فرضت جائحة "كورونا" انتقال الملتقيات الصحافية والحقوقية من الواقع الى الفضاء الالكتروني. ملتقيات عدة وجدت الحل في الإقامة بالمجال الافتراضي بسبب تعقيدات السفر والتباعد الاجتماعي، ومن أبرز تلك الملتقيات في العالم العربي، ملتقى أريج الالكتروني الاول، وملتقى "خبز ونت".
منذ العام 2015 اعتمدت 20 دولة 64 قانوناً ونظاماً يقيّد الحيز المدني، وفقاً لاحصائية المركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني، ويشمل ذلك تبنّي سياسات تحدّ من المشاركة المدنية وتحرم منظمات المجتمع المدني من الوصول الى عمليات صنع السياسات، وبالتالي التقليل من المشاركة المدنية التي تعتبر عنصراً اساسياً في تطبيق أي نهج ديمقراطي قائم على حقوق الانسان.
لذلك، شكل الفضاء المدني الالكتروني فرصة لتقديم بدائل للناشطين والصحافيين، لا سيما بعد ما فرضته جائحة "كورونا" من تحديات وقيود على الفضاء المدني الواقعي.
فرص وإمكانيات جديدة
شارك 3400 صحافي وصحافية من 60 دولة في ملتقى "أريج" الالكتروني الاول، ومن ضمنهم 160 متحدثاً ومتحدثة من 40 دولة نصفهم من النساء، كما اقيمت في الملتقى اكثر من 50 فعّالية بشكل مباشر على مدى 3 اسابيع.
كذلك، تضمن الملتقى معرضاً افتراضياً ضمّ 10 أجنحة للمؤسسات الاعلامية عبر منصة "أون فينت".
تقول المديرية التنفيذية لمؤسسة "أريج" روان الضامن لـ"مهارات ماغازين" ان الفعاليات كانت مباشرة والنقاش كان تفاعلياً، إذ جمعت التجربة بين سهولة الدخول والمشاركة عبر منصة "زووم" والتفاعل مع المعرض عبر منصة "أون فينت".
تقارن الضامن بين ملتقى "أريج" الذي عقد في عام 2019 بشكل واقعي وجمع أكثر من 700 صحافياً، وبين الملتقى الالكتروني الاول. وفّر الملتقى الالكتروني امكانيات وفرص بشكل اكبر، لا سيما مشاركة متحدثين مهمين من جميع انحاء العالم، لم تسمح لهم الملتقيات السابقة من المشاركة لجهة التزاماتهم وضيق الوقت والسفر الى الاردن. كما كانت هناك مشاركة أوسع على الصعيد العربي، لا سيما الصحافيات.
المشاركة الواسعة في الملتقيات الالكترونية أكدها ايضاً المدير التنفيذي لمنظمة "Smex" محمد نجم، ويقول لـ"مهارات ماغازين" انه في ملتقيات "خبز ونت" السابقة، كان عدد المشاركين يصل الى 350، في حين اليوم بعد تنظيم الملتقى افتراضياً وصل عدد المشاركين الى 800 مشارك ومشاركة.
ويشير نجم الى ان "خبز ونت" مساحة لتلاقي الناشطين والمدونيين والمطورين والحقوقيين من اجل خوض أكبر في عمق القضايا لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، وأبرز هذه التحديات في ملتقى هذا العام كانت قضية كوفيد 19، وتطبيقات التتبع الالكتروني التي تعتبر تحدياً في مجال انتهاك الخصوصية.
ويتفق كل من نجم والضامن على ان الملتقيات الالكترونية هذا العام فتحت آفاقاً أوسع وسمحت بعرض افكار وتجارب جديدة، لذلك ستكون الملتقيات خلال الاعوام المقبلة حتى وان تم تجاوز أزمة كورونا، هي ملتقيات تدمج بين المشاركة الافتراضية والواقعية.
لكن وبالرغم من الفرص التي يتيحها الفضاء الالكتروني، لا بد من الاشارة الى بعض التحديات التي ترجع الى ضعف البنية التحتية في البلدان العربية من انترنت وكهرباء. إضافة الى نقص بعض المهارات المرتبطة بالتعامل مع التكنولوجيا لدى الصحافيين والناشطين. وكذلك، الجدل المرتبط بمدى محدودية التفاعل مقارنة بالتواصل المباشر في هذا النوع من الملتقيات.
تأمين الفضاء الالكتروني
بالرغم من الفرصة التي وفّرها الفضاء المدني الالكتروني في ظل جائحة كورونا، الا ان تضييق السلطات في البلدان العربية يتزايد على هذا الفضاء.
تمثل التضييق في الرقابة الالكترونية بمختلف أشكالها سواء أكان عبر حجب المواقع، وقد تم استخدام هذا التكتيك في مصر في الفترة التي سبقت التصويت على استفتاء ابريل/نيسان 2019، وخلال الاحتجاجات المناهضة للفساد في سبتمبر/أيلول 2019.
وفي المملكة العربية السعودية، أزالت السلطات عرضاً كوميدياً ساخراً على"نتفليكس". وخلال الاحتجاجات العراقية في اواخر 2019 تم قطع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تماماً ولمدة شهرين.
كما استخدمت قوانين الجرائم الإلكترونية أيضاً لمعاقبة الأصوات المعارضة وتجريمها. ففي الكويت، سجنت السلطات مدافعين عن حقوق الإنسان بسبب أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك، في الامارات تعرض المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور للسجن لمدة عشر سنوات، بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان على الإنترنت.
وتؤكد روان الضامن ان مسألة الأمن الرقمي للملتقيات تشكل تحدياً، لأنه لا يمكن ضمان فضاء الكتروني آمن للصحافيين مئة في المئة، وكذلك ينطبق الحال على الفضاء الواقعي، وتوضح: "لا يمكنك منع السلطات من الاطلاع على ما يجري، لكن نحن نقوم بحماية المعلومات الحساسة، بحيث لا تكون عرضة للنقاش عبر الندوات وورش العمل الالكترونية، لا سيما المعلومات المرتبطة بالتفاصيل الحساسة لبعض التحقيقات الاستقصائية التي تكون في طور التحضير وجمع المعلومات" بحسب الضامن.
ويعتبر محمد نجم ان إقامة الملتقيات بشكل مباشر أسهل من ناحية الأمان، لكن في "خبز ونت" تم اتباع معايير معينة لضمان سلامة الناشطين، من حيث التسجيل الكترونياً والحصول على البريد الالكتروني والهوية الحقيقية للمشارك، إضافة الى وجود متطوّع في كل جلسة لمراقبة ما اذا كان هناك خطاب كراهية او اهانات او اي نوع من انواع التحرش الالكتروني.