|
حمایة الصحافیین

الاعلامیون من تغطیة الثورات الى تغطیة فیروس كورونا: الخطر متغیر ومبدأ الحمایة واحد

عادة ما یكون الاعلامیون في المیدان، یجمعون المعلومات ویسجلون ملاحظاتھم ویسعون وراء الشھادات الحیة. مكانھم الحیوي في قلب الحدث. منذ فبرایر٢٠٢٠ اصبح قلب الحدث تغطیة ونقل اخبار ازمة صحیة عالمیة غیر مسبوقة تمثلت في توسع انتشار فیروس كورونا.

بدأت المنظمات التي تعنى بحمایة الصحافیین منذ مطلع شھر فبرایر باصدار ارشادات الحمایة اثناء تغطیة اخبار وباء كورونا، الذي تم اعلانه كوباء عالمي في ١١ مارس ٢٠٢٠. وكان بدأ الاعلام المحلي في المنطقة العربیة بالتغطیة الاعلامیة مع تسجیل اولى الحالات المحلیة في الشق الثاني من شھر فبرایر.

اتت الایام الاولى للتدابیر المتخذة في التغطیة المیدانیة مرتبكة بعض الشيء. ففي لبنان مثلا، مع اعلان اولى الاصابات في لبنان، دخلت الصحافیة راشیل كرم الى مستشفى رفیق الحریري الذي خصص لاستقبال حاملي الفیروس، من دون اي تدابیر احترازیة لنقل الترتیبات التي تعدھا المستشفى. اخذت كرم تتنقل من غرفة الى اخرى مع الكامیرامان لنقل الصورة من ھناك. تغطیتھا المیدانیة من دون اخذ تدابیر الوقایة اخذت جدلا كبیرا على منصات التواصل الاجتماعي وبین الزملاء المھنیین. فامام عدو غیر مرئي ھل ندخل في لعبة الاستعراض، او نقدر حجم الخطر الذي نواجھه. سرعان ما استدركت ادارتھا ما حصل وطلبت منھا العودة إلى البیت وعدم الإختلاط مع أحد ھي والمصور المرافق لھا، الى ان تصدر نتائج فحص الكورونا.

في ایام معدودة وبسرعة كبیرة اخذ خبر الوباء یسیطر على المادة الاعلامیة المحلیة. ولم یكن الصحافیون قد انتھوا من تغطیة الاحتجاجات والمظاھرات والاوضاع السیاسیة والاقتصادیة غیر المستقرة في بلدانھم حتى بدأوا بمواجھة الكورونا. ھذه المرة كان علیھم ان یستبدلوا الخوذة الواقیة من الرصاص والكمامات التي تستخدم للوقایة من الغازات المسیلة للدموع والجیلیه المضادة للرصاص بالبسة واقیة من الوباء. موضوع حمایة الصحافیین في ارض المیدان وتأمین الحمایة لھم اولویة تقع مسؤولیتھا على عدة جھات منھا مسؤولیة شخصیة ومسؤولیة المؤسسة الاعلامیة ومسؤولیة الدولة. ودائما كانت مسألة الحمایة مطروحة في المنطقة العربیة لاسیما للصحافیین المیدانیین الذي یعملون في المؤسسات الاعلامیة المحلیة.

الابتعاد القسري عن المیدان

ومع ازدیاد اعداد المرضى والخوف من توسع انتشاره، اخذت وسائل الاعلام باتخاذ التدابیر اللازمة للاستمرار بنقل الاحداث ومن جھة تأمین سلامة الصحافیین وكافة الطاقم الوظیفي وسلامة الضیوف الذین تتم استضافتھم في استودیوھاتھا او مكاتبھا. تعدد راشیل كرم التدابیر التي اتخذتھا مؤسستھا:

اتخذ القرار بعمل 3 مراسلین لمدة 4 أیام فقط، بعد انتھاء المناوبة الأولى یأتي دور 3 آخرین منعا للاختلاط . وتم اعتماد العمل من المنزل.

منع التصویر الخارجي والاستعاضة عن ذلك بفیدیوھات یصورھا المراسل من المكان الموجود فیه خلال العزل الصحي أو بمقابلات یطلبونھا من أصحاب الاختصاص او الأشخاص المنوي مقابلتھم. وفي الحالات الطارئة حین یتطلب الحدث تغطیة، یلتقي المصور مع المراسل في موقع الحدث، وحین الإنتھاء من التغطیة على الأرض یعودون إلى المنزل لا إلى التلفزیون.  تم تقلیص أعداد الموظفین في الأقسام حیث لا یُسمح بأكثر من موظف واحد بالتواجد في قسمه.

كما أن الاجتماع الیومي یتم عن بعد من خلال اتصال جماعي. كما تم تقلیص عدد المذیعین الذین یقدمون النشرة إلى واحد یقدمھا خلال الیوم بكامله. أما في ال News room فیُمنع تواجد أكثر من 7 أشخاص وحتى الزوار تم منعھم من الدخول. بالإضافة الى تعقیم المبنى بشكل یومي.

ان ابتعاد الاعلامیين عن المیدان وعن العمل الیومي في غرف الاخبار جعلھم یعتمدون اكثر على صحافة المواطن ویدركون اھمیتھا تشیر كرم. كما دفعھم اكثر لاكتساب مھارات انتاج القصة الاخباریة من الناحیة التقنیة ایضا ولیس فقط المحتوى. وتقول بعد انتھاء الازمة المقبلة "سیتوجب على الصحافیین اتقان مھارات جدیدة تمكنھم من ارسال موادھم بشكل كامل".

تدابیر تدریجیة

لكن كل ھذه الاجراءات تم تبلیغھا شفویا من ادارة التحریر الى الصحافیین العاملین، ولیس من خلال تعمیم او مذكرة مكتوبة. اما بالنسبة الى الإجراءات شخصیة التي اتخذھا الاعلامیون فھي نفسھا التي تم اعتمادھا في الاماكن العامة: - التعقیم المتكرر للیدین، وارتداء القفازات - ارتداء الكمامات الواقیة - تعقیم المعدات والكامیرات والمیكروفونات بشكل دوري في ھذا السیاق تقول لاريسا عون، مراسلة سكاي نیوز في لبنان، ان ھذه التدابیر بدأت بشكل فردي منذ الیوم الأول لتسجیل لبنان احتوائه على أول حالة كورونا. كان المجھود في البحث عن سبل الوقایة فردي. لكن في الأسبوع الثاني، حین تفاقم الوضع بدأت تصلنا التعامیم من الخارج. وتضیف "نحن بطبیعتنا كإعلامیین لدینا الحذر والحیطة أولویة لكن المخاطرة جزء من عملنا، لذلك نقوم باتباع التعالیم بحذافیرھا وبدون أي ثغرة".

مع بدایة ازمة فیروس كورونا لم یكن ھنالك اي احساس بالخطورة. تقول الصحافیة بدور المالكي في جریدة البلاد البحرینیة انه: "كنا نقوم بالتغطیة الصحافیة المطلوبة منا على صعید عادي جدا من دون اخذ اي احتیاطات. كنا نذھب الى مجمع العزل للطلاب البحرینیین القادمین من الصین من دون اي اجراءات لحمایتنا من اجل الحصول على الخبر". بعد انتشار المرض بشكل كبیر في البحرین والدول المحیطة اختلف الامر تماما بحسب المالكي. في حین أوضحت یارا ناصر مراسلة صحیفة أنباء السعودیة في البحرین، ان الصحیفة طلبت من المراسلین العمل من المنزل. كما ألغت الصحیفة الاجتماع الأسبوعي، وأوقفت السفر الى السعودیة.

كسر القواعد والاستعراض

رغم كل الجھود والحملات الاعلانیة للتوعیة على اعتماد التباعد الاجتماعي اثناء العمل المیداني وتغطیة المؤتمرات الصحافیة، الا ان حماس البعض كسر ھذه القواعد مرات عدة. لم یتوان الصحافیون والمصورون من التجمع حول رئیس الحكومة اللبناني حسان دیاب بعد زیارته لمطار رفیق الحریري الدولي ٥ ابريل ولم تسلم وزیرة الاعلام اللبنانیة منال عبد الصمد من السخریة عندما نشر لھا موقع وزارة الاعلام على تویتر صورة، تم حذفها لاحقا، بدت فیھا تعمل على قیاس المسافة المعتمدة لجلوس الصحافیین في قاعة المؤتمرات الصحافیة في رئاسة مجلس الوزراء، اذ اعتبرت حركتھا "عملیة دعائیة" والاجدى ان تعمل الحكومة على معالجة الازمات الكثیرة بدل الاستعراض.

لا وجود لاستراتیجیات لادارة المخاطر

وان بدا واضحا للعالم اجمع ان الوقایة من فیروس كورونا غیر متوفر حالیا الا من خلال التزام مجموعة قواعد صارمة، الا انه بدا من الصعب ایضا حث الجمیع على اتباع ارشادات الحمایة. في ھذا السیاق، أكد محمد المؤمن وھو صحافي حر من العراق ان العدید من الصحافیین یقومون بالاحتیاطات والاجراءات الوقائیة عند القیام بالتغطیة الصحافیة. لكن تبقى ھذه الاجراءات شخصیة وغیر مفّعلة من المؤسسات الاعلامیة. "لذلك، یمكن ان ترى بعض الصحافیین ملتزمین والبعض الاخر غیر ملتزم بوضع الكمامات والكفوف الطبیة واجراء التعقیم اللازم". والملفت بحسب المؤمن ان عدة مؤسسات اعلامیة عراقیة لا تملك اي استراتیجیة لإدارة المخاطر، او برنامج للسلامة المھنیة. وذلك أدى الى تعریض العدید من الصحافیین للخطر، سواء في فترة العملیات العسكریة او الیوم في زمن تفشي فیروس الكورونا. حیث، ان معاییر الحمایة باتت شخصیة ومرتبطة بوعي الصحافي وحرصه على سلامته.

عادات تتعارض مع مبدأ الحمایة

لقد ابعدت ازمة فیروس كورونا الصحافیين عن العمل المیداني كما اشار مدیر مكتب وكالة الانباء الإیطالیة "نوفا" العاملة في العراق میثاق الفیاض فتبدل نمط العمل الاعلامي ”فأصبحنا نعتمد في التغطیة على البیانات الصحافیة ووسائل التواصل الاجتماعي، وعدم اجراء اي مقابلات مباشرة من المیدان". ولفت الفیاض الى مسألة العادات والتقالید في المجتمع العراقي لناحیة استعمال المعقمات ودرجة الكحول فیھا، او الاحجام عن المصافحة بالید وقال ”ان عدم السلام بالید یعتبر اھانة للشخص المقابل، كما ان استخدام المواد المعقمة التي تحتوي على نسبة من الكحول غیر مقبول لدى البعض من الناحیة الشرعیة".

الاعلام وحمایة الجمھور

ولا بد من الاشارة الى ان الاعلام المحلي لعب دورا كبیرا في شرح تدابیر الوقایة للجمھور العریض وتقول سحر أرناؤوط، مراسلة محطة الحرة ان الاعلام لعب دورا مھما جدا في الترویج لمسألة الحمایة من فیروس الكورونا لیس فقط عبر اعتماد المؤسسات الاعلامیة والاعلامیين تدابیر حمایة خاصة انما ایضا عبر استباقھا الحكومة في الدعوة الى التشدد بالتزام الحجر المنزلي وعدم الاختلاط.