|
شبكات الدعم

شبكات دعم للصحافيات بمواجهة التحرّش وعوائق تجريمه

تحاول شبكات الصحافيات في العالم العربي مواجهة واقع التحرش ضد الصحافيات "أوفلاين" و"أونلاين" من خلال مجموعة من الاستراتيجيات والطرق لدعم الصحافيات اللواتي تعرضن للتحرش

تحاول شبكات الصحافيات في العالم العربي مواجهة واقع التحرش ضد الصحافيات "أوفلاين" و"أونلاين" من خلال مجموعة من الاستراتيجيات والطرق لدعم الصحافيات اللواتي تعرضن للتحرش.

وتعتبر رئيسة "نادي الاعلاميات الفلسطينيات" وفاء عبد الرحمن ان الجهد الحكومي لمكافحة التحرش بشكل عام غير كافي، مضيفة ان "العقوبات ليست رادعة، ولذلك نطالب بتمرير قانون حماية الاسرة الذي يتضمن عقوبات رادعة ضد التحرش"، معتبرة ان "ما يحصل من تحديث للقوانين فهو في إطار الترقيع".

وتؤكد عبد الرحمن لـ"مهارات ماغازين" ان نادي الاعلاميات بدأ بوضع آليات لتلقّي الشكاوى المتعلقة بالتحرش، لكن يبقى حل هذه الشكاوى بإطار ودّي لأن النادي لا يمتلك اي سلطة في هذا الإطار.

في اليمن، لا تختلف القضية كثيراً عن فلسطين، فالإطار القانوني الذي يحمي من التحرش غائب، والصحافيات اليمنيات يخفين التحرش بهن، بحسب ما تقول منسقة "شبكة الصحافيات اليمنيات" وداد البدوي، مرجعة ذلك الى أسباب ترتبط بالمجتمع المحافظ أو ان المتحرش بشكل عام يكون ممن يتولون مسؤولية مثل بعض رؤساء المؤسسات الاعلامية، التي تعمل فيها الصحافيات.

وتتساءل البدوي: "اذا كان من يتحرّش هم اصحاب المؤسسات الاعلامية والمدراء فيها، وبالتالي من سيرعى تنفيذ آليات لمكافحة التحرش ضد الصحافيات، وهو ما تسبب بعزوف الكثير من الصحافيات عن العمل والبقاء في المنزل؟"

تشير البدوي في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى ان الشبكة تعمل على رفع الوعي لدى المؤسسات الاعلامية بموضوع التحرش، من أجل اعطاء بيئة آمنة للنساء من اجل العمل الصحافي.

وفي العراق، يزيد الواقع المحلي في البلاد تعقيدات جهود مكافحة التحرش، بحسب ما تقول رئيسة منتدى الاعلاميات العراقيات نبراس المعموري. تقول ان "عرقلة الجهود تأتي بالدرجة الاولى من نقابة الصحافة العراقية التي تقول ان المجتمع العراقي هو مجتمع اسلامي لا يوجد فيه تحرش".

وتؤكد المعموري لـ"مهارات ماغازين" ان "ذلك لم يمنعنا من تكثيف الجهود مع مختلف فئات المجتمع المدني لمكافحة التحرش، وهو ما شجع وزارة الداخلية على توقيع بروتوكول مع المنتدى لمعالجة حالات التحرش، وإطلاق خط ساخن لدى الوزارة لتلقي الشكاوى ومعالجتها، كما أطلق المنتدى حملة #لا_للتحرش كنوع من رفع الوعي حول القضية".

وتشير المعموري الى ان "المنتدى أيضا اطلق عيادة قانونية لتقديم المشورة لصحافيات في تعرضن لأي من أنواع التحرش في عملهن".

والحال ان الطريق تبدو طويلة في جهود مكافحة التحرش بالصحافيات، بحسب ما تقول رئيسة تحرير شبكة "ماري كولفن" ديما حمدان. وتوضح حمدان لـ"مهارات ماغازين" ان المبادرات موجودة من منظمات المجتمع المدني لمكافحة التحرش، لكن المؤسسات الاعلامية لا تمتلك آليات او إستراتيجيات لمكافحة التحرش، وهو ما أشارت له الصحافيات اللواتي تعرضن للتحرش في أكثر من مناسبة.

أما عن الدعم المقدم من شبكة "ماري كولفن" للصحافيات في هذا الاطار فيشمل الاستماع للصحافية، وتقديم المساعدة لها في حال احتاجت لإستشارة قانونية ودعم النفسي.

غياب النقابات

يتفق معظم الصحافيين العاملين في النقابات الصحافية في العالم العربي، على أن جهود مكافحة التحرش ضد الصحافيات محبطة، حيث لا تقوم النقابات بدورها في هذا الاطار، إما لتهميش عملها أو تبعيتها في كثير من الاحيان للمؤسسات الاعلامية والأطراف السياسية الحاكمة.

ويؤكد عضو مجلس نقابة الصحافة المصرية هشام يونس لـ"مهارات ماغزين" ان النقابة لا تعمل على موضوع مكافحة التحرش مع المؤسسات الاعلامية، كما لا توجد لجنة لدعم المرأة داخل النقابة، معتبراً ان "دور النقابة معطل منذ عام ونصف العام تقريباً". لكن بالرغم من ذلك هناك آلية للشكوى ولجنة تأديب في النقابة وهيئة تحقيق في حال تعرضت اي صحافية للتحرش يمكن ان تلجأ اليها، وهذا ما لم يحصل سابقاً.

في الاردن لا يختلف الوضع كثيراً عن مصر بحسب عضوة مجلس نقابة الصحافة الاردنية هديل غبون. وتقول لـ"مهارات ماغازين" ان نقابة الصحافة الاردنية تعتبر موضوع التحرش خطاً احمر ولا يجب الخوض فيه، بالرغم من اجراء المجتمع المدني دراسات عدة عن التحرش بالصحافيات، وآخرها دراسة للجنة الوطنية لشؤون المرأة في الاردن في عام 2019، أجرت فيها اللجنة مقابلات مع أكثر من 50 صحافية وإعلامية في الوسط الاعلامي الاردني، وكانت النتيجة ان 45 في المئة من العينة أشارت الى تعرضها لتحرش، سواء كان لفظياً أو جسدياً.

في لبنان، أقر مجلس النواب اللبناني قانون التحرش الجنسي في أماكن العمل نهاية العام الماضي، وتعتبر عضو مجلس نقابة المحررين يمنى غريّب ان الحديث عن التحرش الجنسي في لبنان هو أمر جديد، واصفة إياه بـ"الخطوة الإيجابية في مجتمع ذكوري مسيطر".

أما النقابة فلا تمتلك آليات محددة لمكافحة التحرش الجنسي ضد الصحافيات، لكنها لفتت الى وجود مجلس تأديبي داخلي في النقابة للنظر في أي شكاوى يقدمها الصحافيون بشكل عام، ولم تتقدم أي صحافية بشكوى حتى الان في هذا الإطار.

وتقول غريّب لـ"مهارات ماغازين" ان "لا شيء يمنع النقابة من العمل مستقبلا على وضع آليات محدد لمكافحة التحرش ضد الصحافيات أو رفع الوعي حول الموضوع لدى المؤسسات الاعلامية، لكن عدم الاستقرار الذي يعيشه لبنان اليوم لا يسمح بالعمل في أي إتجاه ايجابي لتطوير واقع الصحافيين".

ولا بد من الإشارة ان نقابة المحررين في لبنان لا تضم سوى 25 في المئة من الصحافيين والصحافيات فقط.

في تونس، وبالرغم من ان نقابة الصحافة التونسية تعتبر الانشط مقارنة بنظيراتها في البلدان العربية، الا انها ترى ان الجهود المبذولة لوضع آليات واستراتيجيات لمكافحة التحرش الجنسي ضد الصحافيات ليست بالمستوى المطلوب.

وتؤكد نائبة رئيس النقابة التونسية للصحافة أميرة محمد ان النقابة أنشأت مرصداً للانتهاكات بشكل عام، ويصدر تقارير شهرية وسنوية. كما ان النقابة تتعاون مع منظمة "نساء ديمقراطيات" من اجل تلقي شكاوى التحرش من قبل الصحافيات وتقديم الدعم النفسي لهن. لكن، النقابة تعمل لتكون لديها وحدة استماع ودعم نفسي للصحافيات داخل النقابة لان الكثير من الصحافيات لا يشعرن بالراحة عند الحديث عن حالات التحرش خارج السياق النقابي.

وترى محمد ان التحرش بالصحافيات منتشر في تونس، ولا يجب انكار ذلك، ويعود ذلك الى وضعية العمل الهشة. حيث يتم ابتزاز الصحافيات اقتصادياً ومادياً من أجل مناصب أعلى في المؤسسات الاعلامية، وتأتي هذه المساومات من اصحاب مؤسسات او مسؤولين او صحافيين نجوم.

كما ستحاول النقابة مستقبلا اعداد برنامج كامل للتوعية ضد التحرش لتطبيقه في المؤسسات الاعلامية.

جهود دولية

تحاول المنظمات الدولية ملء الثغرات التي يخلفها ضعف الجهود النقابية والحكومية في مكافحة التحرش ضد الصحافيات. 

وتؤكد مديرة التواصل لـ"برنامج النساء في الاخبار" في منظمة Wan IFRA ميرا عبد الله في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان الكثير من المؤسسات الاعلامية والنقابات لا تتسامح في موضوع التحرش، ولكن لا توجد آليات أو تعريف واضح للتحرش أو سياسات للإبلاغ  عن المتحرشين.

وتشير عبد الله الى ان منظمة WAN- IFRA أطلقت كتيباً في العام 2019 حول التحرش للموظفين في المؤسسات الاعلامية وفيه بعض الارشادات لكيفية كتابة سياسات داخلية للمؤسسة لمواجهة التحرش. إضافة الى توفيرتدريبات للصحافيات والمؤسسات الاعلامية لمواجهة التحرش.

كما أطلق برنامج "النساء في الاخبار" في 2020 أداة تتضمن تعريف التحرش، وكيفية معالجته، والافكار المغلوطة حول التحرش الجنسي. كما تقدم المنظمة استشارات مجانية للمؤسسات الاعلامية لتطوير سياسات مكافحة التحرش.

واعلنت عبدالله عن اطلاق تحالف "لن ابقى صامتة" في اذار/مارس 2021 لمواجهة موضوع التحرش الجنسي. ويضم التحالف الى جانب WAN- IFRA  كل من: فايسبوك، مؤسسة أريج، IREX، IWMF. ويعمل هذا التحالف على تشجيع الصحافيات للتبليغ في حال تعرضوا للتحرش، كما سيدرّب التحالف 1000 صحافية وصحافي حول مواضيع تعريف التحرش الجنسي، والافكار المغلوطة، والتعامل مع التحرش، وخلق شبكات الدعم.

التحرش الالكتروني

تزايدت المخاطر التي تعترض الصحافيات وتهدد سلامتهن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار التحرّش الإلكتروني كنوع جديد من التهديد الذي أصبح سياسة ممنهجة في الكثير من الأحيان.

التنمّر الالكتروني، التحرّش الجنسي، التخوين، الشتيمة، إضافة الى النبش في الماضي الشخصي، أنواع كثيرة من التعرّض الالكتروني للصحافيات، بهدف إسكاتهم وقمع آراءهم في كثير من الأحيان.

وتنقسم مصادر التهديد والتعرض الالكتروني الى عمليات يقوم بها أفراد عاديون، الى جانب عمليات ترهيب ممنهجة عادة ما تقوم بها "الجيوش الالكترونية" ويتم توظيفها من طرف الأنظمة الاستبدادية أو الاحزاب السياسية لقمع حرية الصحافة.

الملاحظ ان التحرش الالكتروني بالصحافيات يزداد منسوبه في وقت الأزمات، لا سيما في الدول التي تشهد نوعاً من القمع او الفوضى في المشهد السياسي.

في السياق، تشير عبدالله الى ان التحرش بالصحافيات يهدف الى إسكاتهن وتخويفهن.وتتعدد أنواع التحرش بحسب عبد الله، ولكن القسم الاكبر من التحرش يكون عبر التنمر والتحرش الجنسي عبر نشر صور عارية مركبة من خلال الفوتوشوب للصحافيات.

أما التأثيرات التي يمكن ان تطال الصحافيات فتتضمن عدة جوانب أبرزها التأثيرات النفسية، والعقلية الشرقية للعائلات التي تضغط على الصحافيات من اجل ترك المهنة او إغلاق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي أو على الاقل تطبيق رقابة ذاتية.

يكمن الحل بحسب عبد الله في تحصين الصحافيات وتدريبهن لمواجهة مثل هذه الحوادث، فضلاً عن رفع الوعي لدى المواطنين بمخاطر التنمر والتحرش الجنسي في المجتمع.

كذلك، يجب تشكيل شبكات دعم ومتابعة مرتبطة بتقديم إستشارة في الصحة النفسية. وعلى نطاق أوسع، من الضروري تشريع قوانين على مستوى المنطقة العربية تجرم التحرش الجنسي، لا سيما في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيات، والتي تهدف الى قمع حرية الرأي والتعبير.