|
طائفة البُهرة

طائفة "البُهرة" في اليمن... نموذج عن التكافل الاقتصادي

لطالما تعايشت طائفة البُهرة، أحد فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب، مع بقية الطوائف في اليمن، الذي يعد بيئة غنية بالتنوع الديني. لكن اسمها ارتبط خصوصاً بمبادرة باقتلاع أشجار القات وإيجاد بدائل عنها من أجل تحقيق نهضة المجتمع.

لطالما تعايشت طائفة البُهرة، أحد فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب، مع بقية الطوائف في اليمن، الذي يعد بيئة غنية بالتنوع الديني. لكن اسمها ارتبط خصوصاً بمبادرة باقتلاع أشجارالقات وإيجاد بدائل عنها من أجل تحقيق نهضة المجتمع.

يوصف البُهرة بأنهم إسماعيلية "مستعلية" أو "طيبية"، نسبة إلى الإمام "المستعلي"، ومن بعده "الآمر" ثم ابنه "الطيب". وهم إسماعيلية الهند واليمن. تركوا السياسة وعملوا في التجارة، فوصلوا إلى الهند، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا، والبهرة: لفظ هندي قديم، بمعنى "التاجر".

يتركز معظم أفراد هذه الطائفة في منطقة الحُطيب في حراز، غرب صنعاء، وتعد المنطقة أهم مركز للبهرة بعد بومباي في الهند. تتراوح أعدادهم في اليمن بين 12 ألف و17 ألف، بحسب مصادر عدّة، فيما يقدّر أتباع هذه الطائفة حول العالم بمليون شخص يتوزعون على عدد من الدول العربية بينها: مصر، الإمارات، الأردن والسعودية. كما يتركزون بشكل كبير في الهند وباكستان.

أما عن تاريخهم فيقول الدكتور الجامعي واحد مشايخ البهرة أحمد النجار أن "البهرة طائفة مسلمة حالهم كحال المسلمين في أنحاء العالم، قد أتت تسميتهم بالبهرة من خلفيتهم التجارية، لأن معنى كلمة بهرة هي "التجارة"، كما يُعرف أيضا بأن البهرة انهمكوا في تجارتهم، وانشغلوا في التطور الحضاري والاقتصادي والاجتماعي، وتمتاز هذه الطائفة بملابسها وقبعاتها المزخرفة باللون الذهبي بنسبة للرجال".

طقوس دينية

في توجههم الديني، يؤمن البهرة بحسب النجار "بالله وحده لا شريك له، وأن  محمداً رسول الله، وأن عترته الأطهار من نسل فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين خلفاء الله في أرضه، وامنائه على عباده، يقوم منهم إمام بعد إمام بالنص والتوفيق كما أوضح ذلك سيدنا القاضي النعمان بن محمد في كتابه ( دعائم الاسلام الجلد الاول) وكما اوضح ذلك سيدنا حميد الدين الكرماني في كتابه (المصابيح في اثبات الامامة ). فلا تخلو الأرض من ائمة أهل البيت عليهم السلام مهما جار الزمان، ومهما تغيّرت الأحوال والظروف".

وقام دعاة هذه الطائفة بالدعوة الى مبادئها في اليمن والهند، والتي تركز على الالتزام بالدين الإسلامي وأصوله، التسامح مع جميع المذاهب وتجنب التدخل في السياسة. ساهمت هذه المبادئ في نشر الدعوة في افريقيا وفي السواحل اليمنية مثل: عدن والحديدة والمخا وغيرها، وفي اليمن الاعلى صنعاء وغيرها من المناطق، والان في دول الخليج منشغلون في وظائفهم وتجاراتهم.

يشدد النجار على أنه يجب أن "يفهم كل من يقرأ عن البهرة، سواء في الماضي أو الحاضرأو المستقبل إنهم ملتزمون بمبادئ الدين الاسلامي ودعائمه ولا يختلفون مع اخوانهم المسلمين في شيء، الا في مسألة الامامة القائمة في كل عصر وزمان نسل رسول الله، وانه لا يقبل فيهم اي ترهات وأكاذيب لأغراض سياسية أو مذهبية، أو أن يلفق عليهم أي كلام لا أخلاقي كأن يقال عليهم إنهم خارجون عن الملة كما قامت بعض الفتاوى والمزاعم الباطلة ضدهم".

لا مكان لـ "القات"

تتعدد نشاطات طائفة البهرة، لكن أغلب مبادراتها وأبرزها تركزت على اقتلاع شجرة القات (يعتبر من النباتات المخدرة) وعدم زراعته، وإيجاد البدائل، ما كان له أثراً ملموساً في التكافل الاقتصادي.

ودعا الزعيم الروحي لطائفة البهرة الى حملة تطهير لأراضي شرقي حراز من هذه الشجرة، التي اعتبر أنها كانت السبب في إعاقة أتباعه والشعب اليمني بأسره من التطور على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والاقتصادي. ورأى أنه لا يمكن للقات أن يبقى، فألزمهم باستئصاله وساعد المزارعين عبر دفع نفقات القلع وتعويض أصحاب الأراضي واعطائهم بديلاً عن ذلك.

ومن أبرز البدائل:

1- مشروع القرض الحسن الذي يتبع الشريعة الإسلامية، على شرط أن يأتوا بضامنين ورهن ذهب.

2- مشروع تربية المواشي: يتمثل في إعطاء من يقتلع شجرة القات ماشية يقوم برعيها، إضافة الى توفير الرعاية الصحية.

3- مشروع انشاءمناحل لتربية النحل.

4- مشروع إعداد وزرع البن واستبدال الأراضي التي كانت مزروعة بشجرة القات بشجرة البن.

5- مشروع تقديم دعم وإمدادات طبية وتعليمية، بما يساهم في رفع المستوى المعيشي للمواطنين.

نماذج ناجحة

استطاع عدد من أبناء الطائفة كمرتضي هبه ومحمد غالب الاستفادة من المشاريع التي سبق ذكرها. واستطاع كل منهما أن يؤسّس تجارته عبر أخذ قروض من مشروع "القرض الحسن".

بدأ مرتضى مشروعه لبيع الملابس عبر كشك بسيط، ثم طلب قرضاً من مشروع "القرض الحسن" بمبلغ ثلاثة مائة ألف ريال يمني لتطوير عمله. واستطاع بعد عامين سداد القرض بشكل كامل حسب المتفق عليه، ثم عاد وأخذ قرضاً آخر استطاع من خلاله توسيع تجارته واستئجار محل.

أمّأ محمد غالب، فهو نموذج آخر عن شباب البهرة الذين استفادوا من هذا القرض. كان لديه محل لبيع الملابس في سوق الملح، أحد اشهر الأسواق في صنعاء القديمة. بسبب المنافسة القوية والصعبة، احتاج الى رأس مال قوي، ففكر بإنشاء معمل خياطة للملابس الرجالية، بعدما جعلت جائحة كورونا من الاستيراد مهمة صعبة. وبسبب عدم توفر المال اللازم، لجأ الى "القرض الحسن"، وحصل على قرض ساعده على إنشاء معمل خياطة لتوسيع تجارته، وبات حالياً يبيع الملابس لمحلات التجزئة.