، إقرار حرية التجمع الصحافي، وضمان استقلالية الهيئات المعنية بتنظيم وسائل الإعلام وتعزيز الحوافز والابتكار لاسيما للمشاريع الاعلامية الناشئة وغيرها من القضايا التي تهم الجسم الصحافي.

وتُعد مهارات بحسب مخايل من أوائل من اهتم بتطوير وإصلاح قطاع الإعلام حيث قدمت في العام 2010 اقتراحها لقانون الإعلام في مؤتمر صحافي تزامنًا مع تسجيل هذا الاقتراح في المجلس النيابي، ولا يزال القانون لم يُقر حتى اليوم.

تونس

يعاني الصحافيون والناشطون في تونس من قيود كبيرة وتراجع ملحوظ في سقف الحريات لعام 2023. لا يمكن المرور على هذا الأمر بشكل عابر، في بلد لطالما اعتبر الجسم الصحافي فيه أن الحرية هي من أهم مكاسب ثورة 2011. 

ولا تزال تونس تعاني هذا العام من تبعات المرسوم 54  الذي أُقر في سبتمبر/ أيلول عام 2022 ويهدف هذا المرسوم إلى ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال واعتبر هذا المرسوم بحسب ناشطين وصحافيين من أخطر التشريعات التي تضرب حرية التعبير ككل وحرية الصحافة بشكل خاص.

ويتضمن المرسوم 38 فصلا يحمل في مواده عقوبات مشددة وقاسية. ولعل أبرز هذه المواد هي المادة 24 من المرسوم التي تنص على أنه يعاقب  بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية  قدرها خمسون ألف دينار لمن ينشر الأخبار الكاذبة او الإشاعات بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان. وكباقي الدول العربية دائما ما تستخدم تعابير الامن القومي والامن العام كخطوط حمراء ومفردات غامضة تٌحدد الدولة فقط أبعادها ومعانيها.

وفي مقابلة "لمهارات ماغازين" تشرح الاستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس حنان زبيس أن المرسوم 54 جاء على خلفية رغبة من السلطة لإعادة السيطرة على المشهد الإعلامي بحجة مقاومة الاخبار الزائفة والتشويه الحاصل على وسائل التواصل. وشكل المرسوم عند إصداره صدمة للمجتمع المدني ولنا كصحافيين، ولكل الأصوات الحرة في هذا البلد. لأننا لم نتوقع أن يٌصبح لدينا مرسوم بهذه الفداحة، حيث أعاد المرسوم العقوبات السجنية من أجل جريمة هي في الأساس منصوص عليها في المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات وبالتالي لم نكن بحاجة لمرسوم بهذا الشكل.

وأصبح القانون بحسب زبيس يٌستخدم لكم الأفواه، وقد ثار الصحافيون ضده، والنقابة الوطنية للصحافيين نددت فيه من خلال العديد من البيانات وتم تنظيم عدة وقفات احتجاجية سواء أمام النقابة او أمام  قصر الحكومة، وهناك ايضا مناصرة من قبل جمعيات من المجتمع المدني لأن الخطر لا يقتصر ولا يمس فقط الصحافيين بل حرية التعبير بشكل عام، وتم تكوين ائتلافات ضد المرسوم ولكن الى الان السلطة تصم آذانها عن أية مطالبة لالغائه.  

وتضيف زبيس أننا كصحافيين أصبحنا نخاف ليس فقط من مقالاتنا الصحافية بل أيضا من منشوراتنا الخاصة على حساباتنا على فيسبوك، فالعديد من الزملاء تم استدعاؤهم للتحقيق من قبل النيابة العامة من أجل منشورات خاصة لهم، وكلما يكتب أو ينشر صحافي أمرا ينتقد الدولة وسياستها أو ينتقد رئيس الجمهورية مباشرة يتم تسطير شكاوى بحقه. 

الخوف على تداول المعلومات في مصر والجزائر

يُعد الوصول للمعلومات في أي بلد  من أهم حقوق المواطنين عامةً والناشطين والصحافيين خاصةً، فحرية المعلومات وتبادلها تشكل أساس محاسبة ومساءلة الحكومات وهو دليل على مدى شفافيتها ومصداقيتها. وغالبا ما تُمارس الدول العربية التقييد في هذا المجال، و تتذرع  دائما بالأمن القومي ومصالح الدولة العليا وغيرها من المصطلحات الفضفاضة لمنع اي امكانية لتحصيل المعلومات.

مصر

تستمر السلطة  في عام 2023 بانتهاك حرية الصحافة بأشكال مختلفة، عبر حجب المعلومات، سجن الصحافيين واستهداف المواقع الالكترونية، وتوقيفات بسبب قضايا النشر.

ولا يزال المصريون بانتظار اقرار قانون تداول المعلومات والذي تأخر لسنوات وسط مخاوف عديدة من أن يجري إصدار القانون وفق الرؤية الأمنية التي تميل للتقييد والحجب وفرض العقوبات. ومع أن المادة 68 من الدستور المصري لسنة 2014 تكفل تداول المعلومات حيث تنص على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن". تستمر معاناة الصحافيين في الحصول على المعلومات خاصة عندما تكون معلومات رسمية ما يؤثر سلبا على مبدأي المحاسبة والمساءلة.

وكانت لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني قد ناقشت  يوم الأحد ١١ يونيو 2023 موضوع حرية تداول المعلومات، ومن المخاوف التي أثيرت في النقاش الحديث عن ضوابط لتداول المعلومات وضرورة عدم تعارضها مع "القيم والأخلاق" ما يفتح المجال لمنع تداول المعلومات عبر القيود والتعابير المطاطة.

بدوره اعتبر نقيب الصحافيين خالد البلشي في كلمة له في الجلسة أنه لا يجوز الكلام عن قانون لحرية تداول المعلومات بينما يحكم المجال العام تشريعات تحجب المعلومات، وتحجب وسائل نقلها، ومن بينها المواقع الصحافية وتهدد ناشرها بالحبس بل وتحبسه أيضا.

الجزائر

إذا كان الترقب والخوف في مصر حول القانون المرتقب، فالوضع في الجزائر مختلف قليلا، فقد تم بالفعل إقرار قانون جديد للإعلام وهو القانون العضوي رقم 23 -14  وقد دخل  حيز التنفيذ أواخر آب - أغسطس 2023 بعد نشره في الجريدة الرسمية، ويهدف هذا القانون الذي يتضمن 56 مادة إلى "تحديد المبادئ والقواعد التي تُنظم نشاط الإعلام وممارسته بحرية.

وفي حين فرض قانون الإعلام الجديد على الهيئات والمؤسسات العمومية ضمان حق الصحافي الوصول إلى المعلومة غير أنّه أضاف الكثير من الاستثناءات التي لا يمكنه طلب المعلومة بشأنها، مثل أمن الدولة وسيادتها، وحقوق الطفل، والمساس بشرف المرأة، والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص، وغيرها.

ويمنع القانون الجديد مزدوجي الجنسية من حق امتلاك أو المساهمة في ملكية وسيلة إعلامية في الجزائر. وفق المادة 4 وحصر الأمر بحملة الجنسية الجزائرية فقط ما يحرم الجزائريين في الخارج من العمل أو المساهمة في القطاع الإعلامي. 

ويرتب القانون غرامات مالية كبيرة لمن يتلقى تمويل او اعانة من جهة أجنبية كما نصت المادة 12 منه، الأمر الذي اعتبر بابًا للتضييق على عمل الصحافيين مع وسائل الإعلام الأجنبية.

وكان وزير الاتصال الجزائري المعين حديثا محمد العقاب قد وعد عند استلام مهامه معالجة بعض التحفظات التي طرحها الجسم الصحافي حول القانون الجديد، وسجل في مؤتمر صحافي ملاحظات على بعض نصوص ومواد القانون.

 

ورغم العديد من سلبيات القانون، إلا أنه يحوي بعض النواحي الايجابية كما يؤكد مدير موقع سبق برس الإخباري محمد رابح "لمهارات ماغازين" فهو جاء لينهي حالة اختلال حاصلة في الأرضية القانونية التي تؤطر عمل وسائل الإعلام والمقصود هنا القانون العضوي للإعلام الصادر سنة 2012، والذي تجاوزه الزمن في عدة جوانب أهمها الصحافة الإلكترونية. فضلا عن تكريس مبدأ التصريح في إطلاق وسائل الإعلام بدل الاعتماد، وذلك تماشيا مع نصوص الدستور الجديد والتكيف مع المادة التي تجعل من التصريح فقط كافيا من أجل تجسيد المشاريع الإعلامية الجديدة، وهناك نقطة أخرى مرتبطة بعدم ذكر ملف الاشهار أوالاعلانات الذي يعد مصدر التمويل الأبرز لوسائل الإعلام وهو تحدي يواجه وسائل الإعلام والمطلب الذي يلقى إجماعا تقريبا لدى المهنيين وهو الذهاب لإصدار قانون اشهار وقبلها اعتماد معايير واضحة في توزيع الإعلانات العمومية.