"كنا نعيش مرتاحين ولم نكن نرغب بـمغادرة اليمن، هذه هي بلادنا، ولكن شاءت الظروف ان نهجرها، ولو كانت العودة في أيدينا كنا سنرجع لها" عبارة قالها يوسف إبراهيم سالم (45 عاما) وهو أحد يهود اليمن الذين هاجروا مع أسرهم الى الخارج.
كان ابراهيم يعمل في إحدى محلات الفضة وسط صنعاء القديمة، وقبل خمس سنوات أجبر على الهجرة مع أسرته، مع عدد من اليهود الذين أجبرتهم جماعة أنصار الله على الهجرة، وبحوزتهم مخطوطة من أقدم نسخ التوراة، يزيد عمرها عن ستمائة عام.
وبعد خمس سنوات من الهجرة يقول يوسف بأنه مازال يشعر بالحنين لليمن مثله مثل بقية اليهود اليمنيين المهاجرين إلى اسرائيل.
ويعتبر اليمن من أقدم الدول الحاضنة لليهود مع أنه ليس هناك اية وثائق تاريخية تحدد طبيعة التواجد اليهودي في اليمن، فتضاربت الروايات بين اعتناق أحد ملوكها "التبابعة" لليهودية، وروايات أخرى تقول إنهم من بقايا القبائل اليمنية التي اعتنقت اليهودية مع الملكة بلقيس التي حكمت اليمن في القرن الحادي عشر قبل الميلاد.
ومع اندلاع الحرب بين الحكومة الشرعية والحوثيين في منتصف عام 2004 تم استئناف نشاط الهجرات الجماعية الصغيرة لليهود اليمنيين، وكان آخرها في عام 2016 بعد سيطرة الحوثيبن على صنعاء حيث قاموا بطرد أكثر من 70 يهوديًا من منطقة السالم في صعدة، وهم آخر من تبقى من أتباع هذه الديانة في اليمن.
وقال الباحث اليمني في شؤون الأقلية اليهودية حسن عبيد بأن "اليهود اليمنيون جزء اساسي من مكونات المجتمع اليمني، ويعتبرون من اليمنيين الأصليين فقد كانت اليهودية ديانة جزء واسع من المجتمع اليمني قديمًا إلى جانب ديانات محلية مختلفة".
تاريخ الهجرة
تقلصت أعداد اليهود في اليمن كثيرًا خاصة بعد قيام إسرائيل، وهجرة أكثر من خمسين ألف يهودي في رحلات متعددة.
في السياق، قال الباحث في شؤون الأقلية اليهودية يوسف توبي: "بدأت هجرات يهود اليمن بشكل متقطع، وبنسب قليلة ومعظمها سرية، والقليل منها كانت معلنة وكانت الهجرات في ذلك الوقت بسبب بداية النشاط اليهودي في العالم."
وأضاف توبي: أن الهجرات في اليمن كانت عبر ضغوطات خارجية وأن أكبر عملية هجرة حدثت تحت ما يسمى بعملية بساط الريح بعد قيام إسرائيل عام "1948 " وكان ذلك عبر ميناء عدن.
وذكرت دراسة سياسية اجتماعية حول يهود اليمن للباحثة الدكتورة كاميليا أبو جبل ان عملية التهجير التي استهدفت اليهود في اليمن كانت على ثلاث مراحل، في المرحلة الاولى غادرت بين العام1911 وعام 1919 رحلتان حملت 5734 يهوديا يمنيا، وشكلت هذه الرحلات المرحلة الأولى 6.7 من إجمالي عدد اليهود في اليمن البالغ عددهم 57 الفا. وفي المرحلة الثانية التي كانت بين 1923-1945 وصل عدد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل إلى 7200 يهوديا.
وبعد قيام اسرائيل عام 1948 غادر حوالي 4500 يهوديا يمنيا، ثم توالت الهجرات بشكل متسارع، وسميت إحدى هذه الهجرات بين عامي 1949 - 1950 بعملية "البساط السحري"، وهي أكبر هجرات اليهود من اليمن، حيث غادر اليمن خلال عام واحد 32832 يهوديا.
وكانت المرحلة الثالثة في عام 2016 بعد مرور عامين من اندلاع الحرب في اليمن والتي أجبر فيها الحوثيون ما تبقى من اليهود على الهجرة وقاموا بترحيل نحو 70 يهوديًا.
تدمير المعابد
في ظل الصراع الذي يعيشه اليمن كان ما تبقى من اليهود يشعرون بالخوف من ممارسة طقوسهم الدينية تقول زرا هزاع، وهي يهودية يمنية مهاجرة: "لم نستطع التخفي بسبب شكل إخوتي وشكل الزنانير المتدلية عند الاذنين. كنا نشعر بأن هناك مخاطرة بخروجنا إلى الحي، فالكل يهاجر من اليمن، والحي الذي نعيش فيه لم يعد ينفع للعيش دون ممارسة طقوسنا الدينية بحرية".
وكان اليهود اليمنيون يمارسون شعائرهم الدينية في المعابد قديما بحرية تامة، حيث وصل عدد الكُنس الى 19 كَنيس في صنعاء وصعدة واب، أما حديثًا فيتم ممارستها في المنازل بعد تدمير المعابد اليهودية بسبب المضايقات والانتهاكات التي قامت بها جماعتا تنظيم القاعدة والحوثيين.
تصاعد الانتهاكات
الاضطهاد والانتهاكات التي طالت اليهود لا تدل او تثبت ان هناك حربا نشأت تاريخيا بين اليهود وباقي اليمنيين، بل ان هذا الاضطهاد قامت به بعض أنظمة اليمن الحاكمة في فترات سياسية مختلفة، وغالبا تكون هذه الاسباب ذات ابعاد مختلفة ليس لها علاقة مباشرة بالمجتمع اليمني.
في بداية الحرب وسيطرة الحوثيين بشكل كلي على صنعاء، انقطعت المساعدات المالية وتضاعف خطاب العنف والتحريض والكراهية وتمت مصادرة ممتلكات المواطنين، وبدأت عمليات الاعتقالات التعسفية، كل ذلك ساهم في تأهب بقية اليهود للمغادرة وفي ظل عدم وجود منظمات او جهات تهتم بشؤون هذه الاقلية، ايضا رغبت إسرائيل في استقطاب وعودة اليهود "للأرض الموعودة" بحسب قولهم.
التعايش المجتمعي
بدا ان هذا الإحساس متبادل، حيث عبّر الكثير من السكان في اليمن عن أسفهم لرحيل اليهود، كونهم مواطنون يمنيون، لا يختلفون عنهم بشيء سوى بديانتهم.
وكان يهود اليمن يتمتعون بالحماية لحياتهم وممتلكاهم مقابل دفعهم الجزية، كما تمتعوا بحرية ممارسة طقوسهم الدينية وحرية العيش والتنقل والتملك في ارجاء اليمن، وتوفرت لهم حرية ممارسة اي مهنة، مما ساعدهم ذلك في تحسين اوضاعهم المعيشية، وبرز من بينهم مجموعة من كبار التجار عملوا في الاستيراد والتصدير.
كما ساهمت الطائفة اليهودية في التراث الثقافي اليمني كونها جزء لا يتجزأ من اليمن فظهر منهم الشعراء والفلاسفة، وحتى بعد مغادرتهم اليمن ظل اليهود محتفظين بالفلكلور الغنائي وما زالوا يرددون الاغنية اليمنية.
وعاش اليهود في جميع انحاء اليمن كغيرهم من المواطنين دون استثناء، ففي صنعاء مثلا سكنوا في منطقه قاع اليهود وكان لهم 21 حارة، كما سكنوا أيضا في منطقة اب وفي منطقة جبلة.
وفي عدن سكنوا في منطقة كريتر والشيخ عثمان. وفي منطقة حضرموت كان يوجد 700 يهوديا تحديدا في منطقة حبان. كما عاشوا ايضا في صعدة وتعز والحديدة وذمار ومأرب ورداع ويريم وعمران وزبيد والمخا والخوخة والبيضاء.
المجتمع اليمني كان متعايشًا مع الأقلية اليهودية، وكان ذلك يمنحهم الأمان والإصرار على البقاء طيلة السنوات الماضية، رغم أنه كان لديهم فرصة المغادرة إلى إسرائيل.
تقول اليهودية اليمنية المهاجرة ايدن صامويل حول علاقتهم باليمنيين: "علاقتنا كانت دافئة جدا وجيدة مع المجتمع، لم نرتكب او يرتكبوا اية مشاكل، على العكس كانوا يحموننا في أكثر الاوقات".
واضافت صامويل: "صحيح، كنا ندفع الجزية ولكن هذا لم يؤثر على علاقتنا وقد سمعنا عن ارض فلسطين والارض الموعودة، ولم يشكل لنا أي دافع للهجرة كنا نعيش حياة جميلة في اليمن وموضوع هجرتنا يتعلق فقط بايدلوجية دينية رسمتها لنا حكومة اسرائيل". وتشير صامويل بقولها: " في اليمن كل مساء كنا نأكل جميعنا نغني بفرح، لم يكن الوضع سيئا للغاية هناك، لقد أحببنا جيراننا، وحين غادرنا بكوا علينا". واختتمت صامويل حديثها بتمني العودة لزيارة اليمن، "نحن هنا في المهجر نقلنا اليمن بشكل مصغر ما زلنا نحتفظ بالعادات والطقوس واللبس التراثي والاكل اليمني."
ما تبقى من اليهود
يشير بعض الباحثين في اليمن انه لم يتبق في اليمن سوى بضع افراد من اليهود، وعددهم 6 رفضوا مغادرة اليمن، قيل انهم اما أسلموا او ان البعض يمارس طقوسه بشكل خفي.
وتظهر في اليمن بعض الملامح في القرى والمعالم الأثرية تدل على حضور التراث اليهودي مثل قبة "الشبزي اليهودي" في تعز، إضافة الى قرية "عثار" في منطقة ريدة، وبعض القبور الشاهدة على وجود علمائها وحاخاماتها، إضافة إلى منطقة "قاع اليهود"، التي اصبحت معلم تاريخي، حيث تظهر علامة "نجمة داود" على معظم بيوتها القديمة.