أقرّ قانون حق الوصول إلى المعلومات في السودان عام 2015، وإضافة إلى أهمية القانون بتعزيز الشفافية وكونه حجر أساس في مكافحة الفساد، يعتبر القانون أحد التزامات السودان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصّت في المادة 19 على الحق في تلقي المعلومات والأفكار.
ولكن، بدا من الواضح معاناة الصحافيين السودانيين في إطار الوصول إلى المعلومات وتعرّضهم للكثير من التحديات التي تحول دون وصولهم إلى المعلومة والتحقق من دقّتها ومصادرها.
وقد ازداد الأمر حدّة مع دخول السودان فترة النزاع والحرب، والتي أثّرت بشكل كبير على عمل الصحافيين بشكل عام وعلى الوصول للمعلومات بشكل خاص نتيجة لازدياد نسبة القمع و الإهانات والتهديدات من قبل أطراف الصراع وطرد الصحافيين من أماكن الحدث، إضافة إلى انتشار المعلومات المضلّلة والشائعات بشكل كبير.
مسار قانون حق الوصول إلى المعلومات
أما سكرتير العون القانوني في نقابة الصحافيين السودانيين طارق عثمان، فيشير في مقابلة مع "مهارات ماغازين" إلى أن قانون حق الوصول الى المعلومات في السودان لا يعدو عن كونه نوع من أنواع "الديكور"، فرغم النصوص الدستورية الواضحة إلا أن الحكومات المتعاقبة ظلت تمارس عدم الشفافية، وتعمل على تغييب المعلومات عن وسائل الإعلام وعن الرأي العام.
أما الصحافي السوداني عيسى دفع الله، وفي مقابلة مع "مهارات ماغازين"، وصف القانون بالمعيب من حيث الشكل والمضمون فهو يكبّل الصحافيين ويمنعهم من الحصول على المعلومات التي تصنف بمعايير فضفاضة بمسميات الأمن القومي وغيرها.
وبالرغم من أنّ الحكومة المدنية بعد ثورة كانون الأول 2018 عملت على إصدار مشاريع قوانين خاصة بقطاع الإعلام من بينها قانون حق الحصول على المعلومات، لكن لم يتمّ إقرارها بسبب البطء الذي لازم عمل الحكومة، لذلك بقي قانون حق الوصول إلى المعلومات القديم (الصادر في 2015) هو القانون النافذ حتى اليوم.
وقد اعتبر المحامي علي عبدالرحمن خليل في ورقة مفصّلة له تحت عنوان "هل يعتبر قانون حق الحصول على المعلومات للعام 2015 خطوة للأمام؟"، أن القانون مجرد عملية تجميلية هدفها الوحيد هو إظهار سجلات الحكومة السودانية المتعلقة بقضايا الشفافية والمحاسبية بصورة جيدة.
تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيُد بالحدود الجغرافية"، وقد التزمت السودان بهذا الالتزام بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويعتبر قانون حق الوصول إلى المعلومات في والذي أقرّ عام 2015 الأول من نوعه في السودان، على الرغم من أنّ المادة 39 من الدستور الانتقالي السوداني للعام 2005 أقرّت بحق الوصول إلى المعلومة ونشرها.
في هذا الإطار تقول الصحافية السودانية وفاق التجاني في مقابلة مع "مهارات ماغازين" إنّ النظام شرّع في العام 2015 قانون حق الحصول على المعلومة بطريقة تحمي مصالح السلطة ووضع عدد من الاشتراطات للحصول على المعلومات.
وتضيف التجاني أنّه وحتى بعد الثورة التي حصلت في كانون الأول 2018، لا يزال القانون الذي أقرّ في العام 2015 هو المطبّق على الرغم من أنه صمّم ليحمي السلطة.
القانون: تحدّ بحدّ ذاته
وتضيف التجاني أنّ القانون يشترط في عملية الحصول على المعلومات أن لا تسبّب هذه المعلومات إخلال بالنظام العام والسلامة والأخلاق، معتبرة أنها فقرة فضفاضة تفتح بابا أمام السلطة لسلب المواطنين والصحافيين حقّهم في الوصول إلى المعلومات.
وقد اعتبر الصحافي السوداني عيسى دفع الله، أنّ "هذه المعلومات المحظورة "فضفاضة" والمشرّع لم يفسرها بصورة واضحة حتى تفهم في السياق الصحيح ولكن من الواضح أنه تعمد وضعها في موضع غموض حتى يتسنّى للسلطة ملاحقة الصحافيين تحت دعاوى الأمن القومي وانتهاك السيادة الوطنية والتخابر وغيرها".
يطرح قانون حق الوصول إلى المعلومات في السودان العديد من الإشكاليات والتحديات التي تشكّل عائقا أمام وصول الصحافيين إلى المعلومات.
يحتوي القانون على 8 فصول، واللافت هو أنواع المعلومات الكثيرة التي لا يسمح بالحصول عليها، إذ يحتوي القانون على 12 نوعا من المعلومات التي يُحظر المواطنون من الوصول إليها، والتي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وتُوضح لغة هذه المواد غموضا قد يطرح الشكوك أمام النوايا خلفها.
في هذا الإطار تقول وفاق التجاني أنّ القانون استثنى أنواعا عديدة من المعلومات التي لا يمكن للصحافيين والباحثين الخوض فيها مما يوسع ويحمي بؤرة الفساد في هذا النظام.
رسوم مالية لطلب المعلومات
من ناحية أخرى، نصّ قانون حق الوصول إلى المعلومات في الفصل السابع على الموارد المالية لمفوّضية الوصول الى المعلومات ومن ضمن هذه الموارد هي "ما تحصل عليه من أموال نتيجة خدماتها التي تؤديها"، الأمر الذي يشكّل عائقا أمام الصحافيين للوصول الى المعلومات.
وتشير الصحافية السودانية وفاق التجاني إلى أنّه من المعروف أن الصحافيين يعيشون اوضاعا مادية سيئة، وهم ضمن الفئة التي تتقاضى الحد الادنى للأجور، حتى على مستوى المؤسسات، وهذا كله يصب في حملة التضييق على الصحافيين، ومنعهم من ملاحقة المعلومات خاصة التي تتورط فيها الدولة ومنسوبيها بتهم فساد مثلا.
وقد وصف دفع الله مسألة الرسوم بأنّها أحد "المتاريس" التي يتم وضعها أمام الصحافيين لعدم تمكينهم من الحصول على المعلومات لأن الانظمة القمعية تعمل على السيطرة على كل المعلومات وعدم تمليكها للرأي العام
إضافة إلى التضييق الذي يفرضه القانون من النواحي المذكورة، يواجه الصحافيون السودانيون عددا من التحديات الأخرى المتمثّلة بالقمع الممارس من النظام السابق خصوصا والذي وصل إلى الضرب والاعتقال والملاحقات القانونية، بحسب ما أفادت به التجاني.
ويشير سكرتير العون القانوني في نقابة الصحافيين السودانيين طارق عثمان، إلى أن البلاد تعاني من عدم استقرار سياسي منذ أكثر من 4 سنوات الأمر الذي خلق تحديات كبيرة في عملية الوصول إلى المعلومات.
كما أنّ تعداد مراكز اتخاذ القرار في الدولة خلق حالة من الضبابية والتناقض في تدفق المعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية، وهو ما ضاعف العبء على الصحافيين الذين يسعون بشكل أو بآخر للحصول على المعلومات من مصادر مجهولة تهدّد مصداقيتهم.
أما لناحية المؤسسات العامة، يقول الصحافي عيسى دفع الله: "هناك عقبات تضعها المؤسسات أمام الصحافيين بحجب المعلومات عنهم بدعاوى السرية والأمن القومي إلى جانب لوائح داخلية لدى بعضها تمنع موظفيها الإدلاء بأي أرقام أو إحصائيات للصحافيين حتى العاملين في القطاع الصحي".
الحرب تعيق التطبيق
وقد اقتصرت عملية الوصول إلى المعلومات على دائرة علاقات الصحافي مع مختلف أطراف الصراع بسبب الفوضوية الحاصلة وفرض قيود عسكرية في مناطق السيطرة. وقد سمحت هذه الظروف لأطراف الصراع بإخفاء التجاوزات التي تتم في نطاقاتهم والسماح فقط بنقل الجانب المضيء الذي يخدم أغراضهم، بحسب الصحافي عيسى دفع الله.
إذا وبحسب ما أفاد به عثمان، أعدمت الحرب هامش حرية الصحافة، وغاب القانون مع غياب الدولة كما غابت المعلومة، في ظل حرب إعلامية اختلط فيها حابل الحرب النفسية مع نابل انعدام الحقيقة، وأصبحت مهمة الصحافي في الحصول على المعلومة أكثر خطورة وهو ما جعل أكثر من نصف الحقيقة بشأن الحرب الدائرة الآن غائبة وبعيدة عن الإعلام والصحافة.
مع بدء الصراع العسكري في السودان في 15 نيسان 2023، وتصاعد التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ازدادت التحديات أمام الصحافيين السودانيين خلال عملهم وسعيهم للحصول على المعلومات.
وقد أصبح وضع الحصول على المعلومة بعد الحرب أمرا في غاية التعقيد، ليصبح الصحافي في خطر كبير متعرّضا للضرب والإهانة والطرد من موقع الحدث من قبل أطراف الصراع، فضلا عن التهديدات الالكترونية والترهيب، بحسب ما أفادت به الصحافية وفاق التجاني.
وتضيف التجاني أنّ المنصات النشطة التي تعمل أثناء الحرب لضخ المعلومات المغلوطة والشائعات، زادت معاناة الصحافيين في إيصال المعلومات الصحيحة.
في هذا الإطار، يشير سكرتير العون القانوني في نقابة الصحافيين السودانيين طارق عثمان أنّ غياب المعلومات الدقيقة خلال الحرب خلق بيئة خصبة لانتشار المعلومات الكاذبة لا سيما مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي كعامل مهم في تشكيل الرأي العام.
الانترنت يعرقل المهمة
على مستوى التواصل، برز تحد كبير تمثّل بصعوبة تواصل فريق مهارات ماغازين مع الصحافيين في السودان عبر تطبيق "واتساب" بهدف إجراء مقابلات معهم نتيجة لسوء خدمة الإنترنت التي كانت في معظم الأحيان مقطوعة.
وقد أشار سكرتير العون القانوني في نقابة الصحافيين طارق عثمان إلى أنّ قطع خدمة الإنترنت هو أسلوب عملت عليه السلطات السودانية منذ عام 2019، واستمرت باعتماد هذا الأسلوب بشكل متكرر لاسيما خلال التظاهرات.
وبعد اندلاع حرب 15 نيسان 2023، تعطّلت خدمات الإنترنت، الأمر الذي ضاعف معاناة الصحافيين في الحصول على المعلومات، إذ ترافق الأمر أيضا مع انقطاع شبكات الاتصال الهاتفي ما أسهم في تغييب المعلومة وأدخل الصحافيين في تحد أكثر تعقيدا.
أما لناحية المؤسسات الإعلامية، تقول وفاق التجاني أنّ كافة قنوات الأخبار تأخذ معلوماتها اليوم من البيانات أو خدمة المواطن الصحافي (مواطنون يقومون بتصوير الحدث).
على الرغم من التحديات القانونية التي يعاني منها الجسم الصحافي في السودان في عملية الحصول على المعلومات، والتحديات الميدانية التي ازدادت حدّتها مع حالة الحرب التي تعيشها السودان اليوم والتي أسهمت بقطع سبل المعلومات، يحاول الصحافيون السودانيون المواجهة في سبيل محاولة إيصال ما أمكن من معلومات صحيحة للرأي العام.