|
النقابات الصحافية في العالم العربي: عجز وإنقسامات تغيّب التمثيل الصحيح

النقابات الصحافية في العالم العربي: عجز وإنقسامات تغيّب التمثيل الصحيح

النقابات الصحافية في العالم العربي: عجز وإنقسامات تغيّب التمثيل الصحيح

تختلف البلدان العربية وتتنوع قوانينها الإعلامية، إلا أن سمة الغياب وعدم الفعالية هي التي تطبع أدوار معظم نقابات الصحافة العربية، الأمر الذي يجعل العديد من الصحافيين العرب لا يشعرون بالانتماء لنقابات الصحافة في بلدانهم. 

وتعود أسباب هذا الشعور إلى العديد من التحديات التي يعاني منها الصحافيين في الدول العربية ومنها عدم قيام النقابات بلعب أي أدوار جدية لحمايتهم على المستوى الأمني والمادي والإجتماعي، خاصة في البلدان التي تشهد صراعات سياسية حيث يجد الصحافي نفسه معرضًا للتوقيف والإعتقال دون وجود جهة تحميه.  

 كما يعاني العديد من الصحافيين من قضية عدم الاعتراف بهم من قبل النقابة وإغلاق باب الإنتساب أمامهم وتحديدًا للعاملين ضمن منصات "الإعلام البديل" والصحافة الالكترونية مما يجعلهم ممارسين للمهنة بصفة "غير قانونية" مع ما يحمله هذا الأمر من معوقات وتضييقات قد يتعرضون لها.

 

عدم التمثيل نتيجة لغياب الأدوار

على الرغم من وجود النقابات الصحافية في دول العالم العربي وشمال أفريقيا ولعبها لدور أساسي في تسهيل عمل الصحافيين وتأمين الحماية اللازمة في ظل النزاعات السياسية العربية، لا يزال الصحافيون يفتقرون للتمثيل الفعلي والدعم القانوني والعملي الضروريين خلال مزاولتهم لمهنة الصحافة، وتأتي هذه الاستنتاجات وفقًا لعدد من المقابلات قامت بها "مهارات ماغازين" مع عدد من الصحافيين والصحافيات في عدة دول عربية استطلعت بها آرائهم عن الوضع الحالي لنقابات الصحافة، أدوارها في بلدانهم، ومدى شعورهم بأنها تمثلهم خصوصًا في ظل التحديات الراهنة.

 

في الجزائر يمر الجسم النقابي المستقل بصعوبات عديدة وهذا ما أكده الصحافي سليم بو زيدي شارحًا لـ "مهارات ماغازين" أن التشريعات الإعلامية في الجزائر لم تساعد على أن يكون للصحافيين جسم نقابي مستقل للدفاع عن حقوقهم وهذا ما جعل الممارسة النقابية في قطاع الإعلام ضعيفة جدا بعكس الممارسة النقابية المستقلة مثلا في قطاع التربية والتعليم أو الصحة. 

ويعاني غالبية الصحافيين في الجزائر من ظروف صعبة جدًا لناحية سلم الأجور والتأمينات الاجتماعية والتقاعد، والمشاكل على مستوى المحاكم بالعشرات بالنسبة للصحافيين الذين ليس لديهم عقود أو تأمينات ويتم تسريحهم بشكل تعسفي وفي غالبية الحالات ليست النقابات هي من تقوم بالتحرك لمعالجة هذه المشاكل وإنما مفتشية العمل وهي جهة ادارية رسمية، أو أن هذه القضايا تذهب إلى المحاكم لإسترجاع الحقوق.

ويشير بوزيدي إلى عدم إمكانية الحديث في هذه الفترة على وجود جسم نقابي مستقل قوي في الجزائر كونه "متواجد فقط في نقابة واحدة وهي المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين وهذه النقابة تكاد تكون هشة وضعيفة جدًا وحتى التمثيل والعضوية فيها لا تتم بشكل محترف وواضح".

 

في فلسطين يعتبر الصحافي ثائر نصار أن النقابة لا تمثل الصحافيين بشكل لائق وكامل ومجدي، لأنها لا تقوم بالحد الأدنى من النشاطات التي تعود بالفائدة على الصحافيين، أو تحاول تغيير واقع الصحافة في فلسطين أو القوانين التي تتعلق بالصحافة وتنظيم المهنة ومستوى الأجور والانتهاكات ..الخ.

وتعاني النقابة العديد من التحديات أبرزها قضية التمثيل، فآخرانتخابات حقيقية كانت في العام ٢٠١٢، ودون مشاركة قطاع غزة، وهذا اكبر تحدي لها.

ومن التحديات التي يواجهها الصحافيين بحسب نصار هي عدم قيام النقابة بإجراءات حقيقية يستفيد منها الصحافي على مستوى العائد المالي، أو القوانين التي تحكم عمل الصحافيين، وعلاقتهم بالمؤسسات المشغلة والسلطة، فنقابة الصحفيين الفلسطينيين تقوم فقط بردات فعل عند اعتقال صحافي او فصله، وبيانات شجب وتعيين محامين للدفاع وكلها أمور شكلية، ولم تقم إلى اليوم بمحاولة فرض أجندة الصحافيين على المشرع وأصحاب رأس المال.

في الأردن الوضع أكثر تعقيدًا فلا تزال القوانين والتشريعات تعيق العلاقة السليمة بين الصحافي والنقابة، ويشترط قانون الإنتساب لنقابة الصحافيين على الصحافي أن يتفرغ للعمل في مؤسسة صحفية أو إعلامية مرخصة في الأردن، وبهذه الشروط أصبح عدد كبير من الصحافيين في الأردن والذين يعملون بصفة صحافي حر "Freelance"  يمارسون مهنتهم بشكل غير قانوني.

وتقول الصحافية الأردنية ياسمين العمري "من المجحف أننا نحن كخريجي كليات الإعلام لا يحق لنا الإنتساب والحصول على عضوية من النقابة ، فقانون النقابة لا يواكب روح العصر. فاليوم ثلث الصحافيين في الأردن يمارسون مهنة الصحافة بشكل غير قانوني (دخلاء المهنة)ممن يطلقون على أنفسهم صحافيين والنقابة تدرك بأنهم مخالفون وغالبا لا يتم اتخاذ أي إجراء بحقهم" .

أما في ليبيا لا يزال الانقسام الحاصل سياسيًا منسحب على عدة قطاعات ومنها الصحافة الليبية التي وجدت نفسها منقسمة لنقابتين واحدة في الشرق والأخرى في الغرب.

ولا يوجد في ليبيا بحسب الصحافي إسلام الأطرش نقابة حقيقة لحماية الصحافيين، فهم يتعرضون بشكل شبه يومي للعنف بأشكاله المختلفة من اللفظي الى الجسدي.

ولفت إسلام أن "رغم هذا يتحدى هؤلاء الصحافيين المكافحين الصعاب ليؤدوا العمل بالشكل المطلوب ولكننا اليوم بحاجة لقانون ينظم العمل الصحافي في ليبيا ويحمي الصحافيات والصحافيين من هذه الاعتداءات وليس لنقابات تتبع حكومات بعينها".

 

في لبنان هناك نقابتان: الأولى هي نقابة المحررين التي تمثل الصحافيين والأخرى نقابة الصحافيين التي تمثل أصحاب الصحف. ويقول الصحافي كارل حداد من منصة نقد لـ "مهارات ماغازين": "نقابة الصحافة لا تمثلني لأن النقابة تعتبر المنصات المتواجدة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تمتهن الصحافة ولا تعترف بنا.

وأكد حداد: "عندما يكون هناك انتهاكات تمارس على الصحافيين ويتم استدعائهم للقضاء من جهات غير مخولة بذلك الاستدعاء بينما يجب أن يتم هذا الأمر أمام محكمة المطبوعات، نرى النقابة غائبة ولا تدعم الصحافيين ولا تواكب تحركاتهم على الأرض، في المقابل نرى كيف أن نقابة الصحافة البديلة متواجدة وحاضرة لدعم الصحافي وحمايته".

 

في اليمن أرخى الوضع السياسي والأمني القائم على النقابة وإمكانية لعبها لأدوار إيجابية تجاه الصحافيين، مما جعلها عاجزة وأفقدها صفتها التمثيلية.

وبحسب الصحافي اليمني نجم الدين قاسم، فإن النقابة لا تتعاون مع الصحافيين المستقلين وهي تمثل وتتعاون فقط مع من هم منتسبين إليها ولا يوجد تغييرات ومداورة في نقابة الصحافيين اليمنيين كما هو شأن الكثير من المؤسسات في اليمن.

وأفاد قاسم: " إن النقابة في اليمن مسلوبة القرار وليس لديها ايّة أدوار حاليا وهي فقط تقوم بإصدار بيانات الإدانة والشجب لما يتعرض له الصحافيين، و قبل أيام توفى الزميل مفيد الغيلاني في القاهرة وكان بحاجة لدفع تكاليف المستشفى ولكن النقابة لم تقدم له اي شيء، فقط اكتفت ببيان نعي عند وفاته.

 

 

 

في العراق لا يزال الصحافيون يعانون العديد من التحديات خاصة الأمنية منها ولقد حل العراق عام 2022 الخامس عالميا في مؤشر الإفلات من العقاب ضد الجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين في ظل غياب لأدوار جديّة من قبل نقابة الصحافيين.

وأشار الصحافي أسعد زلزلي أن نقابة الصحافة العراقية لا تمثله لأنها لا تلعب أدوارها بشكل جيد والصحافي العراقي يعاني من تحديات كثيرة وكبيرة ليست للنقابة أي دور في حلها بل على العكس وقفت تشاهد العشرات من الصحافيين يقتلون ويغيبون ويخطفون ويقمعون. والنقابة ليس لديها مواقف جدية وحقيقية للدفاع عن الصحافيين وحمايتهم وتضم أشخاص ليسوا حتى صحافيين.

 ويضيف "حتى عند مراجعة النقابة فإن لقاء النقيب للصحافيين من أجل طرح المشاكل أشبه بلقاء رئيس الجمهورية بينما أبواب النقيب مشرعة للسياسيين والنواب والقادة الامنيين والمتنفذين. نحن نحتاج لتصحيح وايجاد قوانين منظمة ومنصفة للصحافيين في بلد هو من بين الأخطر عالميا على حياة الصحافيين".

دور فعاّل لنقابة المغرب

ورغم تشابه الوضع النقابي للصحافة في معظم البلدان العربية لناحية غياب الفعالية، يبقى هناك بعض الاستثناءات، ففي المغرب مثلا يعطي الدستور الحرية في تشكيل النقابات وفق الفصل الثامن من الباب الأول :    

 "تساهم المنظمات النقابية للأجراء والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها وفي النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون".

وتؤكد الصحافية المغربية سكينة الرايس أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تمثل الصحافيين، لأنها تدافع عن الصحافة بالمغرب وعلى العمل الصحفي المبني على قواعد احترام أصول المهنة، فالنقابة التي تأسست في يناير 1963 تشمل أدوارها الدفاع عن المهنة وتكريس حرية الصحافة والرأي ومواجهة التضييقات التي تمارس على الصحافيين، كما أنها تهتم بالجوانب المادية ذات الصلة بالعمل الصحفي، مثل مشاكل النشر والتوزيع وتحسين شروط إصدار الصحف.

ومن جهتها، تعترف مدونة الشغل بالحق النقابي وتنظمه، حيث تنص على أهمية التمثيل النقابي، وتخصص حيزا هاما من فصولها لهذا الحق، كما تعتبر النقابات المهنية إطارا أساسيا للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها.

الترقب في كل من مصر والسودان

 لذلك فهي لا تستطيع الضغط على المؤسسات الصحافية التي تمارس انتهاك جمة ضد الصحافيين فيما يتعلق بالحقوق المالية والاستغلال وسوء بيئة العمل، بل تحاول بمرونة تصحيح الأوضاع وتحسين البيئة بالتنسيق المشترك.

أما في مصر فالقوانين تصعّب على الصحافي الدخول للنقابة وتشترط عليه أن يكون عاملا في  مؤسسة صحيفة "مكتوبة" حصرًا وليست الكترونية. وبحسب الصحافية رشا الشربيني فإن فوز خالد البلشي بمقعد نقيب الصحفيين مؤخرا "ينعش آمال الصحافيين في مصر"ويعتبرونه "خطوة مباشرة لاسترداد مكانة الصحافة المصرية". وهو الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بتحسين أوضاع الصحافيين.

وكان البلشي قد قال في برنامج تلفزيوني بعيد انتخابه أن الصحافة الإلكترونية تطور مهني لا بد من أن  يتم إدراكه، وبالتالي إذا لم تكن الصحافة الإلكترونية طرفا في نقابة الصحفيين ستفقد الصحافة تطورها وقدرتها في ملاحقة العصر وقال  أنه سيسعى بشكل رئيسي في أن تكون الصحافة الإلكترونية طرفا في نقابة الصحافيين.

لا تزال نقابة الصحافيين في السودان حديثة العهد، وتحاول لعب أدوارها بعد فترة طويلة من الغياب، فلقد انتظر الصحافيون السودانيون ثلاثة عقود لعودة العمل النقابي بعد أن تم حل النقابات المنتخبة في فترة الحكم السابق ومن بينها نقابة الصحافيين السودانيين، الحال الذي تغير مع التحولات السياسية التي شهدها السودان بعد الثورة.

وفي أغسطس 2022، تم تنظيم انتخابات لنقابة الصحافيين السودانيين لأول مرة منذ 33 عاما، وأعلنت لجنة الانتخابات يوم 27 أغسطس فوز المرشح عبدالمنعم أبو إدريس نقيبا للصحافيين.

وفي السياق أشار الصحافي حيدر عبدو أن نقابة الصحافيين السودانيين تمثله وأن دور النقابة جيد الى حد ما فيما يتعلق بتوطيد علاقتها مع منتسبيها، وتقديم تدريبات مفيدة حتى الآن. ولكن يبقى هذا الدور محدود التأثير لأنها نقابة طوعية وليست إلزامية