|

الصحافي المستقل: جندي وحيد في ساحة حرب

يشبه الصحافي المستقل جنديا أرسل إلى ساحة قتال ليحارب وحده من دون أي عتاد، من دون أي قيادة عليا تسأل عنه، وعليه أن يعود منتصرًا متحملًا كل الخسارات، إذ يخضع لسلسلة تحديات تنقسم إلى ثلاثة، مهنية وتقنية وشخصية. 

"أنا أخاف، أخاف خلال عودتي ليلًا بعد تغطية في منطقة نزاع، ليس هناك من أخبره أني عائدة وأني في مكان خطر… نحن فعلًا وحدنا من دون أي جهة تحمينا… غير معروف ما إذا كنا ”معلقين أو مطلقين“ اوعلى الاغلب متروكين "هكذا وصّفت الصحافية المستقلة رولا فرحات لـ"مهارات نيوز"وضع الصحافي المستقل. 

أن تكون في هذه الأيام صحافي ”فريلانسر“ ليس بالأمر السهل خصوصًا في هذه الظروف المادية والاجتماعية والأمنية المضطربة التي تمر بها معظم الدول العربية، فهذا يعني العمل من دون أطر قانونية للحماية المهنية والشخصية!  فما هي التحديات التي يواجهها صحافيو الفريلانس اثناء عملهم وهل من ضمانات لصحتهم وسلامتهم ومدخول يؤمن استقرارهم؟ وماذا عن القوانين التي ترعى عملهم؟

يشبه الصحافي المستقل جنديا أرسل إلى ساحة قتال ليحارب وحده من دون أي عتاد، من دون أي قيادة عليا تسأل عنه، وعليه أن يعود منتصرًا متحملًا كل الخسارات، إذ يخضع لسلسلة تحديات تنقسم إلى ثلاثة، مهنية وتقنية وشخصية. 

لعب تردي البنى التحتية ( كهرباء وانترنت) في عدد من الدول العربية،التي تشهد نزاعات واوضاعا امنية وسياسية واقتصادية صعبة،  في عرقلة عمل الصحافيين المستقلين مما دفعهم للمسارعة - إلى إيجاد حلول لتسوية أوضاعهم على حسابهم الشخصي من دون أن تقدم لهم المؤسسات العاملين لديها أي مساعدات تقنية لتسهيل عملهم "أصبحنا نهرع من مكان إلى آخر فقط لنؤمن مستلزمات متابعة عملنا من كهرباء وانترنت". 

الحلقة الاضعف

كما تسبب إعادة الهيكلة التي تلجأ إليها المؤسسات الاعلامية اليوم بسبب الأوضاع الحالية حول العالم بالتخلي عن الموظف المستقل كخيار اول لها، اذ  يعتبر انه الحلقة الاضعف.  فالمؤسسة لا يمكنها صرف موظف ثابت لأن القانون يفرض عليها شروط معيّنة كإنذار مسبق قبل الفصل بثلاثة أشهر، دفع تعويض نهاية الخدم وتعويض الصرف وهو عبء كبير عليها. أما الفريلانسر فالمؤسسة غير ملزمةبضمانه أو دفع بدائل نهاية خدمة أو صرف وليست مجبرة بحد أدنى للأجور أو سلسلة رتب ورواتب بحيث يمكنها صرفه من دون أي إنذار مسبق أو دفع أي مستحقات.

وتنعدم الضمانات الاجتماعية اثناء الخدمة وعند انتهائها، فليس هناك أي تغطية صحية أو بدل تأمين في حال إصابة الصحافي بكوفيد-19 مثلا، أو التعدي عليه خلال أي تغطية في ساحة نزاع أو تظاهرات أو حرب. فتقع كافة التكاليف الصحية من فاتورة مستشفى وأدوية على عاتق الصحافي. وأشار الصحافي المستقل بشير مصطفى لـ"مهارات نيوز"إلى أن "هناك صحافيين مصورين، طلب منهم أخذ بعض اللقطات من غرف العناية المخصص لكوفيد وبعدها أصيبوا بالفيروس، في هذه الحالة المؤسسة التي استعانت بهم لم تدفع لهم تكاليف علاجهم ولكن اكتفت بدفع أجرتهم مقابل ساعات عملهم". 

ان تأمين ديمومة العمل دائمًا مهددة،فعدم وجود عقد مع الصحافي يجعله في خوف دائم من خسارة مصدر رزقه ويجبره في بعض الأوقات على مسايرة إدارة المؤسسة على حساب قناعاته الشخصية من أجل الاستمرار في العمل. هذه المشكلة تتفاقم في بعض الأحيان عندما يعمل الصحافي لدى مؤسستين بخطين متعارضين مما يشكل صعوبة في التوفيق ما بينهما والحفاظ على مصداقيته مع الجمهور. 

غالبا ما تنعكس الضغوط المالية التي تعيشها المؤسسات الإعلامية على الفريلانس أولًا، فعلى سبيل المثال، في حالة صحافي مبتدئ تعاونت معه جريدة للعمل في أبواب أو ملفات معيّنة واشتدت الأزمة المالية عليها تلجأ الأخيرة إلى فصل الفريلانسر أولًا مما يهدد استقراره المهني وتكون حجتهم "نحن سنغلق هذا الباب مؤقتًا ونأمل أن يجمعنا معك أعمالًا أخرى في المستقبل"، وكأنه فصل غير مباشر أما الموظف الثابت فهو لا يعاني من هذه المشكلة لأنه ينتقل من باب إلى باب آخر ضمن المؤسسة.

بطاقات التعريف الصحافية

بسبب غياب أي قوانين تضمن عمل الصحافي المستقل أو تفرض على المؤسسات حد أدنى لأجورهم، يدفع لهم على القطعة أو وفق ساعات العمل المتفق عليها.  تستغل بعض المؤسسات هؤلاء الصحافيين "بسبب صعوبة الأوضاع،ففي اليمن مثلا، مع تضاؤل الفرص وتوافرعدد كبيرمن الصحافيين للعمل، تستغل المؤسسات هذه الظروف وتعرض مبالغ زهيدة عليهم لا تزيد عن ٣٠ او ٤٠ دولارا. غالبا ما يقبلون بها لحاجتهم الى العمل،وفق الصحافية اليمنية المستقلة مها عون. كما يلفت ساريا إلى مسألة التاخر في دفع المستحقات"في بعض الأحيان تتخلف أو تتأخر المؤسسات لشهور وسنوات عن دفع مستحقات الفريلانس متحججةً بالوضع الاقتصادي والأزمة الداخلية والحرب وغيرها من الأمور".  

أما في لبنان، الوضع ليس أفضل إذ تلجأ المؤسسات للدفع بالليرة اللبنانية ما لا يؤمن للصحافي معيشته أو مصاريفه لإنتاج عمله مما يصعب إيجاد الفرص المناسبة ويدفع الصحافيين للبحث عن فرص مع مؤسسات أجنبية. 

من الجدير ذكره ايضا، ان اغلبية المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية لا توفر أي بطاقات تعريف أو تصريحات للصحافي المستقل خلال عمله على الأرض أو خلال توجهه لجهة معيّنة لطلب معلومات مما يجعلهم مهددين خلال تنفيذ عملهم. 

وبسبب عدم فرض القانون العقود المكتوبة، فيمكن أن تعتمد العقود الشفوية لتحديد شروط العمل واتعابه، ” لهذا قلة قليلة من المؤسسات الإعلامية تلجأ إلى العقود المكتوبة حتى المؤسسات الأجنبية“ وفي هذا السياق يشرح مصطفى، الذي يعمل مع مؤسسة محلية ومؤسسة أجنبية، ان"المؤسسة المحلية التي أعمل لديها أبرمت معي عقدا تضمن العمل الذي سأنجزه والمبلغ الذي سأتلقاه مقابل كل عمل، أما المؤسسة الأجنبية لم تبرم معي أي عقد والمبالغ متفق عليها شفويًا“. وفي الفترة الأخيرة بدأت تبرم عقود ولكن تضمن حق المؤسسة وليس الصحافي وفق ما يوضح الصحافي اليمني المستقل لـ"مهارات نيوز"أصيل ساريا.  

الصحافي ينازع في دول النزاع

يخشى الصحافي المستقل الذي يعمل في دول تشهد حروبًا ونزاعات من التصنيف،وشرحت عون "في حال عمل الصحافي مع مؤسسة لها توجه سياسي معيّن قد يصنف من مؤسسة أخرى على أنه تابع سياسيًا لهذه الجهة، لهذا البحث عن منصة مستقلة لتجنب التصنيف يعتبر أمرًا صعبًا"، وبما أن هذا الصحافي لا يتبع لجهة معيّنة فالحصول على تصاريح صعب واحيانا شبه مستحيل.

وفي العديد من الأحيان يقع هؤلاء الصحافيون ضحية رؤساء التحرير، اذ"قد يرفض رؤساء التحرير عملهم لأنه لا يتوافق مع الخط التحريري للمؤسسة أو لم تعجبهم القصة فيذهب كل تعب هذا الصحافي سدًى بالإضافة إلى الخسارة المادية وخسارة الوقت المبذول لاتمام العمل"كما حصل مع الصحافي أصيل ساريا.

كما قد يتعرض الصحافي المستقل الى الخطف والاعتقال التعسفي او الاتهام بالعمالة لجهة اجنبية  عند معالجة مواضيع تتعارض مع مصالح قوى الامر الواقع أو تتناول مواضيع مصنفة حساسة في البلد.

الفرق بين المؤسسات الأجنبية والمحلية

لا تختلف كثيرًا شروط العمل بين المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية فمعظمها لا تبرم عقودا أوتلتزم بدفع الحد الادنى للأجور أو تضمن الصحافي ولكن  الفرق يتجلى في مهنية العمل. فالمؤسسات المحلية لا تعير الكثير من الاهمية لمهنية العمل بل تطمح إلى تحقيق مشاهدة أعلى أي Rate وحصد جمهور أكبر، أما الجهات العالمية من أهم معاييرها هو العمل المهني عند إنتاج المواد المرئية والمكتوبة والمسموعة.

وتحدد المؤسسات الأجنبية وقت التسليم على خلاف المؤسسات المحليّة، ففي حال عدم تسليم عمل على الوقت المحدد له،يصبح الموضوع مهددا بعدم النشر، وهذا يعتبر مشكلة على الصحافي المستقل. وقال مصطفى "في الكثير من الأوقات تتعمد بعض الشخصيات المحددة للقيام بمقابلة معها، بسبب إلمامها أو ارتباطها الوثيق بالموضوع، إلى التأجيل إلى ما بعد موعد التسليم المحدد. ما يشكل مشكلة كبيرة إذ يلجأ الصحافي في هذه الحالة إلى خطة باء وهي اختيار شخص آخر، معلوماته قد لا تكون مشوقة أو مهمة بقدر الشخصية الأساسية ما يخفف من قيمة وأهمية الموضوع لدى القارئ وذلك بهدف عدم التأخر في نشر الموضوع وخسارة نشره كليًا، وما يترتب على هذه الخسارة من خسارة مادية ومعنوية أيضًا".

لائحة الحد الادنى للحماية

باختصار الصحافي المستقل مهمش إلى أقصى درجة ومتروك لمصيره من دون أي ضمانات صحية ومهنية ومادية. ويعيش في قلق دائم وفي خوف مستمر على خسارة وظيفته وعدم قدرته على تأمين لقمة عيشه. لذلك أصبح من الضروري البدء برفع الصوت لمناشدة الجهات المعنية بسن قوانين تضمن حقوق الصحافي المستقل وتؤمن له بيئة آمنة تمكنه من إنجاز عمله من دون أي تهديد لديمومة عمله وسلامته.   

ما يمكننا استخلاصه من شهادات الصحافيين المستقلين، لائحة تشكل الحد الادنى المطلوب تأمينها لتحصين عملهم، وهي:

  • ضمان مهني وصحي للصحافي أو Insurance نظرًا لوضع صندوق الضمان الاجتماعي، لتغطية أي إصابة أو مرض يتعرض إليه الصحافي خلال عمله. 
  • ضرورة وجود عقود تتضمن:

تحديد تعويض مادي بالحد الأدنى للصحافي شهريًا إضافةً إلى الأجر المتفق عليه وفق عدد الأعمال التي يقوم بها خلال الشهر.

كما يضمن لهم العقد تأمين سلامتهم اثناء تأدية عملهم.

  • أن يتم الاعتراف بهم نقابيًا. 

أن ينظر بوضع الصحافي الفريلانسر الذي يعمل لسنوات ضمن مؤسسة معيّنة وأن يعتبر ضمن المؤسسة وليس منفصلًا عنها، خصوصًا لضمان استقراره في حال تغيرت الإدارة.