ينتظر اتباع الأقليات والديانات غير المعترف بها في العراق منذ أعوام نيل الاعتراف الرسمي، كي تتمكن من الاستفادة من مجموعة من الحقوق السياسية والدينية التي حرمت منها بسبب عدم اعتراف الدولة بها. الصراعات السياسية والدينية المتزايدة في العراق تؤخر الاعتراف وتشعر اتباع هذه الأقليات بعدم الأمان. حيث، تسعى هذه الأقليات الى تثبيت حقوقها في ظل شعور عام بغلبة الهوية الطائفية والمذهبية على الهوية الوطنية الجامعة.
وتتعرض الأقليات الدينية والعرقية في العراق الى الاستهداف المباشر من قبل الجماعات المتشددة في غالبية المدن والبلدات، وتسببت موجات العنف ضد الأقليات الى مغادرة اعداد كبيرة من افرادها البلد بعد أن تعرض تواجدهم لخطر الزوال والانصهار.
وانقسمت عمليات الاستهداف التي تعرضت لها الأقليات في العراق على القتل والاختطاف والتهجير واغتيال قادتها الدينيين والاجتماعيين وتغيير مناطقهم ديمغرافيا وتفجير دور العبادة، وشكلت هجمات تنظيم داعش على محافظة نينوى عام ٢٠١٤ وسيطرتها على مساحات واسعة من الاراضي العراقية لأكثر من ٣ أعوام أسوأ موجات العنف التي استهدفت الأقليات حيث نفذ التنظيم عمليات إبادة جماعية ضد اتباع الأقليات وفي مقدمتهم الايزيديين والمسيحيين واستولى على ممتلكاتهم وعقاراتهم وسبى الآلاف من النساء والأطفال والرجال الايزيديين، وما زالت اثار عمليات التنظيم والجماعات المتشددة الأخرى وفكرها يلقي بظلاله على واقع التعايش في العراق.
مهددون بالزوال
وتؤكد شريف أن وجود الاعتراف يعطي للكاكائيين حق الحصول على مقاعد في البرلمان والمؤسسات الأخرى في الدولة يستطيعون من خلالها إيصال صوت اتباع الديانة، مضيفة "أعضاء البرلمان يمثلون احزابهم لأنهم لم يصبحوا أعضاء في البرلمان عن الكاكائية بل رشحتهم احزابهم، لذلك هؤلاء لا ينقلون قضيتنا نحن الكاكائيون الى داخل البرلمان ولا يستطيعون المطالبة بحقوقنا".
لا توجد إحصائية دقيقة ومحدثة عن أعداد الكاكائيين في العراق لكن احصائيات دولية تشير الى أن اعدادهم تبلغ نحو 200 ألف نسمة، يعيشون في إقليم كردستان ومناطق سهل نينوى ومحافظة كركوك ومدينة خانقين شمال شرق بغداد.
الكاكائيون ليسوا الوحيدين من بين الأقليات التي لم تنل الاعتراف فقائمة الأقليات غير المعترف بها في العراق رسميا طويلة تشمل الى جانبهم البهائيين والزردشتيين واليهود وأصحاب البشرة السمراء في وسط وجنوب العراق الى جانب العديد من الأقليات والطوائف الأخرى.
ليس بإمكان ليلى طاهر شريف، وهي ناشطة من اتباع الديانة الكاكائية في العراق، تعليم أطفالها تعاليم الديانة الكاكائية في ظل انعدام اعتراف رسمي بالديانة في البلد. وتقول شريف "الكاكائية لا يمتلكون أي "جامخانة" ، معبد الكاكائية، في العراق، لممارسة الطقوس والشعائر الدينية، فنضطر الى التجمع في بيت من بيوتنا لممارستها، وبالتالي لا نمتلك المكان الذي يجلس فيه رجل الدين لتعليم أبنائنا تعاليم ديننا، وتعليمهم قراءة كتابنا المقدس "سرانجام" وتفسيره، لذلك نحن مهددون بالزوال شيئا فشيئا".
وتشير شريف الى أن الكاكائية تمتلك العديد من الاماكن التاريخية المقدسة في العراق، وعند الاعتراف الرسمي بالديانة سيكون لهذه الاماكن مردودا جيدا على العراق وإقليم كردستان من كافة النواحي.
وحرم عدم وجود اعتراف رسمي بالديانة الكاكائية في العراق أتباع الديانة من الحصول على حقوق سياسية واجتماعية وقانونية ومناصب في الدولة تتمتع بها الأديان الثلاثة المعترف بها رسميا في الدستور العراقي الى جانب الإسلام وهي المسيحية والايزيدية والصابئة المندائيين.
الأحوال الشخصية والاقليات
تعتبر كواكب عبداللطيف رشيد، وهي ممثلة عن الديانة البهائية أن التحدي الأبرز الذي يواجه البهائيين بسبب عدم نيل الاعتراف يكمن في قوانين الأحوال الشخصية وتسجيل الزواجات البهائية.
وتمنح المادة الاولى من قانون الأحوال الشخصية العراقي الأولوية للشريعة الإسلامية، وتنص فقراتها الثلاث على أن "تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها. إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون. تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية".
وتواصل هذه الأقليات عبر مجموعة من القنوات العمل منذ سنوات لنيل الاعتراف، لكن مجموعة من العوائق وفي مقدمتها عوائق سياسية وأخرى مرتبطة بأوضاع البلد أخرت حتى الآن نيل هذا الاعتراف.
الاعتراف ليس سهلا
ويرى رئيس منظمة "ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية"، رجب كاكائي، وهو عضو في لجنة نيل الاعتراف أن "قضية الاعتراف الرسمي ليس بالسهل الحصول عليه في زمن تسيطر الاحزاب الدينية فيه على مجلس النواب العراق، حاليا يتم تداول مشروع قانون حماية التنوع ومنع التمييز في اروقة مجلس النواب العراقي، ونتمنى أن يرى النور".
ويشير كاكائي الى وجود أطراف عديدة تجامل الاقليات وأطراف أخرى تعارض الأقليات، موضحا "لكن الاكثرية ليست لديهم نية للاعتراف بالأقليات الدينية وينكرون وجودهم بحجة أن الدستور العراقي لم يذكر مصطلح "الأقليات" بل ذكر المكونات فقط"، معتبرا ذلك "اول انتهاك قانوني بحق الأقليات".
ويعزو تأخير الاعتراف بهم الى المشاكل السياسية الحاصلة في العراق، مضيفا أن "الكتل السياسية في مجلس النواب يتحججون بتأجيل مناقشة مشروع قانون حماية التنوع ومنع التمييز الى تلك المشاكل، لكن في الحقيقة لا ينوون تشريع القانون المذكور".
ويعتبر كاكائي حضور ممثلي الديانات الكاكائية والزرادشتية والبهائية في الصلاة المشتركة للأديان التي اقامها البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في مدينة اور التاريخية جنوب العراق في اذار/مارس الماضي اعترافا رسميا بوجود هذه الديانات التاريخي في العراق.
مشروع إدارة التنوع
ودفعت مطالبات الأقليات لنيل الاعتراف الحكومة العراقية الى التحرك في هذا الإطار والجلوس مع ممثلي هذه الأقليات ودراسة مطالبها، ورغم عدم منح الاعتراف الرسمي بها حتى الان، لكن مستشارية الامن القومي العراقي أعلنت نهاية عام 2020 عن عقد ورشة بعنوان "إدارة التنوع في العراق"، استضافت فيها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت وحضور شخصيات سياسية وحكومية وممثلي عن الديانات والطوائف الموجودة في المجتمع العراقي.
ويكشف مستشار الشؤون الاستراتيجية في مستشارية الامن القومي العراقي سعيد الجياشي أن الورشة نتجت عنها توصيات مهمة تمثلت في الذهاب الى تشكيل فريق لبناء استراتيجية وطنية عراقية لإدارة التنوع في البلد والاعتراف بالتنوع والاعتراف مؤسساتيا بمساحات الثقافة والاعلام والمناهج والتعليم والمجتمع.
ويلفت الجياشي الى أن الورشة تمخضت عنها تشكيل الفريق الوطني لكتابة هذه الاستراتيجية والبدء بتحديد المجالات والمصالح الحيوية، مشيرا الى أن "الاستراتيجية تعني بالحقوق الأساسية وليست السياسية، وأكدت على أهمية وجود مساحات التنوع محترمة داخل كافة المؤسسات في الدولة".
ويشدد الجياشي في ختام حديثه على أن الحريات الدينية في العراق تتمتع في ظل الدستور النافذ، بمساحة كبيرة غير مسبوقة يمارس من خلالها اتباع هذه الديانات والمعتقدات طقوسهم، برعاية الدولة وبدعم منها، وهناك تفاعل وتخادم بين مجموعة من المؤسسات مع القادة الدينيين في هذه الديانات.