"انضمام الى جماعة ارهابية"، "تمويل أجنبي"، و"اساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي". تتكرر هذه التهم ضد الصحافيين والناشطين على امتداد رقعة المنطقة العربية، وتنتج عنها احكاماً بالسجن باتت تنذر بتقلّص مساحة الفضاء المدني عربياً.
يشير تقييم مرصد سيفيكاس (شبكة دولية لتعزيز عمل المجتمع المدني) الى تصنيف البحرين ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية وسوريا واليمن والإمارات العربية المتحدة على أنها بلاد "مغلقة"، مما يشير الى أن الفضاء المدني ليس مقبولاً قانونياً أو بالممارسة. وتُقَابل محاولات تحدّي هذا الإغلاق باتخاذ تدابير قمعيّة للغاية من جانب الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية.
ثمة ثلاث دول أخرى، وهي العراق وقطر وعمان، يصنف فيها الفضاء المدني بأنه "قمعي"، وهذا يعني أن هناك نافذة للنشاط الحقوقي، إلا أنها تخضع للتدابير القمعية ذاتها في البلدان "المغلقة".
ويصنف الفضاء المدني في كل من الكويت ولبنان والأردن على أنه "معرقل"، حيث يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تعمل، إلا أن المجتمع المدني يواجه مجموعة من القيود القانونية والعملية.
وتختلف التهم من بلد الى آخر تبعاً للقوانين القمعية المفعّلة تجاه الناشطين والصحافيين ومؤسسات المجتمع المدني للحدّ من حرية التعبير وانتقاد عمل السلطات والحكومات العربية.
العراق
في بعض الاحيان، يفضّل أهالي الناشطين ان توجه لأبنائهم تهم قانونية، لكن الواقع هناك يبدو اكثر سواداً مع عمليات الاختطاف والقتل المتكررة في الاشهر الاخيرة تجاه الناشطين والصحافيين، لا سيما بعد تظاهرات اكتوبر/تشرين الاول 2019.
يؤكد الصحافي محمد المؤمن لـ"مهارات ماغازين" ان أسوء التهم التي توجه الى الصحافيين والناشطين هي تهم التخوين والعمل وفق أجندات خارجية، والتشهير في حال توجيه انتقاد احد الاحزاب او الجهات السياسية او المسؤولين. حيث، يمكن ان تعطي هذه التهم المسوغ لإختطاف الناشط او قتله أمام منزله، في ظل تفشي ظاهرة الافلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم في كثير من الاحيان.
ويشير المؤمن الى ان اقتراح قانون جرائم المعلوماتية الذي يناقشه البرلمان العراقي حالياً، يختصر التهم التي توجه الى الناشطين والصحافيين، ويتضمن القانون تهمتين رئيسيتين، التهمة الاولى تتمثل في نشر معلومات تمسّ بأمن البلاد او اقتصادها، والتهمة الاخرى هي تهمة التخابر مع الخارج. وهي تهم فضفاضة.
البحرين
تتعدد الذرائع التي يُستهدف بموجبها الناشطون والصحافيون في البحرين. لكن أبرز التهم التي توجه لهم ترتبط بـ"نشر أخبار كاذبة واساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".
يشير المستشار القانوني لمنظمة "سلام" إبراهيم سرحان لـ"مهارات ماغازين" الى ان أبرز مثال على هذه التهمة استدعاء التحقيقات الجنائية البحرينية في يناير/كانون الثاني 2020، الباحث والمحقق التاريخي جاسم حسين بعد نشره معلومات تاريخيه عن بعض مساجد البحرين القديمة على مدونته "سنوات الجريش"، وقد تم اتهامه بـ"نشر معلومات مغلوطة".
كما تم إيقاف المحامي عبدالله هاشم اسبوعاً على ذمة التحقيق في مايو/ايار 2019 بعد أن وجهت له تهمة إذاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
في حين، وجهت وزارة الداخلية البحرينية تهماً للناشط الحقوقي سيد يوسف المحافظة والناشط السياسي حسن عبد النبي الستري بإدارة حسابات على منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" تهدف الى إثارة الفتنة ومحاولة تهديد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي وزعزعة الأمن والاستقرار في البحرين.
مصر
لا تختلف مصر كثيراً عن البحرين بالنسبة لإستخدام تهمة "اساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي" لتكميم افواه الصحافيين والناشطين، لكن تُضاف الى هذه التهم مجموعة من التهم الخطيرة، والتي يتم استخدامها بشكل متكرر في الفترة الاخيرة.
تؤكد نائبة رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان روضة احمد لـ"مهارات ماغازين" أن نيابة أمن الدولة باتت هي المتخصصة في توجيه التهم الى الناشطين في الفترة الاخيرة، موضحة ان أبرز التهم المستخدمة هي "الانضمام الى جماعة ارهابية"، ولا يقال من هي الجماعة الارهابية، لافتة الى انها التهمة هي التي وجهت أخيراً الى أفراد من "المبادرة المصرية"، وتم اعتقالهم على اثرها.
إضافة الى ذلك، تستخدم تهمة "التمويل الاجنبي" والتي اتهم فيها عدد من منظمات المجتمع المدني المصرية وفق ما يعرف بالقضية 173. والقضية لا زالت مفتوحة حتى الآن وتسببت بعدة عقوبات على نشطاء حقوق الانسان مثل منع السفر.
كذلك، هناك تهم اخرى كالتجمهر واساءة استخدام مواقع التواصل واتهم بها كل من الناشطين علاء عبد الفتاح ووائل عباس.
ليبيا
في بنغازي أيضًا قامت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في الحكومة الليبية الموازية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، وهي مجموعة دينية محسوبة على التيار المدخلي المتشدد، بالتحريض على تجمع "تاناروت للإبداع الليبي"، وهو مؤسسة مجتمع مدني مهتمة بدعم المبدعين الليبيين، وقدمت الهيئة شكاوى كيديّة حول أنشطة "تاناروت" وأعضائه، حيث قالت أنهم يقومون بنشر الماسونية والمسيحية والإلحاد، الأمر الذي أدى إلى استدعائهم للتحقيق، وإقفال التجمع.
في طرابلس (المنطقة الغربية)، الأمر يختلف كثيرًا، فمعركة الصحافيين، والنشطاء ليست مع الجهات الحكومية بحسب عثمان، إنما مع المليشيات الخارجة عن سلطة الحكومة، أو المتوغلة في مفاصلها، وتنوعت التهم،اضافة الى الجاسوسية والمثلية الجنسية، هنا كالتعامل مع منظمات دولية مشبوهة. وقد تعرض الصحافي والناشط الحقوقي رضا فحيل البوم، للقبض في مطار طرابلس، وغيب قصريًا لمدة شهر، وتم ايجاد تهمة له تعتبر مستغربة في الوسط الصحافي الليبي، وهي ممارسة العمل الصحافي دون ترخيص، رغم كونه يحمل بطاقة النقابة التي توقفت منذ سنوات، وكافة الوثائق التي تثبت تعامله مع جهات صحافية رسمية في البلاد.
كذلك، هناك تهم اخرى تستخدم ضد الناشطين والصحافيين منها تلقي أموال من منظمات دولية دون إذن الدولة، وعادة ما يقوم ضباط التحقيق في الجهات الأمنية سواء المسيطر عليها من المليشيات، أو التابعة للجهات الرسمية، باستخدام مواد في القانون الليبي مخالفة للإعلان الدستوري، والمواثيق الدولية، وهي قوانين قامعة لحرية التعبير وتكوين الجمعيات، بغية إسكات أصوات الصحافيين والنشطاء.
عدة ذرائع يتم استخدامها لتضييق الفضاء المدني وحرية التعبير في ليبيا، أبرزها تهم الجاسوسية والمثلية الجنسية. حيث أكد رئيس المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية "LIFIJ" جلال عثمان لـ "مهارات ماغازين" ان المثلية الجنسية والجاسوسية أهم تهمتين يتعرض لها الصحافي أو الناشط المدني، وهدفها القتل المعنوي، والإقصاء عن ممارسة أي عمل صحافي أو مدني.
على سبيل المثال لا الحصر، تكررت في مناطق شرق ليبيا محاكمة الصحافيين أمام المحاكم العسكرية، آخر ضحية كانت المصور الصحافي عبد السلام التركي، المقبوض عليه منذ منتصف ايلول/سبتمبر 2020 بتهمة الجاسوسية والخيانة، وذلك لإرسال مادة صحافية إلى مؤسسة إعلامية أجنبية، وقبله المصور الصحافي صلاح الزوي.
ولفت عثمان الى ان اغرب ذريعة وحكم قضائي على صحافي ليبي منذ تأسيس دولة ليبيا الحديثة، كان الحكم على المصور الصحافي إسماعيل أبوزريبة الزوي بالسحن 15 سنة من قبل محكمة عسكرية بمدينة بنغازي بتهمة دعم الإرهاب والمجموعات الإرهابية والتواصل مع قنوات فضائية تتهمها سلطات القيادة العامة في شرق ليبيا بدعم الإرهاب في اب/ اغسطس 2020.
الجزائر
في الجزائر تتكرر التهم الشائعة في البلدان العربية الاخرى وان بشكل أوسع، حيث توجه السلطات الجزائرية للصحافيين تهم فضفاضة مثل "التمويل الاجنبي"، و"تغطية نشاط من دون ترخيص"، و"اضعاف مؤسسات الدولة"، و"التحريض على التجمهر".
وتهدف هذه التهم للتضييق بشكل أكبر على الصحافيين والناشطين، لا سيما في الفترات التي أعقبت الحراك الجزائري في العام 2019.
وبالرغم من أن الدستور الجزائري ينص على عدم وجود عقوبات سجنية تجاه الصحافيين، الا ان السلطات الجزائرية حاكمت الصحافي خالد درارني، المسجون منذ مارس/آذار 2020 بتهمتَي "المساس بسلامة وحدة الوطن" و"الدعوة إلى التجمهر غير القانوني"، وحكم درارني بالسجن لمدة سنتين مع غرامة مالية.
المغرب
بالرغم من ان قانون الصحافة المغربي لسنة 2016 ينص على أنّ جرائم الصحافة لا تستوجب عقوبات سجنية، لكنّ أسلوب المغرب يتمثل في توجيه مجموعة من التهم الجنائية للصحافيين. حيث استخدمت تهمة تهديد أمن الدولة الخارجي مع الصحافي عمر الراضي، واستخدمت تهمة عدم التبليغ عن تهديد أمني بحق الصحافي حميد المهدوي.
وقد سجنت السلطات المغربية الراضي في يوليو/تموز 2020، بعد استجوابه 12 مرة طيلة أربعة أسابيع بتهمة تهديد أمن الدولة الخارجي عبر ربط صلات مع عملاء أجانب، وتهديد أمن الدولة الداخلي عبر استلام أموال، بالإضافة إلى الاغتصاب. وتبدو مراكمة الاتهامات المتباينة، واقترانها بحملة تشهير صادرة عن وسائل إعلام مقربة من أجهزة الأمن المغربية، تجعل محاكمة الراضي وكأنها محاولة لإسكاته وتخويف الآخرين.
وقد دأبت السلطات المغربية على استهداف الراضي، الذي حقق في مواضيع ساخنة مثل الاستيلاء على الأراضي وفساد الدولة. وفي يونيو/حزيران 2020، أفادت "منظمة العفو الدولية" بأنّ هاتف الراضي اختُرق ببرمجية التجسّس "بيغاسوس"، غير أن السلطات نفت تورطها في الأمر.
الاردن
تستخدم السلطات الاردنية عدة قوانين لمواجهة الناشطين والحقوقيين في الاردن أبرزها قانون منع الإرهاب، وقانون العقوبات، وقانون منع الجرائم الإلكترونية، وتتوجه للعديد منهم تهم، أبرزها: تقويض نظام الحكم، وإطالة اللسان، وإثارة النعرات الإقليمية، بسبب هتافات في الشارع، أو انتقادات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، يعاني الصحافيون الاردنيون منذ مطلع عام 2020 من توقيف عدد منهم في قضايا متعلقة بالنشر، أبرزهم الصحافي باسل العكور، والمدير العام لقناة "رؤيا" فارس الصايغ، ومدير الأخبار فيها محمد الخالدي، وناشر موقع "عمان جو" شادي سمحان، ورئيس تحرير وكالة الشريط الإخباري حسن صفيرة، والكاتب وليد حسني، ورسام الكاريكاتير عماد حجاج.
وازدادت وتيرة توقيف الصحافيين والإعلاميين بعد إعلان العمل بقانون الدفاع في 17 مارس/آذار الماضي بسبب أزمة فيروس كورونا، والذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة تصل إلى تعطيل القوانين، ووضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة وإلقاء القبض وتفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات.
اليمن
الذارئع المستخدمة في اليمن ضد الصحافيين والناشطين تصل عقوبتها الى حد الاعدام، والتهم ترتبط بـ"الخيانة والتجسس لصالح دول اجنبية".
في 11 ابريل/نيسان 2020، حكمت "المحكمة الجزائية المتخصصة"، التي يديرها الحوثيون في صنعاء، على أربعة صحافيين يمنيين بالإعدام وهم عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري بعد محاكمة جائرة بتهم ذات دوافع سياسية.
وقالت باحثة اليمن في "هيومن رايتس ووتش"أفراح ناصر ان "سلطات الحوثيين تستخدم محاكم مشكوك فيها لمعاقبة الصحافيين على قيامهم بعملهم، ما يضيف إلى سجل الانتهاكات المريع للجماعة المسلحة". وتضيف: "ما كان يجب اعتقال هؤلاء الصحافيين أصلا، ناهيك عن مواجهتهم عقوبة الإعدام".
لبنان
وهو حق اساسي لبلورة النقاش العام في مجتمع ديموقراطي يحفظ للجميع الحق في المشاركة السياسية وحرية ابداء الراي والحق في التجمع والتظاهر السلمي. وبالتالي فان المنظومة الاجرائية في الملاحقة تسلب الناشطين والصحافيين حقوقاً اساسية وتعرضهم للخطر والاعتداء وتخدم مصالح الفئة الحاكمة والمستأثرة بالسلطة.
وشددت "مهارات" على انه "من الضروري اعادة النظر بالمنظومة القانونية الجزائية التي يتم تطبيقها على ما يتعلق بالنشر بهدف الوصول الى قانون لا يجرم التعبير ويلغي كافة الاصول الجزائية لاسيما التوقيف الاحتياطي ويلغي عقوبة الحبس في كل ما يتعلق بالتعبير والاكتفاء بالتعويضات المدنية".
في لبنان يتم اقتياد الصحافيين والناشطين بسبب تعبيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والضابطة العدلية للتحقيق معهم بدعاوى قدح وذم، وأقيمت أغلبها من قبل سياسيين أو أحزاب سياسية. وقد أكد تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ان هناك 4000 تحقيق بهذه التهم منذ العام 2015.
كذلك، استخدمت تهمة "تحقير رئيس الجمهورية" أيضا في استدعاء الناشطين ومحاكمتهم.
يشير تقرير مؤسسة مهارات في الذكرى السنوية الاولى لثورة اكتوبر/تشرين الاول 2019 الى ان "ان الملاحقة الجزائية في قضايا الرأي لا تتناسب مع طبيعة هذا الحق الاساسي الذي يكفله الدستور اللبناني.