|
لبنان

من يحمي صحافيي لبنان خلال أداء مهامهم؟ - رولا فرحات

لعب الاعلاميون دورا مهما في تغطية احتجاجات لبنان، وكانوا في طليعة المؤثرين في توثيق الاحداث على مواقع التواصل الاجتماعي بحسب ما بيّن موقع "احتجاجات لبنان"، ما جعلهم هدفا للاعتداء عليهم وعرضة لمخاطر غير مهيئين لمواجهتها. كيف يرى الصحافيون ظروف عملهم خلال التغطيات الميدانية؟ وأين هو دور الدولة والمؤسسات الاعلامية في ضمان أمن الصحافيين؟

" ما في حدا يحمينا، انت بدك تحمي حالك عالأرض". هكذا تصف رنين إدريس مراسلة "ام تي في" واقع الصحافيين الميدانيين خلال تغطية الاحتجاجات التي تتحوّل في بعض الأحيان إلى عنفيّة بين المتظاهرين والقوى الأمنية.

فمع اندلاع الاحتجاجات في لبنان انتشر المراسلون الصحافيون لوسائل اعلام محلّية وعربية وأجنبية لنقل الاحداث وتغطيتها. كانوا في الخطوط الامامية للمواجهات لتأمين تغطية ميدانية مباشرة على مدار الساعة، الأمر الذي عرضهم لخطر عنف الصدامات بين القوى الامنية والمتظاهرين، وباتوا يعملون في بيئة غير آمنة لعملهم الميداني.

وقد سجلت مؤسسة سمير قصير اكثر من 70 انتهاكا في مجال الصحافة منذ بدء الاحتجاجات في 17 تشرين الاول 2019. وبلغت هذه الاعتداءات ذروتها في منتصف كانون الثاني 2020. ومع استمرار الاحتجاجات تصاعدت حدة الاشتباكات في الشارع، وبدأت قوى الامن تستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين. وبدلا من قيام الأجهزة الأمنية بحماية الصحافيين الذين يقومون بواجبهم المهني، اصبح الصحافيون هدفا للقمع والاعتداء عليهم من قبل قوات مكافحة الشغب ومجموعات متفلتة من المتظاهرين.

كان مصور وكالة "رويترز" عصام عبدالله ضحيّة عنف القوى الأمنية. "ضليت قول انا صحافي مبرزا بطاقتي الصحافية"، يقول عبدالله وهو يروي قصة الاعتداء عليه ليلة 15 كانون الثاني 2020 . فمن تابع تفاصيل الاعتداء على الاعلاميين والناشطين تلك الليلة اثناء تغطيتهم التحركات الاحتجاجية أمام ثكنة الحلو في بيروت، يدرك ان الهدف كان منعهم من نقل التجاوزات التي تحصل في ثكنة الحلو. لم تكتف قوى الامن بالسحل والضرب والتكسير بل اوقفت بعضا من الصحافيين من وسائل اعلامية متعددة.

هل الدولة تحمي الصحافيين؟

كان اللافت أن قبل أسابيع قليلة من اعتداءات ثكنة الحلو على الصحافيين، صوّت لبنان على القرار الصادر عن هيئة العامة للامم المتحدة في تاريخ 18 كانون الاول 2019 حول "سلامة الصحافيين ومسألة الافلات من العقاب". ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة من مبادرات وقرارات اخرى صدرت في العقد الاخير، تشدد على "ضرورة تأمين الحماية للصحافيين، وعلى ضرورة ان تبذل الدول قصارى جهدها لمنع اعمال العنف والترهيب والتهديد والاعتداء على الصحافيين، وان تعمل على الحد من مسألة الافلات من العقاب لمرتكبي الجرائم والاعتداءات بحق الصحافيين.. ان مسؤولية الدولة في تأمين البيئة الملائمة للحماية وتعزيز مناخ آمن وداعم للصحافيين يساعدهم على أداء عملهم باستقلالية ومن دون تدخل غير مبرر".

غير ان المجريات الميدانية  وعنف السلطات الامنية اللبنانية ضد الاعلاميين، جاء مناقضا للقرارات التي عادة ما يصوّت لبنان عليها ويؤيدها في المحافل الدولية. فالصحافيون كانوا ضحية عنف الشارع من جهة وعنف القوى الامنية من جهة أخرى، خلال تغطية احتجاجات لبنان الاخيرة. ولم يكن العنف الجسدي الوسيلة الوحيدة التي استخدمت لقمع الصحافيين ومنعهم من تأدية واجبهم المهني. ولم تكن السلطة والقوى الامنية الجهة الوحيدة التي مارست القمع ضدهم. فقد تعرّض العديد من الصحافيين والصحافيات لاعتداءات اثناء تغطيتهم للاحتجاجات في مناطق وتجمعات قد لا تكون مؤيدة لسياسة وسائلهم الاعلامية، وبقي المعتدون من دون محاسبة.

يفتقد العاملون في هذه المهنة في لبنان الى الحد الادنى من وسائل الحماية وتطبيق معايير السلامة، ما يجعلهم يتحوّلون إلى مواطنين عاديين لا يستطيعون حفظ حقهم اثناء التغطية الميدانية. وهذا ما حصل مع مراسلة "أم.تي.في" رنين ادريس التي تقول بعد تعرضها للضرب والتهديد، "لا يوجد أحد يسترجع حقنا كصحافيين، ولا يوجد أي اجراء يمكن القيام به على الأرض، إضافة الى أن نقابة المحررين لا تقوم بدورها، ما يستلزم أن نكون " قدها وقدود" على الأرض".

وثائقي عن دور المراسلات في تعزيز السلام والأمن

مسؤولية المؤسسات الاعلامية؟

تأمين أمن الصحافيين مسؤولية مشتركة للدولة الى جانب المؤسسات الإعلامية التي عليها أيضاً توفير إجراءات وأدوات السلامة الجسدية والنفسية للصحافيين الذين يقومون بمهامهم الميدانية في مناطق النزاع.

إن المؤسسات الإعلامية المحلية تؤمن حماية الحد الأدنى لمراسليها، مكتفية بتسليحهم بخوذة لحماية الرأس وبوليصة تأمين صحية. إلا أن هذه الاجراءات تبقى غير كافية، وتعتبر بدائية في حماية الصحافيين. فغياب التدريب ومنهجية سبل الحماية لفرق المراسلين الميدانيين، يكشف عن ثغرات مهنية خطيرة لدى المؤسسات الاعلامية اللبنانية في اتباع قواعد وشروط سلامة الصحافيين في مواقع النزاعات.

في بداية الاحتجاجات، لم تكن إجراءات السلامة متبعة نظرًا لفجائية الاحداث، فلا بذّات حماية للصحافيين، ولا تقييم للأوضاع على الأرض والمخاطر التي قد تفرضها تطورات الاحداث. وغالبية المؤسسات الاعلامية لم تُخضع فرق عملها لدورات تدريبية على آليات الحماية خلال تغطية الاشتباكات والنزاعات.

مراسل محلي vs اجنبي

على عكس الاعلام اللبناني، يختلف الأمر لدى غالبية المؤسسات الإعلامية العربية والدولية، التي تولي اهتمامًا كبيرا لمعايير السلامة وحماية الصحافيين. يقول مراسل قناة "الجزيرة" إيهاب العقدي" انا أعرف أن المؤسسة تهمّها سلامتي الشخصية، وفي حال تعرضت للأذى ستتولى مسؤوليتي. كما أن المؤسسة تحرص على إخضاعنا لتدريبات السلامة، فقد خضعنا لتدريبات أولية وتدريبات تقام مرة كل ثلاث سنوات للتذكير بإجراءات السلامة". يذكر أن العقدي تعرّض خلال تغطيته لاحداث لبنان إلى إصابة في رجله نتيجة رصاصة مطاطية.

يُبرّر مراسل "الجديد" حسان الرفاعي عدم خضوع الصحافي المحلي لدورات تدريب، قائلاً أن "الأحداث سبقت الكل وبالتالي لم يكن هناك وقت كاف لإجراء تدريبات، إلا أننا راكمنا خبرات عبر تغطيات سابقة وطوّرنا من خلالها إجراءات سلامتنا الشخصية. ونحن في المؤسسة بعد كل حدث، نجري عصفا ذهنيا لدراسة وتقييم الأحداث من أجل تلافي المخاطر في المستقبل".

مشاهد العنف ضد مراسلي الاعلام، سواء من قبل القوى الأمنية أو المتظاهرين، يطرح السؤال حول من يحمي الصحافيين في لبنان؟

يقول العقدي: "المشكلة في تغطياتنا الأخيرة أننا لم نكن قادرين على الوقوف بالمكان المناسب وهو على تماس مع القوى الأمنية. كنا محميين قليلا إلا من رشق الحجارة، لكن مع استخدام العنف من قبل القوى الأمنية وجدنا أنفسنا عالقين في الوسط عرضة للحجارة والماء والغاز المسيل للدموع وكنّا هدفًا سهلا، وهذه معضلة واجهتنا حيث كنا نواجه الخطر من كل الأطراف، لاسيما أن العنف كان مقصودًا تجاه الصحافيين، والدليل على ذلك ما حصل مع مراسل رويترز عصام عبدالله".

مراسل "الجديد" حسان الرفاعي يؤكد ان" المؤسسة (قناة الجديد) تضع سلامة المراسل في الأولويات، يعني في حال حدوث أي اشكال فمن المهم خروجنا من منطقة الحدث، والمؤسسة تعمل على ذلك. وتركز المؤسسة على ارتدائنا الأقنعة الواقية للغاز المسيل للدموع والأجهزة التي تحمينا. بعض الصحافيين لا يلتزمون اجراءات الوقاية ويستسهلون هذا الأمر وأنا منهم، ما دفع الادارة الى انذاري مرات عدة".

تقول ادريس "إجمالاً ما في حدا. أقصى ما يحدث أننا نتحوّل إلى خبر عاجل تتبناه مؤسساتنا الاعلامية". ومن تجربتها الأخيرة فإن الصحافي "يجب أن يعتمد على نفسه على الأرض". وقد اعتمدت ادريس خلال تغطيتها الميدانية على نفسها وعلى علاقاتها، لاسيما بعد تلقيها تهديدات من مناطق متعددة تحذّر من دخول فريق "أم. تي.في" اليها. فكانت تجري اتصالات بشبّان من المناطق المعادية لتوجّهات محطتها التلفزيونية لحصولها على الحماية والدعم. "المرة الأخيرة التي منعت من التصوير في جنوب لبنان، استنجدت بمخابرات الجيش "، تقول ادريس.

وبحسب مدير التحرير في جريدة المدن يوسف بزي فإن "غالبية المؤسسات الإعلامية أثناء الانتفاضة خفضت رواتب موظفيها، وبعضها  اقتطع نصف رواتبهم وهذه من المفارقات. ويدلّ هذا التصرف على مبادئ أصحاب المحطات ونظرتهم لموظفيهم". كما يعتبر " أن الصحافيين في لبنان غير محميين قانونيًا وليس لديهم نقابة مهنية تحميهم. اذ ان نقابة المحررين أثبتت ولاءها للسلطة في كل التجارب ضد الصحافيين" ويلفت بزي أيضا الى عدم وجود تدريبات كافية للصحافيين لتأمين حمايتهم اثناء التغطيات الميدانية للنزاع.

معايير السلامة وضمان الحريات

ان مسألة تأمين سلامة الصحافيين، شكلت قضية اساسية للمؤسسات التي تعنى بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير. فسلامة الصحافيين هي عامل أساسي في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل الأفراد بالإضافة إلى حقهم في التنمية. كما ان قدرة الصحافيين على ممارسة مهنة الصحافة بأمان هي مسألة أساسية لضمان وصول المعلومات الى الجماهير ولحماية الحريات الأساسية التي نصت عليها أهداف التنمية المستدامة في البند 16 كضرورة لتنمية مجتمعات مسالمة وعادلة وشاملة.

يقول عميد كلية الإعلام جورج صدقة "يُفترض بالسلطة تأمين الحماية للصحافيين  كما للمواطنين، لكن في حال النزاعات والعنف وحرب معينة، تعجز الدولة عن تأمين الحماية له ووقايته من الرصاص والقذائف، فيجب على الصحافي حماية نفسه لأن ذلك أهم من نقل الحدث، وعلى قاعدة أن الصحافي ليس مشروع شهيد".

ويضيف "خلال التظاهرات، على السلطة تأمين الحماية من أجل تأدية الصحافي واجبه لاعلام الشعب بالأحداث والمجريات حتى يتسنّى للشعب الاطلاع، ما يسمح له باتخاذ القرار ولاحقا يستطيع المساءلة والمحاسبة. وفي حال عدم تأمين السلطة الحماية للصحافيين يعني لم نعد نعيش في نظام يضمن الحريات".