وحرصت الحكومات التونسيّة المتعاقبة على منع تداول اللغة الأمازيغية لتكريس "هُويّة عرقيّة متجانسة" للشعب التونسي. حيث، حاول رؤساء تونس قبل ثورة 2011 قمع اللغة الأمازيغية بدعوى أن الحفاظ على وحدة البلاد يعتمد على لغة مشتركة. كما لم يتطرّق الدستور التونسي الجديد في أي من فصوله إلى الأمازيغ، واكتفى بتأكيد "عروبة تونس وإسلامها".
واجه التونسيون تضييقات عدة بشأن اختيار أسماء أبنائهم، وهو ما نتج عنه امتعاض متكرّر دفع المعنيين والناشطين المدنيين بالتحرّك من أجل وقف هذا الإقصاء للثقافة الأمازيغية.
شكّل إلغاء هذا القانون أحد المطالب الأساسية للناشطين والجمعيات المعنية بالنضال من أجل الحفاظ على الهوية الأمازيغية. نضال انطلق بعد ثورة 2011 مباشرة فور السماح بالنشاط القانوني للجمعيات واستغلالا لطفرة الحريات والتنوع، التي اكتسبها الشعب التونسي إثر الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الديكتاتوري.
بعد ما يقارب العشرة سنوات من النضال، تم انهاء العمل بالمنشور الذي يقيّد حرية الأولياء في انتقاء أسماء المواليد، وذلك بقرار من وزير الشؤون المحليّة لطفي زيتون في 15 تموز/يوليو 2020. وأنهى بذلك معضلة دامت لعقود طويلة وأصبحت تؤرق التونسيّ وتضيّق عليه مناخ الحرّية التي نالها ابناء شعبه في 2011.
لم تكن تلك الخطوة سائدة في الواقع، ولم تكن النتيجة المنتظرة مفاجئة، لكنّه أصرّ على المحاولة. قرر عماد الزواري مواطن تونسي أن يطلق على مولوده الجديد اسم "ماسين" وهو اسم أمازيغي مشتقّ من إسم "ماسينيسا" ملك نوميديا (مملكة منطقة شمال افريقيا) ويعني السيّد أو القائد. لكن قراره قوبل بالرفض من مصلحة السجلات المدنية في البلدية، معلّلة أنّ الاسم يتنافى مع قانون جار، يمنع تسجيل المواليد بأسماء غير عربية.
ماسين وتاتيناس وغيرهما من الأسماء ذات الأصول الأمازيغية كانت قد منعت في تونس بحكم عدد من القرارات والمناشير، بينها المنشور رقم 85 المؤرّخ في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1965، الذي يفرض بعض المحاذير داخل قانون تنظيم الحالة المدنيّة. ويمنع إسناد الأسماء غير العربية للمواليد كما يمنع إسناد اللقب كإسم، أو إسناد ألقاب الزعماء أو أسمائهم وألقابهم في آن واحد، أو تسمية المواليد الجدد بأسماء مستهجنة أو منافية للأخلاق. ووضع ذلك الأسماء الأمازيغية مع الأجنبية في قائمة الممنوع رغم الارتباط الجذري للثقافة الأمازيغية بتونس.
تكشف إحصاءات غير رسمية أن عدد الأمازيغ في تونس يناهز 500 ألف، أي خمسة بالمئة من العدد الإجمالي لسكان البلاد، لكنّ حضورهم في المشهد السياسي شبه منعدم وتغلق الدولة الباب أمام أي مطالبات بإدراج لغتهم في المناهج الدراسية.
تأثيرات إيجابية
ساهم هذا القرار بتبعات إيجابية، ليحقّق أثرا ملموسا خصوصا لدى الناشطين العاملين في مجال حماية الهوية والثقافة الأمازيغية والداعمين لإحياء هذا الموروث.
في هذا الإطار، أكّد رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية كيلاني بوشهوة أنّ عدد البلاغات عن حوادث منع تسجيل الأسماء غير العربية بسجل الولادات في البلديات التونسية قد قلتّ بشكل ملحوظ وتكاد تكون معدومة منذ إصدار القرار.
ويرى بوشهوة أنّ خطوة السماح قانونيا باعتماد الأسماء الأمازيغية هي خطوة إيجابية ولكّنها بسيطة جدّا امام الطريق الطويل والشاق أمام بلوغ الهدف. كما يرى أنّ الحلول القانونية يجب أن تتوازى مع الحلول اللاماديّة والتي تتمثّل في العمل على إعادة بوصلة الاهتمام بالهوية الأمازيغية ويجب أن تستهدف أساسا الشباب حتى تعزّز مشاعر الانتماء الى هذه الأرض.
وذكّر أنّ مسيرة النضال من أجل الحفاظ على هذه الثقافة تنضوي دوما تحت مشروع وطني تونسي لا يدعو الى التفرقة، بل ينادي بتعزيز التنوع والإثراء الثقافي مرتكزا بذلك على الهويّة التونسية التي تنصهر في ثقافة منطقة شمال افريقيا.
أمّا عن تطلّعات الجمعيّة التونسية للثقافة الأمازيغية فتتلخّص في تحقيق مطالب عاجلة تتمثّل في الاعتراف باللغة وتقديم الدعم من أجل إحيائها من جديد، وأخرى آجلة تتمثّل في دسترة الحقوق الأمازيغية ونشر الثقافة وطنيّا. وكانت الجمعيّة قد واظبت على مراسلة الحكومات التونسية باستمرار للتذكير بتوصيات الأمم المتحدة المنبثقة عن مساءلة الحكومة التونسية في مؤتمر جنيف في أيار/مايو 2016، والتي تدعو إلى ضرورة العمل على دفع ودعم الثقافة الأمازيغية وتدريس اللغة الأمازيغية في جميع المستويات.
نال المولود اسم ماسين وأخذ عماد (الوالد) شرف المحاولة والنجاح في استخدام حقّه في اختيار اسم ابنه الذي كان يمنع بقوة القانون، وقدّم بذلك خدمة الى الثقافة الأمازيغية من خلال حفظ أسمائها من الاندثار وضمان وجود رموزها في الأجيال القادمة. هكذا سنجد بعد عقد من الزمن صفّا دراسيا تحتمل قائمة طلابه أسماء أمازيغية الى جانب العربية بحد السواء، وتتجانس في قاعاته الثقافتان دون الفصل بين الهوية عن التنوّع.