تُعتبر القضايا الدينية في الصحافة المصرية من الملفات الحسّاسة، باعتبار أنّ المجتمعمتدين وقد يصل الأمر الى التشدّد في بعض الأحيان، مع وجود خطوط حمراء عند نقد الرموز الدينية.
ومرّت مقاربة الاعلام لقضايا التنوع الديني بثلاث مراحل تاريخياً بحسب الصحافية المتخصصة في الإعلام الديني أنجيل رضا.كانت فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 فترة صامتة نوعاً ما، فلم يكن هناك اهتمام بالإعلام الديني،باستثناء بضعة إصدارات متخصصة، أي جريدة اسلامية تتحدث عن الدين الإسلامي وما يخصه، وجريدة قبطية مسيحية تتكلم عن المسيحية.
وأخذت بعض المؤسسات الاعلاميةعلى عاتقها التطرّق إلى قضايا الأقباط، على غرار جريدة "وطني"الأسبوعية. وظهرت في آخر هذه الفترة قنوات دينية عبّرت عن قضايا الأديان التي تتبع لها، إضافة الى قنوات تهاجم القنوات الأخرى بدون مهنية.
ومع دخول ملف القضية القبطية ضمن مناقشات اجتماعات الأمم المتحدة لحقوق الانسان، بدأ الاعلام مقاربتها بشكل أوسع من زاوية حقوق الإنسان.وظهرت القضايا الدينية في صحف خاصة وحزبية،باستثناء تلك القومية، وإن واجهت الكثير من الرفض مع اعتبار الملف شائكاً وغير مرحب به.
ومع ثورة 25 يناير، اختفى الاعلام الديني. إلا أنّه مع تبوّء الإخوان المسلمين الحكم خلال هذه الفترة التاريخية وإثارة القضايا الدينية والطائفية، عاود الإعلام الديني الظهور بقوة، وترافق مع قمع في النشر واستخدام بعض وسائل الإعلام، سواء المرئية أو المقروءة، بشكل متشدّد. وكانت النتيجة وقف برامج وحجب صحف، وبات المنع سيّد الموقف.
حقّق تقرير مصوّر عن مبادرة هناء وسامح، التي تعزّز التنوع الديني في مصر، أكثر من 2.5 مليون مشاهدة في أقل من شهر، بعد أن نشرت منصة "تعددية" التقرير ضمن حملة "شو قصتك". تضمنت المبادرة العمل على التلاقي وإزالة الحواجز الدينية بين الأطفال المسلمين والمسيحيين في قرية الحجازة– صعيد مصر، ما تركأثراً إيجابياً لدى الجمهور. ودفع ذلك موقع فايسبوكإلى مشاركة سلسلة التقارير الخاصة بالحملة ونشرهاكي تصل إلى المستخدمين الذين يبرز لديهم ميل الى التطرف.
وساهم تسليط الضوء على مبادرة هناء وسامح في منح مساحة للعاملين على قضايا تعزيز التنوع لإيصال الصوت إلى المجتمع. وحقق خرقاً في جدار الانغلاق ومحاربة التنوع الديني.
وأكد صاحب المبادرة سامح ثابت لـ"مهارات ماغازين" أنّ تسليط الضوء على المبادرة وإعطاء مساحة لها رفع الوعي حول أهمية التنوع الديني، الذي يُعتبر مهماً في مصر، حيث يكاد التعليم في القرى يكون ضعيفاً جداً، ويمكن لتوترات طائفية أن تندلع بسبب ازدياد الجهل حول القضية.
ولفت ثابت إلى أنّ المجتمع المصري بحاجة الى نشر فكرة التعايش بين الأديان، لتساهم في تنويرالشباب.وهنا يأتي دور الاعلام المصري الذي تحسّنت تغطيته تدريجياً لهذه القضايا بعد العام 2013. وقال: "نحتاج الى إيصال صوتنا عبر الاعلام لدعم مبادرات مماثلة يحتاجها المجتمع يوماً بعد يوم، في ظل ما نشاهده من تطرف ديني منتشر على صعيد المنطقة العربية".
مع انتهاء حكم الإخوان المسلمين، تحوّل الإعلام تدريجياً الى حيادي، مراعياً عمليات "إرهابية" طالت الجيش والشرطة والأقباط بشكل خاص.
ورأت رضا أنه برغم التحولات التي طرأت على المشهد الاعلامي،لكن في المجمل لم تنشأ منصات إعلامية تركّز على التنوع الديني واحترام الأديان بشكل عام، واحترام الاختلاف بشكل خاص، مع نشر المعرفة والثقافة الدينية المعتدلة.
في سياق متصل، أشار مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان جمال عيد لـ"مهارات ماغازين" الى أن الإعلام المصري بات بمجمله إعلام الرأي الواحد والكلمة الواحدة والخبر الواحد،بعدما سيطرت الدولة فعلياً عليه عبر "الشراء والتملك" أو عبر الرقابة والأوامر. وبات يحذو حذو الموقف الرسمي المحافظ والمزايد على الاسلاميين.
ويقتصر ما تبقّى عملياً خارج السيطرة عملياً على شبكات التواصل الاجتماعي بدرجة كبيرة والمجموعات الشبابية والحقوقية التي يُعدّ دفاعها عن الحريات الدينية وسط هذا الواقع القمعي، شجاعة كبيرة ومحفوفة بالمخاطر.
قنوات متخصصة
وشهدت فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين بين 2012 و2013، وفق ما أوضح الباحث والكاتب في صحيفة الأهرام باسل يسري لـ "مهارات ماغازين"، تزايداً مضطرداً في أعداد القنوات الدينية الإسلامية مثل "الناس"، "الحافظ" و"الرحمة"، فضلاً عن قناتي "الندى" و"أمجاد" التابعتين للتيار السلفي، وقد تمّ إغلاق أغلبها في العام 2014.
قابل فترة حكم الإخوان المسلمين، وفق يسري، ظهور قنوات مسيحية تبثّ من خارج مصر، خصوصاًمن الولايات المتحدة الأميركية. وتزامن ذلك مع شيوعفكرة وجود الأقليات، إلا أنّ تأثيرها بقي محدوداً وسط حالة الفوضىالإعلامية، ولم تحتلّ حيزاً ذات أولوية لدى الجمهور المصري، مقارنة مع بقية القضايا الاقتصادية والأمنية.
يبثّ اليوم عدد من القنوات الدينية المتخصصة في تناول القرآن الكريم وبرامج تتناول الاسلام المعتدل، غالباً ما يشرف عليها أساتذة في العلوم اللغوية والإسلامية وفقهاء من الأزهر الشريف مثل قناة "مصر قرآن كريم". كما توجد قنوات دينية مسيحية مثل "Mesat"وهي تابعة للكاتدرائية المرقسية في القاهرة. لكنّ توجهها ليس دينياً فقط،إذ تبثّ برامج اجتماعية وسياسية أيضاً.
وتخضع جميع القنوات العاملة في مصر للقانون رقم 180 لسنة 2018. وينصّ على عدم السماح للشركات وبالقطع القنوات ممارسة عملها من خارج مدينة الانتاج الإعلامي،الا بتصاريح من المجلس الاعلى للإعلام. وجاء هذا القانون لمواجهة بعض القنوات الدينية التي تدار وتبث برامجها من وحدات سكنية خاصة لا تلتزم بالمعايير الإعلامية المهنية، وقد تم استغلالها في الترويج لجماعات الإسلام السياسي بعد العام 2011.
تحديات
تواجه الاعلام الديني تحديات كثيرة، أبرزها استغلال بعض المؤسسات الخاصة ذات التوجه المتشدد هذا الملف لإحداث بلبلة اجتماعية وحقن طائفي والحض على الكراهية، بحسب رضا. كما أنّ ضعف الثقافة الدينية لدى الصحافي ذاته قد يساعد على نشر معلومات مغلوطة تؤدي الى تعزيز الصورة النمطية والأفكار المسبقة حول بعض الأديان.
وقالت رضا "يحتاج الإعلامي أو الصحافي المصري إلى أن يكون على معرفة جيدة بالأديان الموجودة وطوائفها والطقوس والعادات التي تتبعها، وهذا تقريباً غير موجود". وأضافت "لذلك، ثمّة حاجة الى تدريب الصحافيين لاكتساب المزيد من المعرفة والمهارات المرتبطة بالتنوع الديني والطائف، مع التأكيد على أهمية المصداقية في التغطية مع المهنية والنزاهة في العمل".
كما أنّ ثمّة مشكلة لدى الإعلام في التحضير لتغطية القضايا الدينية، على الرغم من أبعادها وتأثيراتها الحساسة، خصوصاً في ظل الالتباس الحاصل بين حرية الرأي والتعبير وبثّ خطاب الكراهية.
خارطة التنوع
يشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان في خارطة التنوع المصرية، أي ما يوازي 90 في المئة من السكان، بينما يشكل المسيحيون نحو10 في المئة، ينتمي قرابة 90 في المئة منهم إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ويشكل أتباع الطوائف المسيحية الأخرى أقل من 2 بالمئة من مجمل عدد السكان، بما يشمل الطوائف الأنغليكانية/الأسقفية والبروتستانتية الأخرى والكنيسة الرسولية الأرمنية والكنيسة الكاثوليكية (الأرمنية، والكلدانية، والملكية والمارونية، واللاتينية، والسريانية)، والأرثوذكسية (اليونانية والسريانية).
ويُقدّر عدد المسلمين الشيعة بنحو 1 في المئة من السكان، بينا يقدر ممثلو البهائيين حجم طائفتهم بما يتراوح بين ألف وألفي شخص، إضافة الى وجود أعداد قليلة جداً من مسلمي البهرة الداودية والمسلمين الأحمديين.
وأوضح عيد أن مصر، كغيرها من الدول التي تعاني من حكم شبه عسكري، تواجه تكبيلاً للحريات مقروناً بتضييق على حرية المعتقد والحريات الدينية. ويزيد الوضع سوءاً حين تقدم الدولة نفسها "حامية للأخلاق والدين"، فتلقي القبض على المختلفين أو المطالبين بالحريات الدينية والشخصية، على غرار القبض على فتيات وسيدات ارتدوا ملابس "تراها الدولة غير ملائمة" أو رقصن في مقاطع فيديو تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، وهن منأطلقت عليهن تسمية فتيات "التيك توك"، أو القبض على المدون القرآني رضا عبد الرحمن.
التنوّع الديني في التشريعات
وتقتصر التصنيفات على المواطنين المسلمين أو المسيحيين أو اليهود. ومنذ صدور أمر قضائي عام 2009، يتم تعريف البهائيين باستخدام شَرطة. وتعود لوزير الداخلية سلطة إصدار لوائح تنفيذية تحدّد البيانات التي يجب وضعها على البطاقة.
لا يحظر الدستور ولا القوانين المدنية أو الجزائية الارتداد عن الإسلام ولا يحظر جهود التبشير. وينص القانون على أنه يمكن للأفراد تغيير دينهم. ومع ذلك، تعترف الحكومة بالتحوّل إلى الإسلام ولكن ليس من الإسلام إلى أي دين آخر. في حكم صادر في عام 2008 بشأن دعوى قضائية ضد الحكومة لعدم الاعتراف بتحول مسلم إلى المسيحية، قضت المحكمة الإدارية لصالح الحكومة التي تؤكد واجبها في "حماية النظام العام من جريمة الردّة عن الإسلام".
في السياق، تحدّث عيد عن فجوة كبيرة بين ما تنص عليه القوانين والتشريعات المصرية، وبين ما يجري على أرض الواقع. فالحكومة والمشرّع المصري يبرعان في سنّ تشريعات نصوصها جيدة، لكنها تفتقر إلى إرادة سياسية لتطبيقها.
على سبيل المثال، يسمح قانون الأحوال المدنية بتغيير الديانة، دون تحديد الديانة التي ستتغير. على أرض الواقع، يتم الاحتفاء بأي مواطن مسيحي يغيّر ديانته للإسلام، لكن إذا أراد مسلم التحوّل إلى المسيحية، فقد يتم القبض عليه بزعم " ازدراء الأديان". وشهدت المحاكم خلال العشرين سنة الماضية حالة وحيدة لمواطن مسلم أراد التحوّل إلى المسيحية، رفضت المحكمة طلبه وجرى التشهير به.
يحدد الدستور المصري في مادته الثانية الإسلام على أنه دين الدولة، وتُعدّ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ينصّ الدستور على أن "حرية الاعتقاد مطلقة" و"حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأتباع الديانات الإبراهيمية حق ينظمه القانون". ويحظر الدستور التمييز على أساس الدين ويعتبر "التحريض على الكراهية" جريمة. ويصف حرية الاعتقاد بأنها مطلقة.
ويحدّ الدستور من حرية ممارسة الشعائر الدينية وإنشاء أماكن عبادة لأتباع الديانات الإسلامية، والمسيحية، واليهودية. ويحظر ممارسة النشاط السياسي أو تشكيل الأحزاب السياسية على أساس ديني.وينص على أن الأزهر هو "المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية" وهو مسؤول عن نشر الإسلام والعقيدة الإسلامية واللغة العربية في البلاد وفي جميع أنحاء العالم. يُنتخب الإمام الأكبر من قبل هيئة كبار علماء الأزهر ويتمّ تعيينه رسمياً من قبل الرئيس لمدى الحياة، من دون أن يمتلك سلطة إقالته. وفي حين ينصّ الدستور على أن الأزهر مؤسّسة مستقلة، إلا أنّ الحكومة مطالبة بحكم الدستور بأن توفر له "اعتمادات مالية كافية لتحقيق أغراضه"، وقد بلغت مخصصات ميزانيته من الحكومةحوالى 16 مليار جنيه مصري (مليار دولار).
كما ينصّ الدستور في مادته الثالثة على أن مبادئ شرائع اليهود والمسيحيين تشكل أساس التشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية. ويخضع الأفراد لمجموعات مختلفة من قوانين الأحوال الشخصية (فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث، إلخ)، اعتمادًا على تصنيفهم الديني الرسمي. وتصدر وزارة الداخلية بطاقات هوية وطنية تشمل التصنيفات الدينية الرسمية.