الفجوة الموجودة على صعيد محاربة الاخبار الكاذبة، دفعت الصحافي اللبناني محمود غزيّل لتبني التحقق من المعلومات، وكشف زيف الاخبار الكاذبة التي تنتشر. لم تظهر جهود غزّيل أخيراً مع انتشار مئات الأخبار المضللة عن فيروس "كورونا"، فهي تمتدّ الى العام 2013، وتمثل واحدة من المبادرات الفردية التي أكسبته ثقة على هذا الصعيد.
ويحاول المستخدمون والصحافيون من ذوي المهارات التقنية عبر جهود فردية وعلى حساباتهم الخاصة في مواقع التواصل محاربة الاخبار الكاذبة حول فيروس كورونا، كإضافة إلى الجهود التي تقوم بها مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات التحقق من المعلومات التي أعلن القيمون عليها عن خطط للحد من انتشار الأخبار الكاذبة حول الفيروس.
تختلف انواع المبادرات الفردية على المستوى العربي في محاربة الاخبار الكاذبة عن كورونا. تعتمد بعض المبادرات على تفاعل الافراد عبر لفت نظر منصات التحقق من المعلومات الى الاخبار الكاذبة. فيما ترتكز مبادرات اخرى على جهود بعض الافراد، الذين يتمتعون بمهارات تقنية وصحافية لمكافحة الاخبار الكاذبة في صفحاتهم.
هذا النوع من المبادرات يحقق صدىً واسعاً لدى الجمهور. بل ان البعض أصبح مرجعية لدى الكثيرين في التأكد من صحة الاخبار، ولا سيما خلال انتشار الكم الكبير من الاخبار حول فيروس كورونا.
تجارب مميزة
يقول كساب انه "منذ ذلك الحين، حرصتُ على حضور ورش تدريبية، أغلبها عبر الإنترنت، ومتابعة مستجدات ما ينشر في مجال التحقق من المعلومات، وتطبيق كل جديد أراه، لأن الممارسة المستمرة هي ما تكسبنا الخبرة، وتعطينا فكرة عن أفضل الأدوات أو التكنيك المناسب لمكافحة الاخبار الكاذبة".
في المقابل، تحوز صفحة "تحقق" اللبنانية للتأكد من صحة الأخبار والمعلومات على 7 الاف متابعة في"فايسبوك". يأتي انشاء هذه الصفحة بمبادرة فردية من إيمان برق، وهي طالبة صحافة إلكترونية.
تقول برق لـ"مهارات ماغازين" ان الصفحة عبارة عن مشروع تخرج بدأ في 2019. وإكتسب الزخم بعد موجة الاخبار الكاذبة التي أعقبت تحرك 17 تشرين الاول في لبنان، وانتشار الاخبار الكاذبة حول جائحة كورونا". الشغف بهذا المشروع دفعها الى تطوير مهاراتها في التحقق من المعلومات وإمتلاك أدوات التحقق المستخدمة من قبل المنصات المتخصصة للتحقق من المعلومات".
محمود غزيّل احد الصحافيين اللبنانيين الذين يتصدّون للاخبار الزائفة المرتبطة بكورونا على صفحته الشخصية في فايسبوك. كانت بداية نشاطه في 2013، لدى عرض صور ضمن برنامج "كلام الناس" في 2013، لجثث متفحمة قيل انها في نتيجة التفجيرات التي حدثت في مدينة طرابلس اللبنانية، وبعدها "قمت بالتأكد ليتبين ان الصور كانت من نتيجة لحادث في المغرب"، كما يقول.
وعلى غرار غزيّل، برز في مصر الصحافي المصري محمد كساب. يعرض لـ"مهارات ماغازين" تجربته في محاربة الاخبار الكاذبة على حساباته الشخصية بالقول انه "في السنوات الماضية كانت عملية التأكد من دقة الصور أو مقاطع الفيديو التي تثير ضجة تستلزم أياما. وقتها، فكرت في البحث عن شيء يمكنني كصحافي القيام به، للتحقق من هذه الصور ومقاطع الفيديو بشكل سريع، وكتابة قصص عما توصلت إليه، وكيف وجدت مواطن التلاعب".
طرق التحقق
في السياق، تؤكد برق ان معالجة هذا النوع من الاخبار الطبية يتطلب الاستعانة بأطباء متخصصين، وذلك لأن هذه المعلومات تؤثر بشكل كبير على صحة الانسان. فضلا عن ذلك، كانت هناك استعانة بالمصادر الموثوقة كمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية.
ويشير كساب الى ان طرق معالجة الأخبار الكاذبة المرتبطة بكورونا ليست صعبة، الأمر يحتاج الى قدرة على استخدام محركات البحث في عملية البحث العكسي عن الصور والفيديو، والعودة الى مصادر الأخبار الموثوقة، كوسائل الإعلام، ومنظمة الصحة العالمية، ومراكز الأبحاث العلمية، ومواقع رصد وضع الوباء عالمياً.
أما بالنسبة للجمهور، فيقول كساب ان عملية التحق يجب ان تكون متصلة بالتفكير النقدي تجاه كل ما يتعرضون له من أخبار مع تنامي حاسة الشك بكل ما هو متصل من اخبار غير منطقية عن كورونا.
تتنوع الطرق المستخدمة للتحقق من المعلومات الكاذبة أو المغلوطة عن فيروس كورونا. تتراوح بين الاعتماد على المصادر الطبية المعتمدة مثل منظمة الصحة العالمية، وصولا الى استخدام أدوات التحقق الشائعة للكشف عن مصادر هذه الاخبار ودقة الصور ومقاطع الفيديو.
ويوضح غزيّل انه بحكم خلفية عمله الصحافي، "بات الأمر شبه تلقائي للتدقيق بالمعلومات الواردة، والرد على المزاعم المتكررة والمتشابهة"، إلى حد لم يعد الأمر يأخذ بضع لحظات من أجل تفنيد الأخبار والتساؤلات المرتبطة بكورونا.
ويرى غزيّل انه في فترة انتشار فيروس كورونا، "كان واضحا ان هناك حاجة الى وجود سياسة اعلامية لدى المؤسسات الصحافية اللبنانية لمكافحة الاخبار الكاذبة حول كورونا. حيث، ظهر جلياّ ان هذه المؤسسات تستهلك وتعيد نشر الاخبار الكاذبة، في ظل غياب الرد من الهيئات الاعلامية والصحية على ما ينشر من اخبار مغلوطة".
ثقة الجمهور
من قلة الإمكانات التي يحظى بها الأفراد في مواجهة كم كبير من الاخبار الكاذبة حول كورونا، الا ان هذه الجهود الفردية خففت بشكل واضح كمّ المعلومات المغلوطة حول انتشار الفيروس، وطرق علاجه، وأبرز اللقاحات المكتشفة.
يشير غزيّل الى انه بناء على سمعته في تدقيق الاخبار الكاذبة التي تراكمت خلال الفترة الماضية، لاسيما خلال الاعتصامات والتظاهرات التي تلت حراك 17 تشرين/اكتوبر 2019 في لبنان، تحولت حساباته الشخصية على مواقع التواصل إلى صندوق بريد لطلبات الناس في التدقيق والحصول على معلومات تتعلق بفيروس كورونا، سواء لناحية الإصابات أو كيفية الوقاية منها، أو ما كان يتم التداول به عبر بعض الفيديوهات والحسابات غير معروفة المصدر.
لاقت المعلومات التي تم تصحيحها تفاعلاً كبيراً من الجمهور ووسائل الاعلام، عبر اعادة نشر ما يتم تصحيحه ونسبه لصفحته الشخصية من أجل تعزيز المصداقية، بحسب غزيّل.
هذا التفاعل الناجح، أشار اليه كساب أيضا. يقول: "بالرغم من ان حجم الأخبار المُصححة ليس كبيراً، مقارنة بمدى انتشار الأخبار الزائفة نفسها، الا ان تفاعل الجمهور واعادة نشر الاخبار المصححة من خلالنا كأفراد جيد، ربما لأن هذه الاخبار الكاذبة مرتبطة بشكل مباشر بسلامتهم الشخصية".
يلفت كساب الى ان نجاح جهود الافراد بمكافحة الاخبار الكاذبة مرتبط بمدى المتابعة وإبقاء الجمهور مُطلعاً على حقيقة ما يتداوله الناس من أخبار، فهذا كفيل بمنح مدققي المعلومات مساحات كبيرة من المصداقية والثقة والتأثير.
صعوبة الوصول الى المعلومات
يواجه الافراد المتخصصين في مكافحة الاخبار الكاذبة تحديات عدة. يتفق كل من غزيّل وبرق وكساب على أبرز هذه التحديات، التي يرتبط بعضها بصعوبة الوصول الى المعلومات، وصعوبة مواجهة الكم الهائل من الأخبار الكاذبة حول كورونا.
وتواجه الجهود الفردية عدة تحديات، بينها:
- جهود الافراد عبر صفحاتهم الشخصية لمواجهة الاخبار الكاذبة، يواجه ضيق الانتشار والإمكانيات، مقارنة بإنتشار وسائل إعلام.
- بطء استجابة السلطات الصحية في البلدان العربية على مواقع التواصل الاجتماعي. وربط البعض عدم رد هذه السلطات على تساؤلاتهم حول الفيروس على مواقع التواصل، بأن تكون هذه المعلومات حكماً صحيحة، وإلا لكانت السلطات قد نفت هذه المزاعم.
- تصديق الجمهور العربي كل ما ينتشر من معلومات حول فيروس كورونا باللغة الانكليزية، بالرغم من التأكد بأن الكثير منها كان معلومات مغلوطة.
- ضعف الرادع القانوني والأخلاقي والمهني لدى بعض وسائل الاعلام، وغياب التدقيق في المعلومات، أدى الى تناقل المعلومات المغلوطة والكاذبة وتضخيمها عبر منصات التواصل. اضافة الى استضافة الكثير من المؤسسات الاعلامية لأطباء غير متخصصين، يقدمون معلومات مغلوطة في بعض الاحيان، تساهم في نشر الاخبار الكاذبة حول كورونا.
- النقص في المحتوى الطبي باللغة العربية.حيث، يعتبر المحتوى الطبي باللغة العربية ضعيفاً مقارنة مع اللغات الاخرى، لاسيما الانكليزية. وبالتالي، على مدقق المعلومات ان يكون متمكناً من أكثر من اللغة.
- صعوبة تفنيد بعض المعلومات الكاذبة المرتبطة بنظرية المؤامرة أو بمعلومات فضفاضة حول انتشار الفيروس. لا سيما، ان عملية التحقق تقترن دوماً بإيجاد دلائل "مادية" وملموسة عند معالجة الاخبار الكاذبة.