|
السودان واليمن منسيان

الصحافيون في السودان واليمن : منسيّون لتقادُم الزمن ؟!

وإن كانت معاناة غزة والصحافيين فيها قد فرضت نفسها على الساحة الاعلامية العالمية وحُقَّ لها ذلك لضخامة الأحداث التي تحصل وآنيتها، ولِكِبر ما تعنيه القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا، إلّا أن هناك العديد من الصحافيين يعانون في مناطق أخرى من العالم، وجدوا أنفسهم مغيّبين عن الأضواء بسبب طول الحرب في بلدانهم لأشهر وسنوات.

لطالما اعتاد الصحافيين التعرض للاعتداءات أثناء تغطية الأحداث خاصة في مناطق الحروب والنزاعات، وتظهر هذه التضحيات جليةً اليوم في الحرب الدائرة في قطاع غزة وانعكاسها على جنوب لبنان  منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث قُتل العشرات من الصحافيين والعاملين الإعلاميين أثناء أدائهم للواجب المهني في نقل الصورة.

وإن كانت معاناة غزة والصحافيين فيها قد فرضت نفسها على الساحة الاعلامية العالمية وحُقَّ لها ذلك لضخامة الأحداث التي تحصل وآنيتها، ولِكِبر ما تعنيه القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا، إلّا أن هناك العديد من الصحافيين يعانون في مناطق أخرى من العالم، وجدوا أنفسهم مغيّبين عن الأضواء بسبب طول الحرب في بلدانهم لأشهر وسنوات.

واقع اقتصادي ومعيشي صعب

يتشابه الوضع المعيشي للصحافيين في السودان مع زملائهم في اليمن حيث الحرب الدائرة منذ 8 سنوات  والتي أفضت الى انقسام سياسي حاد، وأودت بحياة العشرات من الصحافيين، ويلزم العديد من الصحافيين اليمنيين اليوم منازلهم بسبب اقفال بعض المؤسسات الاعلامية نتيجة الحرب، وعجز البعض الآخر عن الالتزام بدفع الرواتب.

وتشرح الصحافية عبير محسن في حديث لـ"مهارات ماغازين" أن التوجهات السياسية للمؤسسات الإعلامية أثرت اقتصاديًا على الصحافيين الذين أجبروا أن يؤيدوا أحد الأطراف المتصارعة، والّا البقاء دون عمل كالعديد من الصحافيين "الفريلانسر" الذين لا يجدون دائمًا من يستعين بهم أو ينشر لهم المواد التي يُعدّونها بطريقة حياديّة.         

لا يمكن اليوم الحديث في السودان أو اليمن عن صحافي يقوم بدوره المهني بشكل محترف طالما أنه يُحرم من الأمان وحرية التنقل ومن عائد مادي يؤمن حاجاته ويحميه من الضغوط التي يتعرض لها وقد تؤثر على حياديته واستقلاليته. 

يعاني السودان والجسم الإعلامي فيه منذ أعوامٍ مضت حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني وأزمات متلاحقة أنهكت البلاد، وبلغت هذه الأزمات ذروتها مع اندلاع الحرب الدائرة منذ نيسان/أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث وجد الصحافيين السودانيين أنفسهم في هذه الحرب مُجبرين على مواجهة المشاكل الأمنية والإقتصادية من جهة، والقمع المبرمج للحريات من قبل طرفي النزاع من جهة أخرى. 

ويواجه الصحافيون في السودان اليوم أزمة اقتصادية حقيقية، حيث أغلقت العديد من المؤسسات الإعلامية والصحف المتركزة بغالبيتها في العاصمة الخرطوم (مركزالاشتباكات)، ما أدى إلى خسارتهم أعمالهم التي يعتاشون منها، كما أن الكثير منهم قد نزحوا من مناطق الاشتباكات الى مناطق ثانية أو حتى الى دول مجاورة دون أي مال أو مصدر للدخل.

ويقول الصحافي حيدر عبد الكريم في حديث لـ "مهارات ماغازين"، "بالنسبة لي فإن طول فترة الحرب فاقمت مشاكل الصحافيين خاصة في الجانب النفسي، ففكرة أن تستيقظ كل صباح وليس لديك ما تقدمه لأطفالك ولأسرتك بسبب فقدان العمل أمر في منتهى الصعوبة، والعديد من الزملاء اضطروا لممارسة أعمال أخرى قد تكون شاقة أحيانًا وأُجبروا على التخلي عن مهنتهم المفضلة ولو بشكل مؤقت".

"الانتهاك والقمع من "لوازم الحرب

تزداد القيود على حرية الرأي والتعبير، وحرية النشر لدى الصحافيين غالبًا في المناطق التي تشهد الحروب والصراعات، حيث يحاول كل طرف من الأطراف المتقاتلة التضييق على كل ما يُنشر، إمّا لتغطية أعماله الحربية وما قد يشوبها من جرائم، وأما لمنع وجهة النظر الأخرى من الظهور.

يعاني اليمن بحسب الصحافي محمد محروس وخاصة في المناطق الشمالية من التضييق الأمني الكبير على الصحافيين ما دفع العديد منهم إلى النزوح من المنطقة لتصبح في حالة أشبه بالتصحرّ للإعلام المستقل، ومن بقي من الصحافيين  فهو يعمل تحت الضغط وفي أي لحظة يمكن اعتقاله.

ويضيف محروس أن عشرات الصحافيين قد قتلوا منذ بداية الحرب اليمنية  في آذار/مارس 2015 ، ومنهم من قُتل في منزله أو أثناء أدائه لعمله، "وقد قُتلت الصحافية الزميلة رشا الحرازي وهي حامل  بانفجار سيارة مفخخة في نوفمبر 2021 وهي في طريقها الى المستشفى برفقة زوجها، كما تم اصدار احكام بالاعدام لعدد من الزملاء وتم مبادلتهم والتعامل معهم  كأسرى حرب وليس كصحافيين".

واحتلّ اليمن المرتبة 168 عالميًا من بين 180 دولة في تصنيف حرية الصحافة لعام 2023، والذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، كما واعتبرت المنظمة أن اليمن لا يزال من أخطر بلدان العالم على سلامة الصحافيين.

في السودان الوضع ليس بأفضل حالًا، فقد منعت السلطات الأمنية بمحلية القطينة بولاية النيل الأبيض الصحافية رشا حسن من نشر وكتابة بخصوص قضايا المنطقة تحت ذريعة أنها "قضايا أمنية" وفق بيان لشبكة الصحافيين السودانيين، كما يتعرض العديد من الصحافيين للتهديد والقتل بسبب مواقفهم من الحرب الدائرة.

وتؤكد الصحافية أميرة صالح في حديث لـ "مهارات ماغازين" أن الصحافيين والمصورين في السودان يعانون من الضغوطات التي تؤثر عليهم وتفقدهم الاستقلالية والقدرة على تقديم تغطية متوازنة وموضوعية، هذا فضلا عن الاعتقال والتعذيب أثناء تأديتهم لمهامهم، كما حصل مع المصور فايز أبو بكر حيث أصيب برصاصة من قبل قوات الدعم السريع عندما كان يعمل على توثيق احداث القصف الجوي على كبري شرق النيل بالخرطوم الأمر الذي يعتبر انتهاك لحقوق الإنسان

بدوره تمنى الصحافي حيدر عبد الكريم أن يكون هناك نوع من التضامن الدولي مع الصحافيين في السودان، كأن يتم الضغط عبر المؤسسات الدولية على الأطراف المتنازعة في السودان ومن خلال الاتفاقيات التي يتم توقيعها بين الطرفين  لتحييد الصحافيين عن الاعتداءات وإعطائهم حرية التنقل بشكل آمن. 

مغيّبين عن الأضواء

تستحوذ أي قضية أو أزمة جديدة في العالم غالبًا على الأضواء وتُفرد لها المساحة الاعلامية كاملة، خاصة إذا كانت عبارة عن حرب او اشتباكات مسلحة، في حين يتم تغييب الحديث عن المناطق التي طالت فيها  فترات الحرب كالسودان واليمن،هذه المناطق وإن أخذت نصيبها من التغطية العالمية عند اندلاع الحرب، إلا أن المساحة المعطاة لها آخذة بالتراجع مع مرور الزمن، ولذلك فمن الواجب الإعلامي التذكير دائمًا بمعاناة الأشخاص في هذه البلدان من مواطنين وصحافيين وتظهير الظروف التي يعيشونها. 

ترى الصحافية السودانية أميرة صالح أن اولوية الاعلام العالمي دائما تميل للصراعات الجديدة والطارئة وبالتالي يتراجع الاهتمام بما هو أقدم، ولكن مع ذلك يبقى هناك إعلام ملتزم بالاضاءة والتذكير بمعاناة الصراعات المستمرة والمزمنة في بعض الدول العربية ومنها السودان.

في المقابل تعتقد الصحافية اليمنية عبير محسن أنه دائما يتم التعتيم على القضية اليمنية والمعاناة فيها سواء للصحافيين أو لغيرهم، وتقول لمهارات ماغازين، " نحن لا نقوم بمقارنة بين معاناة الشعوب ومن يقدم التضحيات أكثر من الثاني، ولكن المعاناة في اليمن تستحق الحديث عنها، فقد دفع هذا البلد الكثير من التضحيات التي لا تقل عن أي مكان آخر من دول المنطقة".

ويمكن القول بحسب محسن، أن تبعية المؤسسات الإعلامية اليمنية المحلية وصعوبة أوضاعها، فضلا عن غياب الإعلام الدولي الذي لا يفضل تحمل مخاطر العمل في هذه الظروف، يساهم في تغييب الوضع اليمني بشكل عام ومعاناة الصحافيين بشكل خاص عن الذِكر.

اذًا، وحتى أن يطرأ جديد، تبقى الصحافة اليمنية والسودانية والعاملين بها في حالة من الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد علّها تقدم لهم أي نوع من الحماية وحرية العمل في ظل صراع يبدو أنه سيطول.