"هذا الاستهداف لنا كفلسطينيين يشجعنا ويدفعنا لمتابعة نضالنا في مواجهة المنصات الرقمية وأن نلجأ في أي وقت ممكن للأمم المتحدة أو أي جهات قانونية ممكنة للنظر في مسؤوليات الشركات الكبرى ولنرفع الصوت من أجل حماية حقوق الإنسان ووقف انتهاك الحقوق الرقمية للناس"، يقول مدير المناصرة في "مركز حملة" جلال أبو خاطر. ويعمل مركز "حملة" على توثيق الانتهاكات الرقمية للمحتوى الفلسطيني التي زادت منذ بدء الحرب على غزة في اكتوبر الماضي.
لائحة انتهاكات الحقوق الرقمية للمحتوى الفلسطيني طويلة على سبيل المثال، وسائل الاقتصاد الرقمي كـ "باي بال" لا تعترف بالسوق المالي الفلسطيني، أما جني الأموال عبر المنصات الرقمية غير مسموح للفلسطينيين. فـ "يوتيوب" مثلًا لا يسمح للفلسطينيين أن يجمعوا أرباحا من المحتوى المصور الذي ينشرونه على حساباتهم، على عكس كل دول العالم الأخرى، مما يظهر التمييز الرقمي الذي يحرم الفلسطينيين من مصدر دخل عادل كغيرهم من مستخدمي هذا التطبيق. حتى تطبيق "جوجل مابس" لم يعط أي اهتمام للوجود الفلسطيني، حيث يهمش المناطق والقرى على حساب خرائط إسرائيل إن كان من جهة أسماء المناطق أو من جهة حدود فلسطين الطبيعية.
يشرح مدير المناصرة في "مركز حملة" جلال أبو خاطر في حديث لـ"مهارات ماغازين" انه بعد حرب أكتوبر 2023 أجرت ميتا تحديثات مؤقتة على منصة فيسبوك حيث أعادت برمجة طرق التعليق وجمهور النشر عبر وضع الحالة الافتراضية (Default setting) مع "الأصدقاء" فقط، وتغيير أيقونة "المشاركة" إلى "إرسال" لتحويل رغبة مشاركة المستخدمين من مشاركة عامة إلى خاصة، مما يقلّص من إمكانية التعبير وانتشار المحتوى. في حين قيّدت منصة انستغرام إمكانية جمع التبرعات لقطاع غزة كواحدة من ممارسات ميتا التقييدية على المستخدمين.
أما شركة أكس على الرغم من إزالتها تقييدات إزاء المحتوى، تبنّت سياسة أكثر حرية من شركة ميتا ورفعت بعض التقييدات على المستوى الفلسطيني، ولكن أتاحت هذه السياسات الجديدة الفرصة أمام زيادة الخطابات التحريضية وخطابات الكراهية الإسرائيلية على الفلسطينيين.
بالمقابل، بعد أن اتسمت منصة تيكتوك بالتوازن النسبي، أدى الضغط الكبير الممارس على الشركة إلى تصاعد حالات حجب الأصوات الفلسطينية. وانضمّت لينكد إن إلى قائمة المنصات المنتهكة لحقوق وحريات الفلسطينيين الرقمية، عبر حذفها أي محتوى يتعلّق بالدعوة إلى الالتزام بالقوانين الدولية، وفق تقرير نشرته "حملة" عام 2024 تحت عنوان "هاشتاغ فلسطين 2023: الحقوق الرقمية الفلسطينية في الحرب".
اللغة العربية تربك الفضاء الرقمي
وفي هذا السياق يشارك أبو خاطر ملاحظات رصد "حملة" للانتهاكات الرقمية حول أشكال التمييز اللغوي الذي تعاني منه وسائل الإعلام الفلسطينية، منظمات المجتمع المدني، الصحافيون وغيرهم من المستخدمين الفلسطينيين العاديين، على مواقع التواصل الإجتماعي، ويشرح انه "عندما تنشر أي وسيلة إعلامية فلسطينية خبر في اللغة العربية والعبرية والانجليزية، يتم إزالة أو حجب الخبر المكتوب في اللغة العربية، أما اللغتين العبرية والانجليزية لا تواجهان أن تقييد، مما يؤكد أننا نواجه تمييز ممنهج ضد اللغة العربية والمحتوى الفلسطيني بالأخص، كما تعمل ميتا على تقييد حسابات الصحافيين والمصورين الذين يشاركون أي صور حصرية أخذت في غزة أثناء عملهم، مما يظهر أن الشركة تشارك في أن تخفي جرائم الاحتلال في غزة ومعركة إبادة بحق شعب بأكمله، ومن الممكن أن تحاسب على أنها متواطئة في هذه الحرب عبر منع نقل الصورة الصحيحة للأحداث الجارية".
مركز "حملة" يوثق ويطالب
ومن التوصيات التي يطالب بها مركز "حملة" الشركات الرقمية:
- ضمان الشفافية عبر توضيح كيفية عمل خوارزمياتها، وإعطاء معلومات أكثر عن مجموعات البيانات التي تم بناء الخوارزميات عليها.
- الالتزام في التواصل مع "حملة" والاستماع لمختلف أطراف المجتمع المدني لمشاركة الحالات والعمل على حلها أو المناقشة حولها.
- إزالة المحتوى الذي يشجع أو يحتوي على خطاب كراهية وتحريض ضد الفلسطينيين، لأنه على الشركات مسؤولية بحماية المستخدمين، لأن هذا التحريض ينعكس أيضًا على أرض الواقع ويعرّض حياة الفلسطينيين للخطر.
- إعطاء ميزات من قبل الشركات للصحافيين ووسائل الإعلام على المنصات الرقمية لسرد الأحداث ووصفها إخباريًا من دون تعرض حساباتهم للتقييد والحظر.
- التزام الشركات الكبرى بالمعايير الدولية والالتزامات القانونية والأخلاقية وعدم انتهاك الحقوق الرقمية لجميع المستخدمين عمومًا والفلسطينيين خصوصًا كونها جزء من حقوق الإنسان عالميًا.
وختم أبو خاطر "نحن نعمل على أمل أن يتم تأمين فضاء رقمي عادل وآمن في أقرب وقت ممكن لجميع المستخدمين حول العالم وخصوصًا الفلسطينيين، من دون أي تمييز عرقي أو عنصري يحفظ حقوقهم الرقمية أينما تواجدوا".
مع التطوّر المستمر للمنصات الرقمية والتحديثات الدائمة لخوارزمياتها وسياساتها، يواجه مركز "حملة" صعوبات جديدة في ظلّل التغيّر الدائم لنوع الانتهاكات، إذ أن أشكال التقييدات الرقمية تختلف وتتطور مع الوقت. لهذا يعمل المركز على تعريف الحالات وتوثيقها بشكل دقيق، ويضيف أبو خاطر قائلًا: "يحتاج الأمر في بعض الأوقات أن نطلب من المتابعين الذين يقدمون لنا أي حالة تقييد رقمي، إرسال أدلة وصور، لنرفعها بدورنا مثلًا إلى شركة ميتا للنظر بها، ففي حال لم تتراجع الشركة عن خطوتها، نسجل هذا الإجراء الخارق للحقوق الرقمية الفلسطينية، لأنه في حال تبين أن هناك نمطا (Trend) من الشركة بحظر نوع معيّن من المحتويات، نلجأ لجهات مختصة لمحاسبة الشركات الرقمية الكبرى على الانتهاكات التي تقوم بها".
ولتحصيل الحقوق الرقمية للفلسطينيين ومحاسبة الشركات العالمية الكبرى، يلجأ مركز "حملة" للمسار القانوني عبر الجهات المختصة بالقضايا الرقمية وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، التي تؤكد في رسائلها على أن هناك مسؤولية مشتركة على الدول والشركات خاصةً أنها تنتهك حقوق الفلسطينيين، في فترةٍ يمكن أن يواجهوا فيها تهمة التواطؤ بحرب الإبادة، خصوصًا أن هذه الحقوق يجب أن تكون مصانة في كل الفترات وفق المواثيق والاتفاقيات الدولية.