"صوت واحد من بين كل خمسة أصوات في الأخبار لصالح المرأة، وأقل من 20 في المئة هي النسبة المئوية لتمثيل المرأة في المحتوى الإخباري".
هذه الارقام التي اشارت اليها ميرا عبدلله مديرة التواصل لـ"برنامج النساء في الاخبار" في منظمة Wan IFRA تعكس واقع حضور المرأة الضعيف في الاعلام.
لا بد من تناول هذا الحضور الاعلامي، من خلال شقين. الاول حضور المرأة على مستوى صناعة القرار في وسائل الاعلام. أما الشق الثاني فيكمن في حضور قضايا المرأة في المحتوى الاخباري.
يمكن أن تتواجد المرأة في جميع مراحل انتاج المحتوى في المؤسسات الاعلامية، لكن هذا الحضور يقل او يختفي على مستوى صناعة القرار، بالرغم من ان منح النساء أدوار قيادية في صناعة الإعلام العربي، يمكن أن يساهم في تطوير الوعي داخل هذه المؤسسات ويقدم دفعاً قوياً لوجودها في المحتوى الاخباري.
أما في المحتوى الاخباري، فتكمن المشكلة الحقيقية ليس فقط في غياب المرأة بشكل عام عن اجندة وسائل الاعلام العربية أو في التركيز على صورة نمطية للمرأة، ولكن في غياب أي صور اخرى لها. فصورة المرأة العاملة في المهن التخصصية المختلفة، وواقع المرأة المكافحة في الريف وأطراف المدن، وما تعانيه من فقر وتهميش والعمل في بيئة صعبة من أجل توفير قوت أسرتها، نادراً ما تظهر في وسائل الإعلام.
هذا الواقع يبرز ضرورة العمل مع وسائل الإعلام لتحدي التنميط المجتمعي للمرأة، واعطائها ما تستحق على مستوى صنع القرار او في المحتوى الاخباري.
حضور خادع
شهدت المنطقة العربية تدريبات كثيرة حول المرأة والاعلام، ما قد حقّق تحسناً ملحوظاً في مضمون التغطية الاعلامية، وهو ما تؤكده المراصد على المستوى العربي والعالمي، التي تدرس المضمون الاعلامي من منظار النوع الجندري.
بالرغم من ذلك، بقيت بعض الشوائب التي تتصل بمواضيع حساسة، لا يزال تأثير المجتمع عليها كبير جدا،بحسب رئيسة مجلس دعم الصحافة التونسي اعتدال المجبري، مثل قضايا الشرف، والامهات العازبات، والولادة خارج السياق القانوني.
وتوضح المجبري في حديث لـ"مهارات ماغازين" انه عندما تكون هناك قضايا محمّلة بالمخزون الثقافي وبكل الأحكام الموجودة في المجتمع، نجد تحفّظاً ومقاومة في التغطية الاعلامية لملفات مشابهة، لأن الاعلام هو مرآة هذا المجتمع. وتضيف المجبري: "لم نصل بعد الى معالجة المواضيع بشكل معمق، مثل موضوع وصول المرأة الى مواقع القرار"، موضحة ان الاعلام "يبسّط طرحه من خلال الأرقام من دون النظر الى المنظومة، التي تحول دون وصول المرأة الى مواقع القرار، لاسيما التعمق في المسار الثقافي وتنوعاته على المرأة".
ويتضمن المشهد الاعلامي تأنيثاً لناحية الأداء الاعلامي للصحافيات، اللواتي نجدهن في طليعة المشهد الاعلامي. لكن عندما ننظر الى مستوى القرار الاعلامي ووجود المرأة في المواقع الاعلامية التي تعزز دورها القيادي،فلا نجدها هناك. ويلخص الواقع بانه في الاعلام "القرار مذكر والمشهد مؤنث".
وتشير مجبري الى ان المدخل الاساسي لتعزيز قيادة المرأة في قطاع الاعلام، سيكون عبر وصولها الى مراكز القيادة في النقابات المهنية، وكذلك في مجالس ادارة المؤسسات الاعلامية وفي المراكز القيادية لمجالس التحرير في غرف الاخبار.
دور نقابي أقل من الطموح
لايكاد دور النقابات في رفع تمثيل المرأة في وسائل الاعلام وعلى مستوى صناعة القرار، يُذكر،لا سيما ان الكثير من النقابات في البلدان العربية تفتقد في مجالسها الى حضور المرأة على هذا المستوى القيادي.
ويعتبر عضو مجلس نقابة الصحافة المصرية هشام يونس في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان دعم تمثيل المرأة الصحافية للوصول الى مراكز صناعة القرار في المؤسسات الاعلامية غائب عن النقابة في مصر، والانشغال اليوم يدور حول قضايا اخرى.
ويؤكد يونس ان واقع تمثيل المرأة يبرز في عدم وجود أي صحافية في مجلس النقابة، كما ان عدد رئيسات التحرير في الصحف القومية والمؤسسات المرئية والمسموعة قليل جدا.
في لبنان تعتبر عضوة نقابة المحررين يمنى غريّب ان وجود الصحافيات في مراكز صناعة القرار في المؤسسات الاعلامية يخضع لاعتبارات عدة منها تبعية وسائل الاعلام لجهات سياسية. لكن، بالرغم من ذلك ترى غريّب المرأة الصحافية متواجدة بقوة في وسائل الاعلام ولها دور مؤثر، ولا حاجة للنقابة لدعم وجودها.
أما تمييز الاعلام في قضايا المرأة وسطحية التناول، فالموروثات الاجتماعية تعلب دوراً مؤثراً في التعاطي مع هذا الاتجاه، وبالتالي لا يمكن تحميل النقابة والاعلام اي دور في ذلك.
وتشرح عضوة مجلس نقابة الصحافة الاردنية هديل غبون لـ"مهارات ماغازين" ان حضور المرأة الصحافية مغيب عن مراكز صناعة القرار في الاعلام، حتى ان حضور المرأة في مجلس نقابة الصحافة حضر فقط في المجلس الحالي المنتخب عام 2017، حيث لم تتواجد اي امرأة منذ تأسيس النقابة في خمسينيات القرن الماضي. كما لا توجد أي نصوص ملزمة حتى في هيكل النقابة تنصّ على تمثيل المرأة على مستوى اللجان النقابية. ولم يسبق لصحافية ان ترشحت لمنصب نقيب الصحافيين.
وتعتبر غبون ان دور النقابة في دعم وصول المرأة الى مراكز القرار في الاعلام اقل من الطموح، وهو مثبت على مستوى التشريعات والانظمة والسياسات الاعلامية. وتضيف غبون: "لا توجد اي مبادرات من النقابة لإلزام المؤسسات الاعلامية بمراعاة التوازن الجندري وتوزيع المناصب القيادية، حيث ان تمثيل المرأة أقل من 10 في المئة في مراكز صناعة القرار، ولا يتجاوز 25 في المئة على مستوى نقابة الصحافيين، وهي نسبة متواضعة جدا".
وتشير غبون الى ان النقابة كان يجب عليها العمل على تعزيز البيئة الحاضنة للمرأة في مجال الاعلام، وتقديم مبادرات تلزم المؤسسات الاعلامية بترقية واختيار النساء في المراكز القيادية.
لا يختلف وضع حضور المرأة على مستوى صناعة القرار الاعلامي في تونس عن باقي البلدان العربية.وتفسر نائبة رئيس نقابة الصحافة التونسية أميرة محمد ضعف حضور المرأة على هذ المستوى القيادي في الاعلام، قائلة إن المشكلة في المسؤول الاول في المؤسسات الاعلامية وفي العقلية الذكورية، وليس في كفاءة الصحافية"حيث تتواجد المرأة في المؤسسات الاعلامية الخاصة في كل مراحل انتاج المحتوى الصحافي، لكن تختفي على مستوى صنع القرار".
وتلفت محمد الى ان مجلس النقابة الحالي لم يكمل ستة اشهر من العمل، وبالرغم من ذلك "ثمة توجه للعمل مع المؤسسات الاعلامية لايجاد نوع من المواثيق التي تدعم التوازن الجندري، ورفع عدد النساء في مراكز صناعة القرار في هذه المؤسسات، لبلوغ المساواة الحقيقية، لكن ذلك يحتاج الى إرادة من اصحاب المؤسسات الاعلامية".
وتوضح محمد ان المشكلة ذاتها تبرز بشأن التعاطي الإعلامي مع قضايا المرأة، حيث يتم طرح قضايا النساء بشكل سطحي، كضحايا فقط، ولا يتم ابراز الانجازات التي تحققها النساء. كما ان ذكر قضايا المرأة يأتي في المناسبات الخاصة كـ"يوم المرأة العالمي" أو "يوم المرأة التونسية" في 13 اب/أغسطس، وهذا شيء مخجل جدا.
برامج رفع القدرات
واقع حضور المرأة الضعيف على مستوى صناعة القرار في المؤسسات الاعلامية وفي المحتوى الاخباري، دفع العديد من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الاعلام لزيادة الجهود بهدف تحسين هذا الواقع.
وتشيرمديرة التواصل في المنطقة العربية لـ"برنامج النساء في الاخبار" في منظمة Wan IFRA ميرا عبدالله في حديث لـ"مهارات ماغازين" ان برنامج "النساء في الاخبار" يهدف الى زيادة تمثيل المرأة على مستوى صناعة القرار في المؤسسات الاعلامية، وفي المحتوى الاخباري، موضحة ان الامرين مترابطان ذلك ان "وجود المرأة في مراكز صناعة القرار سيؤدي حتما الى زيادة تمثيلها في المحتوى الاخباري".
يقدم البرنامج الذي بدأ في المنطقة العربية في عام 2016، أداة لقياس التوازن الجندري بالمحتوى الاعلامي. وبذل البرنامج جهوداً على صعيد تمثيل أفضل للمرأة على مستوى صناعة القرار الاعلامي من خلال تدريب قدمه للصحافيات على إدارة وسائل الاعلام.
يتضمن هذا النوع من التدريبات رفع قدرات الصحافيات على ادارة الموارد البشرية، والتسويق، والدعاية، والتخطيط، والعمل في بيئة اعلامية متغيّرة، وتحديث صناعة الاعلام.
وحصلت على هذه التدريبات 250 صحافية حتى الان، حيث أكدت 74 في المئة منهن على الاستفادة من تنمية قدراتهن القيادية، و25 في المئة منهن حصلن على ترقيات خلال أول 6 اشهر في مجال العمل.
في السياق، عرضتسكرتيرة التحرير في جريدة "الرأي" الأردنية غدير السعدي تجربتها ضمن البرنامج، فأكدت ان تدريبات رفع القدرات في مجال ادارة المؤسسات مهم لانها كانت تفتقد الى الخبرات في هذا المجال. ولفتت السعدي الى ان "ما تم تدريبنا عليه من تقنيات ومهارات اعلامية ساهم في تطوير عملنا الصحافي، لانها في صلب هذا العمل، وهذا ما دفعني اليوم الى انشاء مشروعي الصحافي الخاص بي".
كذلك، عرضت الصحافية إيناس كمال الحائزة على جائزة نقابة الصحافة المصرية عن موضوعات متعلقة بالمرأة والقضايا الاجتماعية، تجربتها ضمن البرنامج. وقالت كمال لـ"مهارات ماغازين" ان برنامج "نساء في الاخبار" كان مختلفاً في تقديمه تدريبات تطور المهارات القيادية لدى الصحافيات، وليس المهارات الصحافية المتعارف عليها من كتابة خبر او اعداد تقرير مصور فقط. كما قدم البرنامج مساعدة للصحافيات من خلال مدربين صحافيين في مجال تقديم النصيحة على مستوى العمل في المؤسسات الصحافية.
مقاربة الاعلام الجديد
تبدو مقاربة الاعلام الجديد مختلفة لقضايا المرأة والتغطية الحساسة للجندر في الكثير من البلدان العربية. وهو ما تؤكده عبدالله، وتشرح ان العمل مع المؤسسات الاعلامية الناشئة والمستقلة "أسهل بكثير لجهة اقتناع هذه المؤسسات بضرورة وجود توازن جندري بين موظفيها، وتغطية قضايا المرأة من زاوية حقوقية". وبالتالي، فإن العمل يركز على تطوير القدرات والسياسيات الجندرية في هذه المؤسسات.
أما في المؤسسات الاعلامية التقليدية، فهناك مرحلة أولى تتلخص في إقناع القائمين على هذه المؤسسات بضرورة وجود توازن جندري على جميع المستويات، ومنها حضور المرأة على مستوى صناعة القرار الاعلامي داخل هذه المؤسسات.
وفي السياق، تؤكد المجبري ان وجود مشاريع اعلامية ناشئة مختلفة عن الميديا التقليدية ساهم طبعا في امكانية طرح قضايا المرأة بشكل جريء، تتضمن وجهة نظر مدافعة عن المرأة، ولاسيما لناحية الموروثات الثقافية، ويعود ذلك ربما الى ان مؤسسي هذه المشاريع هم من خلفية حقوقية.
ولعل هذا يقودنا الى ضرورة الحديث عن أهمية دور الإعلام الجديد ومساحات الحرية التي أتاحها للمدافعين عن حقوق الإنسان بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة. فقد أدى الإعلام الجديد إلى مناقشة الكثير من المسكوت عنه، مما يبرهن على أن هناك خطاباً موازياً في أهميته للخطاب الرسمي، وتناول جريء لقضايا المرأة ذات الطابع الحقوقي.