"الجائحة المعلوماتية"، هو الاسم أطلقته "منظمة الصحة العالمية" على ظاهرة انتشار المعلومات الكاذبة والمغلوطة المصاحبة لجائحة فيروس كورونا (Covid-19)، والناتجة عن ترويج الشائعات والأخبار المزيفة. الأمر الذي استدعى مجموعة من المبادرات والتعاون الدولي لمكافحة هذا الكم الكبير من الاخبار الكاذبة حول كورونا.
انطلقت مبادرات دولية عدة لمواجهة خطر الاخبار الكاذبة المرتبطة بـ"كورونا"، أبرزها إطلاق منظمة الصحة العالمية تنبيهاً صحياً بالتعاون مع "واتساب" و"فايسبوك" لتوفير معلومات دقيقة عن الفيروس. كذلك، دَعَمَ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحالف معلومات فيروس كورونا (CoronaVirusFactsAlliance#)، الذي جمع أكثر من مئة شخص من مدققي الحقائق من أكثر من 45 دولة، لمكافحة الاخبار الزائفة حول كورونا.
كما أضاف كل من "تويتر" و"يوتيوب" و"غوغل" روابط من منظمة الصحة العالمية في أول نتائج البحث عليها حول الفيروس. وتظهر هذه الروابط إما في الصفحة الرئيسية عند زيارة المواقع، أو عند البحث عن الفيروس، ولكنها منظمة بشكل أكبر باللغة الإنكليزية.
في الوقت نفسه، وفرّت بعض المنصات مصادر لمكافحة الاخبار الكاذبة. فقد قامت "الشبكة الدولية للتحقّق من المعلومات" IFCN بتوفير قاعدة بيانات تجمع كل الاخبار الكاذبة، التي تم الكشف عنها بواسطة تحالف (CoronaVirusFacts / DatosCoronaVirus). وقد وحدّت قاعدة البيانات هذه منصات التحقق من الاخبار الكاذبة في أكثر من 70 دولة، وتضمنت مقالات منشورة بـ 40 لغة على الأقل.
أمام كثافة هذه المبادرات الدولية للتحقق من المعلومات المرتبطة بـ"كورونا"، بدت المبادرات الإقليمية على الصعيد العربي غائبة الا فيما ندر. حيث، عملت المنصات العربية في كثير من الاحيان بجهد يفوق إمكانياتها لمكافحة الاخبار الكاذبة والمغلوطة المرتبطة بفيروس كورونا، لكن هذا الجهد غاب عنه التشبيك مع المنصات العربية والدولية، التي تقوم بنفس العمل.
تحديات تواجه التشبيك
تواجه مبادرات التشبيك بين المنصات العربية للتحقق من المعلومات تحديات كبيرة. أكثرها صعوبة يكمن في العقلية، إذ تميل العقلية أكثر الى المنافسة في مجال التحقق من المعلومات بعيداً عن التشبيك لتحقيق التكامل، ورفع الوعي لدى الجمهور بهذا النوع من الاخبار، رغم أن كمّ المعلومات الكاذبة والمغلوطة المنتشرة حول فيروس كورونا في العالم العربي كبير ويفوق إمكانيات تلك المنصات.
إشكالية أخرى يطرحها مدير تحرير المنصة السورية "تأكد" ضرار خطّاب حول نقص المبادرات العربية للتشبيك لمكافحة الاخبار الكاذبة حول فيروس كورونا. يعتبر خطّاب أن منصات التحقق من المعلومات على المستوى العربي جديدة، والكثير منها في مرحلة بناء ونمو، وبالتالي يمكن ان يأتي التشبيك والتعاون في مراحل لاحقة.
ويشير مدير التسويق في منصة "فتبينوا" معتز الظاهر الى ان هناك غياباً واضحاً لآليات وقنوات التواصل مع منصات التحقق من المعلومات والمؤسسات الاعلامية العربية، لا سيما المؤسسات الاعلامية والمنصات الحكومية، مضيفاً انه "عند التواصل مع قنوات رسمية حكومية نعاني من البطء في الاستجابة، كما تُقام المؤتمرات الصحافية في أوقات متباعدة، بالرغم من ان المعلومات المرتبطة بكورونا تحتاج الى تحديث سريع".
هناك فوارق في تطبيق المعايير المهنية بين المنصات العربية للتحقق من المعلومات بحسب الظاهر. وبالتالي، تفتقد المنصات الى وجود إطار عربي يجمع المنصات الفاعلة للتحقق من معلومات من أجل تحقيق التشبيك والتكامل ورفع المهارات، على غرار الشبكة الدولية للتحقق من المعلومات IFCN.
في المقابل، يوضح مسؤول خدمة تقصّي صحة الأخبار باللغة العربية في وكالة "فرانس برس" خالد صبيح في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان فكرة التشبيك مهمة جداً لتبادل المعلومات بين المنصات العاملة في مجال التحقّق من المعلومات، لكن هناك خوف من التشبيك يكمن في تحويل هذه المنصات، التي قد تكون فاعلة على الصعيد الفردي الى جسم واحد أو شبكة واحدة تقيّد عملها وتجعله غير فعّال.
مبادرات مشجعة
ويؤكد صبيح انه بالاضافة الى مبادرات التشبيك على الصعيد الدولي، هناك متابعة وتعاون بين "ميزان فرانس برس" في بعض الاحيان مع بعض المنصات والافراد في المنطقة العربية، مثل منصة "تأكد" السورية، و"ما تصدقش" المصرية، وتقنية "من اجل السلام" العراقية، وهي منصات مهنية.
في المقابل، قامت منصة "فتبينوا" بمبادرة تشبيك ايضاًمع كل من فايسبوك والشبكة الدولية للتحقق من المعلومات IFCN، عبرة حملة حملت عنوان Covid 19 Vs F19. استهدفت الحملة 19 دولة عربية. وتضمنت 19 فيديو عن أبرز الاخبار الكاذبة التي انتشرت حول كورونا في كل من البلدان الـ19. إضافة الى "انفوغرافيك" يبيّن أرقام التواصل مع السلطات المحلية للإستفسار حول آلية الفحص للكشف عن كورونا، كما تبيّن أعداد المصابين والوفيات ونسب الشفاء في كل بلد.
كذلك، يشير مدير التسويق في منصة "فتبينوا" معتز الظاهر في حديث لـ"مهارات ماغازين" الى مجموعة من مبادرات التعاون الاخرى، أبرزها مبادرة "قريب" مع الوكالة الفرنسية للإعلام CFI لمكافحة الاخبار الكاذبة حول كورونا، فضلاً عن التعاون مع المؤسسات المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تتضمن جميع الفيديوهات التوعوية حول كورونا ترجمة للغة الاشارة من أجل الاشخاص الصم والبكم.
أطلقت وكالة "فرانس برس"في نيسان/ابريل 2020، شراكة غير مسبوقة مع فايسبوك، من خلال حملة لنشر مقاطع الفيديو التفسيرية حول الأخبار الكاذبة المرتبطة بجائحة (Covid-19). وبالتالي، وسعت وكالة "فرانس برس" نطاق عمليات التحقق الرقمي لتشمل قسم الفيديو، من خلال وضع هذه الفيديوهات في تصرّف الجمهور لمساعدته على فهم أوضح لكيفية نشوء وانتشار المعلومات المغلوطة، وكيف يحللها صحافيو وكالة "فرانس برس"، ويتحققون من صحتها ويكذبونها. ونُشرت تلك المقاطع على موقع تقصي الحقائق التابع لوكالة "فرانس برس".
كذلك، كانت "فرانس برس" جزءاً من ائتلاف وقائع فيروس كورونا المستجد CoronavirusFacts Alliance، الذي أنشاته الشبكة الدولية للتحقق من المعلومات (IFCN). وقد وضعت المجموعة قاعدة بيانات للأخبار الكاذبة حول فيروس كورونا، تجمع إنتاج أكثر من 100 منظمة مستقلة تُعنى بتقصي صحة الأخبار في العالم.
وجاء تعزيز التعاون مع مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الاخبارية الاخرى، نتيجة الكمّ الكبير للأخبار الكاذبة والمغلوطة، بحسب صبيح. ويلفت صبيح الى ان هذا التعاون هدفه رفع الوعي بالأخبار الكاذبة لدى الجمهور، "ليصبح التحقق من المعلومات لاسيما المرتبطة بكورونا نوعاً من الموضة لدى الجمهور، من أجل دفعه للسؤال عن مصدر الخبر ودقة الصورة أو الفيديو".