|
الجزائر

السلطة تشدّد الخناق على الصحافة - علي أنوزلا

تحتل الجزائر المركز 141 عالميا من بين 180 دولة في تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" حول حرية الصحافة لسنة 2019. وتعتبر المنظمة أن حرية الإعلام في الجزائر تبقى "مهدّدة"، في الوقت الذي "تواصل فيه السلطات تضييق الخناق على الاعلام من خلال دعاوى قضائية ضدّ الصحافيين، ما يجعل الصحافة الجزائرية غير قادرة على الاضطلاع بمهامها تحت الضغط القضائي". ما هو واقع الاعلام الجزائري في ظل الانتفاضة المستمرة للشعب الجزائري؟

ممارسات قمعية

منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الجزائر وثّقت "مراسلون بلا حدود" عدداً مثيراً للقلق من حالات العنف إزاء الصحافيين: اعتقالات، اعتداءات، فرض حظر على التغطيات الإعلامية، مصادرة المواد والضغط على وسائل الإعلام العامة، وتباطؤ شبكة الإنترنت.

ورأت المنظمة، في بيان صادر عنها في 22 شباط (فبراير) 2019،  أن "السلطات الجزائرية تبذل قصارى جهدها لاسكات الصحافيين ووسائل الإعلام الذين يرغبون في الإدلاء بشهاداتهم حول التظاهرات الكبرى التي تهزّ البلاد"، مشيرة إلى  منع العديد من الصحافيين من التغطية، وتعرض بعضهم للاعتداء العنيف على أيدي ضباط الشرطة، واعتقال  آخرين ومصادرة معداتهم.

منظمة "العفو الدولية"، من جهتها، في آخر تقرير لها حول الأوضاع في الجزائر في كانون الأول (ديسمبر) 2019، نددت بما وصفته بـ"مناخ قمع" للحركة الاحتجاجية الشعبية في الجزائر، وتصاعد "عدد التوقيفات العشوائية لناشطين وصحافيين ومحامين ومواطنين عاديين، في انتهاك صارخ للحقوق التي يكفلها الدستور".

كذلك منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في آخر تقريرصادر عنها في 28 كانون الثاني (يناير) 2020، أوردت أن السلطات الجزائرية مازالت تواصل اعتقال ومحاكمة ناشطي "الحراك الشعبي" تعسفيا على رغم وعود الحوار التي أطلقها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.

وقالت المنظمة، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، أن الجزائر اعتقلت عشرات المحتجين السلميين وذلك منذ الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، التي فاز فيها تبون.

وعلّقت المنظمة على استمرار هذه الاعتقالات بالقول أن "وعود الحوار التي أطلقها الرئيس الجديد تفقد مصداقيتها عندما تحبس الناس لمجرد خروجهم إلى الشوارع لاختلافهم معك"، في إشارة إلى "الحوار" الذي اقترحه تبون على الحراك عقب فوزه في الانتخابات.

الصحافة تقاوم لتستمر

امام هذا الواقع المرير لوضع حرية الصحافة في الجزائر، نظّم صحافيون من القطاعين الحكومي والخاص عدة وقفات احتجاجية وسط العاصمة، تنديداً بما وصفوه تعتيم اعلامي وضغوط يتعرضون لها من طرف السلطة.

وقد أٌعلن عن تأسيس نقابة مستقلة للصحافيين في الثاني من أيار (مايو) 2019. ويقول المساهمون في هذه المبادرة بأنها جاءت لتملأ فراغا في المشهد الإعلامي الجزائري و"الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية للصحافيين، وتنظيم القطاع".

ويؤرخ الباحث الجزائري عبد الكريم قلاتي، ظهور الصحافة المستقلة الجزائرية مع بداية التعددية السياسية والإعلامية في العام 1989. وقد تمّ ترسيخ هذه التعددية في الدستور الذي صدر في العام نفسه. ويؤكد قلاتي، في بحثه الصادرعام 2017 في الـ"المجلة العلمية لجامعة الجزائر"، أن من بين أهم خصائص الصحافة المستقلة أن السلطة هي التي أنشأتها وشرعت لظهورها ودعمتها ماديا وتقنيا.

أزمة غير مسبوقة

وبلغ عدد الصحف اليومية في الجزائر منذ إقرار التعددية الإعلامية 140 صحيفة عام 2010، في حين سمحت الحكومة الجزائرية للعديد من القنوات الخاصة بالنشاط على رغم أنه تم إنشاؤها بقوانين أجنبية.

لكن منذ سنوات قليلة تعيش الصحافة المكتوبة في البلاد أزمة غير مسبوقة بعد اتساع دائرة الصحف التي تعاني أزمات مالية مما أدى إلى تقلص عددها إلى 40 صحيفة، غالبيتها موال للسلطة. أما الصحف القليلة الخاصة فهي مهددة بالإغلاق وتسريح صحافييها بفعل تراجع الإعلانات التي توزعها الوكالة الحكومية للنشر والإشهار (الاعلان)، المحتكر الرسمي منذ أكثر من 15 سنة لتوزيع الإعلانات الحكومية، التي تستعملها السلطة كورقة ضغط على الصحف والمؤسسات الإعلامية، كلما حاولت الخروج عن طاعتها. وقد أثر هذا الوضع سلبا في الوضع الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع.

أما القنوات التلفزيونية الخاصة المملوكة لمقربين من الرئيس السابق وحاشيته، والتيرات النور أصلال خدمة النظام ورئيسه منذ العام 1999، فهي اليوم في حالة ارباك، بعدما فقدت مصداقيتها أمام رأي عام غاضب من تقلبات خط تحريرها.

بترول... بطالة... وجيل تواصل

تعتبر الجزائر أكبر بلد افريقي من حيث المساحة، يبلغ عدد سكانها 43 مليون سنة، 62.4 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 35 سنة، ولدوا في عقد التسعينات من القرن الماضي، الذي شهد حربا أهلية طاحنة ما بين الجيش والمتطرفين الإسلاميين، تجاوز ضحاياها أكثر من 200 ألف شخص ما بين قتيل ومفقود. تمثّل عائدات المحروقات من نفط وغاز أكثر من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، ما يجعل البلد يحتل المرتبة 18 من بين الدول المنتجة للذهب الأسود في العالم، لكن ذلك لا يمنع انتشار الفقر في البلد، وتفشّي البطالة خاصة في صفوف الشباب الخريجين. ويبلغ معدل بطالة الشباب الذين ما بين  16-24 عامًا أكثر من  29 في المائة وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني الجزائري.

وحسب بحث ميداني أنجزته مؤسسة "صحوة" ما بين 2014 و2016 حول الشباب في الدول العربية في شمال افريقيا، فإن الشباب الجزائريين مرتبطون بقوة بوسائل التواصل الرقمية. وأظهر البحث أن 56 في المائة من الشباب الجزائريين  يملكون هواتف نقالة، و30 في المائة منهم لديهم جهاز كمبيوتر  محمول، و56 في المائة يتواصلون يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.