|
منصات إعلامية

منصات إعلامية تتناول قضايا النساء... خطاب جريء لكسر التابوهات

لا يمكن الإنكار بأن المرأة حضرت في مختلف مراحل انتاج المحتوى في المؤسسات الاعلامية، وربما حسّن ذلك من تغطية قضايا المرأة، ولكن المرأة لم تكن حاضرة على مستوى صناعة القرار في هذه المؤسسات، والتعاطي مع قضاياها طغت عليه السطحية في كثير من الاحيان.

لا يمكن الإنكار بأن المرأة حضرت في مختلف مراحل انتاج المحتوى في المؤسسات الاعلامية، وربما حسّن ذلك من تغطية قضايا المرأة، ولكن المرأة لم تكن حاضرة على مستوى صناعة القرار في هذه المؤسسات، والتعاطي مع قضاياها طغت عليه السطحية في كثير من الاحيان.

 في المقابل، قدم الاعلام الجديد للمرأة فرصة في اطلاق مبادرات اعلامية أو ساهم في التركيز بشكل معمق على قضاياها، وهنا يمكن الاضاءة على مبادرات اعلامية قدمت طرحاً وزوايا مختلفة لمعالجة قضايا النساء.

 كما كسرت تلك المنصات الاعلامية "تابو" الموروثات الاجتماعية والثقافة الذكورية، وكانت جريئة في طرح قضايا النساء بشكل مختلف، مما ساهم في التغيير الايجابي لحضور قضايا المرأة في الاعلام خلال السنوات الاخيرة.

أغلب هذه المنصات تعتبر ان الحديث عن قضايا النساء، يعني تناول مشاكل كثيرة تعاني منها مجتمعاتنا، تتقاطع وتنعكس على فئة اجتماعية محددة: التمييز على المستوى القانوني وهو موجود في كل الدول العربية بدون استثناء، والتمييز في الفضاء العام، والتمييز داخل مؤسسات الدولة الرسمية من إدارات إلى القضاء وأقسام الشرطة، والتمييز في مكان العمل... علماً أن بعض العادات والتقاليد والأعراف المفروضة على فئات اجتماعية محددة، تتعارض مع مبادئ حقوقية أساسية، وهذه أمور تبدأ من مستويات بسيطة من التمييز بين الجنسين وتصل إلى حدّ تبرير جرائم قتل النساء.

تجارب مشجعة

في ظل هذه السلوكيات التي تئن النساء تحت وطأتها، ظهرت مبادرات مشجعة على مستوى التغيير فيها، وذلك في عدة بلدان عربية.

"شريكة ولكن" هو موقع إخباري نسوي مستقل في لبنان، بدأ عمله منذ خمس سنوات، يتألف فريق عمله من مجموعة صحافيات نسويات مؤمنات بحقوق الإنسان وبدور الإعلام في رفع الوعي وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات. يركز الموقع على رصد واقع النساء في لبنان والعالم العربي، ونقد هذا الواقع، ونشر الأخبار المتعلقة به وتعميمها على نطاق حقوقي وإعلامي واسع، إضافة إلى دعم عمل ونضال المنظمات النسوية والحقوقية في لبنان والوطن العربي.

تأسّس الموقع بمبادرة من جمعية Fe-Male ، وهو يأتي إستكمالاً لعمل الجمعية على رفع التوعية ومناصرة قضايا النساء في لبنان والعالم العربي بشكل خاص والعالم بشكل عام، عبر مبادرتها الأولى وهي البرنامج الإذاعي النسوي الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي "شريكة ولكن".

في فلسطين، تأسست شبكة "نوى" الاخبارية، هي شبكة نسوية إعلامية إلكترونية أطلقتها مؤسسة "فلسطينيات" في كانون أول/ديسمبر 2012، تركز الشبكة على القصص الصحافية من منظور جندري وتغطية الأحداث السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر تقارير معمّقة، صور وفيديو، وانفوغراف وليس اخبار منقولة عن مصادر أخرى. وتعمل "نوى" على توفير فرص عمل للصحافيات الفلسطينيات المستقلات، التي تعتبر الفئة الاكبر بين الصحافيات.

منصة "نسوان" اليمينة، تم تأسيسها من قبل مجموعة من الصحافيات اليمنيات في 2019، وهي  منصة  إعلامية إلالكترونية  تهتم بنشر أخبار المرأة اليمنية والاهتمام بقضاياها وهمومها وتخليد إنجازاتها .

وتعتبر منصة "نسوان" المنصة النسوية الأولى في اليمن بحسب المحررة في المنصة هدى حربي، وتهدف الى الوصول لكل إمرأة يمنية والتعبير عنها وإيصال صوتها ودعم نجاحاتها وقضاياها والدفاع عن حقوقها.

في سوريا، بدأ راديو "سوريات" كمنصة على الانترنت في عام 2014، وركز على طرح القضايا التنموية من وجهة نظر النساء. وبدأ ببرامج دورية، وحلقات أسبوعية، وإعلام حساس للنوع الاجتماعي، لكن لم يكن البث يصل لكل السيدات بسبب ضعف الانترنت في سوريا، واشتداد وتيرة الحرب، لذلك فكر فريق راديو "سوريات" بالعمل على الأرض، وكان أول المشاريع في عام 2015، هو "ضمة وردية" ويخصّ التوعية بسرطان الثدي، بعدها أوقف بث الراديو، واستمرت النشاطات على الأرض.

تعتبر منصة "خطيرة" منصة إقليمية تأسست في عام 2019، وتعرف عن نفسها عبر موقعها الالكتروني على انها مجلة إلكترونية تهتم بالنساء على اختلاف تجاربهن وقضاياهن. وتستهدف المنصة "كلّ امرأة لم تعد الأحكام المسبقة ترضي ذكاءها"، و"كل امرأة تجاوزت ما يُرسم لها من خطوط وتنميطات ومسارات"، و"كل امرأة تصنع الفرق على نطاق شخصي ضيّق أو في النطاق العام".

موقع "رصيف 22" هو منصة اخبارية إقليمية متعددة تأسست في العام 2013. تركز المنصة على مجالات عدة أهمها المساواة الجندرية وطرح قضايا المرأة بزوايا جديدة ومعمقة، في إطار يتمحور حول تعزيز المواطَنة والعدالة الاجتماعية.

مقاربة مختلفة

مقاربات عديدة تراعي خصوصية كل بلد، تعتمدها المنصات المختلفة في معالجة فقضايا النساء. وتؤكد هدى حربي ان مقاربة منصة "نسوان" اليمينة لقضايا المرأة جاءت عبر معالجة القضايا من خلال تقديم آراء الخبراء والاختصاصيين وطرح البيانات والارقام والمعلومات من مصادرها، فضلاً عن إيضاح الآثار السلبية النفسية والصحية والمجتمعية  لقضايا المرأة  والتمييز والظلم الذي تتعرض له المرأة اليمنية من قبل المجتمع،وتضيف: "لكننا ايضا حرصنا أن لا نتبنى وجهة نظر معينة.. فنحن نطرح القضايا ونبيّن الأسباب والآثار، ونجعل المجتمع بنفسه يدرك ويتبنى"، ملخصة الجهد بأنه "تغيير إيجابي".

بدورها، تشير الصحافية أميرة مالك مؤسِسَة راديو "سوريات" في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى  ان مقاربة الراديو لقضايا المرأة "غير متطرفة للنسوية، وهذا مايجعل الراديو مقبولاً في البيئات الملتزمة"، كما "تجعلنا غير مكروهين من قبل جيل الشباب، بحيث يكونوا مساهمين مع الراديو". وتقول مالك إن "خطاب الراديو بعيد عن فكرة أن المرأة الخاسر الأكبر، لكن نقول إن المرأة خاسرة أكثر لأنها مهمشة منذ ما قبل الحرب، ونحاول أن نخاطبالجمهور بتوازن ونواجه التطرف تجاه النسوية لأنه يخلق شرخاً كبيراً، وبالتالي يجعلنا خاسرين".

من جهتها، توضح مؤسِسَة منصة "خطيرة" أماندا عبدالله لـ"مهارات ماغازين" ان معالجة المنصة لقضايا النساء "أخرجت قضايا النساء من إطار المنظمات الحقوقية الىإطار شعبي". فقد أحدثت هذه المعالجة فرقاً، مع تحويل ما يقوم به فريق العمل من أبحاث حول قضايا النساء الى طرح بسيط وساخر يصل الى الجميع، ويستطيع تغيير الافكار النمطية حول هذه القضايا.

المقاربة المختلفة أيضاً، تبنّاها موقع "شريكة ولكن"، بحسب ما تقول مديرة التحرير عليا عواضة. وتقول عواضة لـ"مهارات ماغازين" ان التغطية في الموقع لقضايا النساء يتدرّج على عدة مستويات، أولها تغطية ما يتعلق بمتابعة يومية لقضايا النساء الحقوقية في لبنان والعالم العربي، والثاني ما يرتبط بتغطية معمقة وتحقيقات استقصائية حول قضايا النساء. أما المستوى الثالث فهو اللجوء الى حملات الضغط ونشر الوعي حول قضايا معينة بعد ان يكون هناك شعور بأن المعالجة الصحافية وعرض القضية لا يكفي.

مقاربة حقوقية أيضاً تبناها "رصيف 22"، ويؤكد رئيس التحرير المشارك لموقع "رصيف 22" حسن عباس في حديث مع "مهارات ماغازين" ان الموقع يتناول كل القضايا التي تعتبر النساء أن الاشتباك معها ضروري، حتى لو كان البعض يرى أنها هامشية. ويرى عباس أن "دعم أي فئة اجتماعية يتأسس على عدم تهميش أي جزء من خطابها، تحت أي مبرر". من هذا المنطلق، فإن دراسة عن التمييز ضد المرأة في القوانين "ليست أهم من تقرير صحافي يعرض معاناة بعض النساء في توفير فوط صحية"، مضيفاً: "كل شيء مهم ولا ينبغي المفاضلة. فتهميش قضايا المرأة يبدأ من السكوت عن الحديث عن بعض الأمور بحجة أنها "ثانوية" أو "عيب".

تغيير إيجابي

 

تؤكد حربي ان الجمهور اليمني تفاعل مع  منصة "نسوان" والاخبار والقضايا التي تتطرق اليها، حتى ان بعض القصص التي نشرتها المنصة تحولت لقضايا رأي عام، وتعاطف الناس معها وتبنوا الدفاع عنها ومساندتها".

تقارن حربي بين الواقع ما قبل ظهور المنصة وبعدها. تشير الى انه في السابق "كان من النادر ان نرى منصات تنجح في طرح قضايا المرأة، أو التأثير في المجتمع القبلي اليمني، لكننا شعرنا بالكثير من النجاح والتأثير وانعكس ذلك من خلال مشاركة الناس لقصصنا  وخصوصاً الفتيات"، موضحة ان "الكثير من الفتيات ايضا تشجعن وتواصلن بنا ليروين معاناتهن من العنف او غيرها من القضايا بعد أن كان ذلك صعباً جداً"،علماً أن بوح الفتيات يعد جرأة لا يتقبلها المجتمع اليمني. إضافة الى ذلك، تواصلت فتيات ناجحات في مجالات متنوعة بالمنصة وابدين رغبة في طرح قصصهن ونشرها.

من جهتها، تشير مالك من راديو "سوريات" الى ان التغيير عملية تراكمية تحتاج الى وقت، لافتة الى ان "ما قدمه الراديو من حملات تنموية وتوعية للمرأة ساهم في تغيير حياة الكثيرات، كما ان المشاريع على الارض أثرت على فئة الشباب التي اصبحت أكثر وعياً بقضايا المرأة والتحديات التي تواجهها". 

وعلى المنوال نفسه، أحدثت منصة "خطيرة"، خلال فترة قصيرة، تغييراً كبيراً لدى الجمهور بحسب ما تقول عبدالله، حيث وصل المحتوى الى أكثر من 45 مليون شخص، وعدد المشاهدات تخطى الـ15 مليوناً. وقد وصلت العديد من الرسائل للمنصة من نساء أكدن فيها ان المضمون يعبر عنهن، كما وصلت رسائل من رجال يؤكدون ان المنصة ساهمت في تغيير رأيهم عن الكثير من قضايا النساء بشكل إيجابي.

تغيير كبير وأثر واضح أحدثه أيضاً موقع "شريكة ولكن" على صعيد التعاطي مع قضايا النساء. وتشير عواضة الى ان الموقع أصبح مرجعاً في قضايا النساء، إذ تصل رسائل عدة من الجمهور الى الموقع تطالب بتسليط الضوء على قضايا معينة او إنتهاكات معينة ضد المرأة. وترجع عواضة ذلك الى "قدرة المنصة على إثارة الرأي العام من أجل استرداد بعض حقوق المرأة المنتهكة".

بدوره، ظهر التغيير الذي شعر به عباس خلال عمل سنوات منصة "رصيف 22" على قضايا المرأة، من خلال جرأة النساء بشكل عام والوعي بقضاياهنّ. يرى أن سيف "العيب" المسلّط على النساء "لم يعد يؤدّي وظيفته الإرهابية القديمة"، ذلك ان "الجيل الجديد يحمل ثقافة مختلفة عن الثقافة التقليدية، وهذا ما لا تعيه السلطات حتى الآن، وهو أحد أسباب الانفصال بين السجالات الاجتماعية الدائرة وبين عقلية المؤسسات الرسمية وعقلية المشرّعين". ويقول: "كل شيء يتغيّر. لم يحدث الانقلاب بعد ولكنه سيحدث".

خطاب جريء؟

توضح حربي ان خطاب المنصة وتعاطيها مع قضايا المرأة، لا يهدف لكسر تابوهات معينة بقدرما يهتم بكسر حاجز اللاوعيبقضايا المرأة في اليمن والتوعية حولها والسعي لرفع مستور وزيادة الاهتمام بها.

أما مالك فتوضح ان خطاب المنصة ليس إشكالياً، ذلك ان الخطاب الجريء يحتاج الى بيئة مؤاتية، وتدرج في نوعية الخطاب. تقول: "نحن اليوم بعد سنوات من العمل قادرين على ان نطرح قضايا المرأة بخطاب حازم ومهني، يستخدم مصطلحات يتقبلها المجتمع السوري".

في "خطيرة" تم تبني سقفاً عالياً جدا وخطاباً جريئاً يكسر التابوهات. وتشيرعبدالله الى ان ما تقدمه المنصة من محتوى يمهّد الطريق لمنصات أخرى لتعلية سقف التعبير في قضايا النساء.

وتتفق عواضة مع عبدالله حول رفع سقف الخطاب من اجل المطالبة بالحقوق، وتؤكد ان المنصة لا تساوم على حقوق النساء، بالرغم من ممارسة بعض الضغوط عليها، لان القائمين على المنصة يعتبرون ان القمع والجرائم التي تتعرض لها النساء يحتاج الى خطاب جريء وعالي السقف لمواجهة هذا النوع من الانتهاكات ضد النساء.

أما "رصيف 22" فتبنى توجهاً نسوياً في التعاطي مع قضايا حقوق المرأة، دون أن يتبنّى خطاباً نسوياً محدداً. ويوضح عباس ان هنالك خطابات نسوية عدّة في المنطقة العربية، وأفسح الموقع المجال أمام كل هذه الخطابات. يقول: "الثابت هو دعم المطالبة بحقوق المرأة والسعي إلى إيصال صوت كافة التيارات النسوية إلى أكبر قدر ممكن من الناس، ولكن بدون وضع فيتو على أي نوع من أنواع الخطابات النسوية، وبالتأكيد بدون التردد في كسر أي تابو".

تحديات مختلفة

واقع الحرب في اليمن زاد من تحديات المنصات التي تتناول قضايا المرأة، وتقول حربي إن التحدي الابرز يتمثل في "أن عمل المرأة الصحافية في مناطق الصراع يزيد من صعوبة التواصل المباشر مع المصادر والحصول على المعلومة، اضافة الى عوائق أخرى مثل صعوبة التصوير والتحرك السلس اثناء العمل الصحافي، كما ينتج عن عملنا تلقينا احيانا رسائل تهديد تتهمنا بتخريب ثقافة المجتمع".

في سوريا لا يختلف الأمر كثيرا، فسياق الوضع السوري ينعكس بشكل مباشر على العمل الصحافي النسوي. كما ان ضعف البنية التحتية وغياب خدمة الانترنت يحد من الوصول الى شرائح واسعة، فضلا عن نقص الخبرات الصحافية المرتبطة بالتغطية الحساسة للجندر بسبب هجرة الصحافيين والصحافيات المهنيين.

ويمثل التمويل أبرز التحديات التي تواجه منصة "خطيرة"، تقول عبدالله: "كنا نتوقع ان تكون التهديدات الأمنية للقائمين على المنصة أبرز التحديات، لكن وجدنا ان الناس متجاوبون مع عملنا ويقدمون طروحات متقدمة جدا"، وتضيف عبدالله: "التحدي الآخر الى جانب التمويل يتمثل في ايجاد صحافيات يجمعن الموهبة الاعلامية في طرح القضايا والجانب الحقوقي النسوي".

وتظهر التهديدات على الانترنت للقائمين على المنصة كتحدٍّ كبير بحسب ما تقول عواضة، لا سيما عند اجراء اي تحقيقات حساسة تمسّ ببعض الخطوط الحمراء. اضافة الى التهديد، يبرز تحدي الموروثات الاجتماعية والثقافية التي تحجّم المرأة وتحرمها من حقوقها، وهذا يسبب في كثير من الاحيان بانتاج خطاب ذكوري متشدد تجاه قضايا النساء.

إضافة الى التحديات المالية المشتركة مع بقية المنصات، يعتبر عباس ان هناك تحديات اخرى، تبدأ بغياب الأرقام وبصعوبة (وأحياناً استحالة) الوصول إلى المعلومات من المصادر الرسمية، والمرور عبر الأطر القانونية القائمة التي تمنع على سبيل المثال فضح متحرشين ومغتصبين، لأنها تقع تحت طائلة سيف "القدح والذم" و"التشهير" القانوني، وليصل إلى حماية الشاهدات والكاتبات اللواتي يقررن تجاوز خطوط حمراء اجتماعية. وفي هذه النقطة،"يقدم الموقع حماية لهوية الكاتبة"، لكن في حال أرادت الكاتبة التحدث بهويتها الرسمية، لا يمكن هنا فعل اي شيء اذا ما تعرضت لأي سوء.