تتشابه مقاربة الإعلام الليبي والجزائري في تغطية التنوع الاثني في البلدين، إذ لا تغطية إعلامية لقضايا التنوع الاثني والثقافي إلا في الإطار السياسي. لذلك، ظلّ التعتيم الإعلامي مصاحباً للقضية الأمازيغية وبعض الأقليات الاثنية الأخرى، حتى تغيّرت الإرادةالسياسية، سواء بعد حراك الجزائر عام 1988 أو بعد الثورة الليبية عام 2011.
في ليبيا، حقّق الإعلام، وإن جراء جهود فردية بعد العام 2011، خرقاً في حقوق الأقليات الاثنية، أبرزها عبر تقارير استقصائية نشرتها المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية، سلّطت الضوء على "الليبيون البدون"، وهم بمعظمهم من الطوارق. ساهمت هذه التقارير في تبني وزارة الداخلية للقضية ومعالجة بعض المشكلات ومنح الجنسية لبعضهم. لكن تبقى الحلول موضعية وثمّة حاجة إلى حلّ جذري لقضيتهم.
في المقابل،أصبح البعد الأمازيغي معترفاً به في الجزائر، حيثباتت معظم وسائل الإعلام من صحف ومواقع إلكترونية إخبارية ومحطات إذاعية وتلفزيونات عمومية وخاصة تنقل تقريباًكافة المواضيع الخاصة بالأمازيغية. وأعطى تبني الدولة لهذا المكون الاثني والثقافي دفعاً إيجابياً ونهائياً لتقبّل هذه اللغة وما تحمله من تراث وهوية. واقتنع الجزائريون أنّ الأمازيغية لم ولن تشكّل خطراً على الإطلاقعلى هويتهم الوطنية.
خارطة التنوع
في الجزائر، تذكر بعض المصادرأن عدد الأمازيغ يبلغ 6 ملايين، فيما تتحدّث مصادر أخرى عن وجود 8 ملايين، أي ما يعادل 27% من السكان. وتذهب تقديرات أخرى الى أنهم يشكلون 40% من الجزائريين. يتمركز الأمازيغ بشكل أساسي في منطقة القبائل الكبرى الممتدة على مناطق البويرة وتيزي وزو وبجاية، وفي ولايات سطيف وجيجل. ويسكن عدد منهم في منطقة تيبازة، غرب العاصمة الجزائرية.
وأوضح الصحافي الجزائري المتخصّص في القضية الأمازيغية حسين موالي لـ"مهارات ماغازين"، أنّالإعلام الجزائري تكتّم على الثقافة الأمازيغية منذ استقلال البلاد عام 1962 بعد وصول الرئيسأحمد بن بلة كأول رئيس للجزائر بخلفيته العروبية.وأعلن بن بلة حينها أنّ الجزائر " بلد عربي"، وبات هذا الشعارالايديولوجية الرسمية للجزائر المستقلة. فتمّ إقصاء البعد الأمازيغي من الحياة الوطنية واعتُبر كل من يدافع عن التراث واللغة والثقافة الأمازيغية تابعاً للاحتلال الفرنسي والقوى الرجعية. وبطبيعة الحال، أصبح كل ما يتعلق بالأمازيغية من المحرّمات في الإعلام الرسمي، وتم زجّالعشرات من "المناضلين"في السجون بتهمة التحريض والخيانة، لالشيء إلا لأنهم طالبواباعتراف الدولة بالمكوّن الأمازيغي.
في ليبيا، تتّسم القبائل بتماسك الهويات الجماعية. ورغم اتساع المدن لعبت الهوية القبلية دوراً قوياً، خصوصاً في الشرق الليبي. كما كان التمركز حول الهويات الثقافية واضحاً في مجتمعات الأمازيغ والطوارق والتبو.
ويتكوّن المجتمع الليبي من أربع فئات لغوية كبرى: العربية والأمازيغية والتباوية، إضافة إلى فئات لغوية أصغر تتمثل في الهوسا والفولاني.
وتشير تقديرات إلى أن عدد الناطقين بالأمازيغية يتراوح بين 5 و10 في المئة من سكان ليبيا، يقيم غالبيتهم في جبل نفوسة وزوارة وغدامس.ويُعدّ أمازيغ جبل نفوسة الأكثر تمسكاً بلغتهم وثقافتهم، وقد يكونذلك جراء قربهم الجغرافي من الجزائر. كما يوجد الطوارق والأواجلة الذين يتكلمون اللغة العربية.
عانى الأمازيغ بشكل كبير خلال حقبة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، إذ جرى اتهامهمبـ"العمالة للدول الأجنبية" عند مطالبتهم بأي نوع من أنواع الحقوق الثقافية. حتى أن كثيرين منهم عانوالناحية منعهم من تسمية أبنائهم بأسماء غير عربية، وجرى منع تداول اللغة الأمازيغية في وسائل الإعلام. كما تعرّض كتّاب ومفكرون للتغييب القسري والسجن كالمفكر الأمازيغي الكبير علي يحي معمر والمفكر عمرو النامي والشاعر والكاتب الأمازيغي سعيد سيفاو محروق وغيرهم.
كذلك، مُنع عدد من مكون الطوارق من الحصول على حقوقهم المدنيةالمتمثلة في حق الجنسية الليبية، وأطلق على هذه الفئة تسمية "الليبيون البدون". ورغم استحقاقهم للجنسية بقوة القانون، إلا أن الجهات التنفيذية عطّلت منحهم هذا الحق لسنوات.
مشهد التنوّع الإعلامي
أما في ليبيا، فبعد ثورة السابع عشر من فبراير 2011، حدث تطور كبير على مستوى الحقوق المدنية والثقافية، تحديدًا في العام 2012، وفق ما أشار الصحافي الاستقصائي المتخصّص في قضايا الأقليات الاثنية جلال عثمان لـ"مهارات ماغازين"، لكنّ ذلك لم يدم طويلاً.
تمكّن الأمازيغبداية من الإعلان عن أنفسهم بشكل واضح، وأسّسوا قناة تلفزيونية تحت اسم "إبرارن" بمعنى التنوع. كما أفسحت بعض القنوات كقناة "ليبيا الأحرار" المجال لمذيعين من الاثنية الأمازيغية لتقديم برامج باللغة الأمازيغية أو برامج باللغة العربية تتناول الشأن والثقافة الأمازيغية.
ولكن مع تواصل الحروب الأهليةوالانقسام السياسي، أصبحت قضايا الصراع هي المسيطرة على أجندة وسائل الإعلام. ورغم ذلك، باتت لمناطق كثيرة ناطقة بالأمازيغية محطات إذاعية خاصة بها، وصل بثّها إلى مناطق الساحل.
لكن يبقى الإشكال الأبرز فياختيار أحرفكتابة اللغة الأمازيغية، التي تثير النقاش بين من يريد أن تكتب بحروفها "التيفيناغ" وآخرون يفضلون استعمال الحروف العربية. ولم تسع السلطات الجزائرية على مرّ العصور إلى تطوير هذه اللغة.
وتوقّف الصحافي الجزائري المتخصّص في الشأن الأمازيغي أحسن خلاص لـ"مهارات ماغازين" عند الخارطة الإعلامية المتنوعة والمتعددة في الجزائر، مع وجود صحافة ناطقة باللغة العربية وأخرى باللغة الفرنسية، عدا عن وجود صحافيين يتحدّرون من المناطق الناطقة بالأمازيغية. وهذه العوامل مهمة ومحددة بشكل غير مباشر لتناول الاعلام الجزائري للمكون الأمازيغي كجزء من الهوية الجزائرية، التي تتكون من اللغتين العربية والأمازيغية.
ويقارن خلاص بين مقاربة المؤسّسات الإعلامية الفرنكوفونية وتلك العربية للبعد الثقافي الأمازيغي. فالصحافة الفرنكوفونية تتناول قضايا المكوّن الأمازيغي بشكل أكبر بوصفها جزءاً من نضال سياسي طويل من أجل ديمقراطية نظام الحكم. وتعتبر أن النضال الأمازيغي جزء من نضال شامل للاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية التي تُعدّ جزءاً من التعددية الديمقراطية.
في المقابل، تعالج بعض الصحافة الناطقة بالعربية الحراك الثقافي الأمازيغي بنوع من الحذر، معتبرة أن التيار البربري تيار مارق ومتمرد، قد تؤدي دعواته الى المطالبة بانفصال منطقة القبائل عن باقي البلاد. وعادة ما تقف التغطية الاعلامية عند النشاطات الرسمية القليلة الخاصة بالأمازيغية مثل نشاط "المحافظة السامية للأمازيغية" الى جانب النشاطات الفلكلورية في المناسبات.
في الجزائر، استمر التكتّم الإعلامي، وفق ما شرح الصحافي الجزائري المتخصص في القضية الأمازيغية حسن موالي لـ"مهارات ماغازين"، على الثقافات المختلفة حتى أحداث الحراك الشعبي في تشرين الأول/أكتوبر 1988، وما حملته من انفتاح للأفق الثقافي السياسي والنقابي.
ورغم عدم اعتراف الدستور بالأمازيغية كمكوّن للهوية الجزائرية،بدأت الصحف العمومية التحدث ولو بشكل خجول عن التراث الأمازيغي في مناسبات عدّة. حتى أنّ التلفزيون الوطني سمح لمغنين أمازيغ بالظهور على شاشته.
وبرزت مبادرات ومنصّات إعلامية عدّة متخصّصة لتعزيز الثقافة الأمازيغية في البلاد. فتبثّ الاذاعة العمومية على سبيل المثال على إحدى محطاتها بالأمازيغية على مدار الساعة منذ أكثر من 40 عاماً. وتم إنشاء قناة تلفزيونية عمومية ناطقة بالأمازيغية منذ 2009، بعد إقرارهاكلغة وطنية عام 2002 في الدستور، نتيجة لما يُعرف بـ"الربيع الأسود" الذي راح ضحيته 126 شاباً من منطقة القبائل خلال تظاهرات 2001-2002 للمطالبة بالاعتراف باللغة الأمازيغية بشكل رسمي.
كما افتتحت محطات إذاعية ناطقة بالأمازيغية في ولايات جزائريةعدّة منها: إذاعة "تيزي وزو"، إذاعة "الصومام" (منطقة القبائل)، إذاعة "الأوراس" (الشاوية في الشرق الجزائري)، إذاعة "الاهاقار" (تمنراست أقصى الجنوب)، ومحطة "تيبازة" (قرب العاصمة) الناطقة بالشلحية، إحدى لهجات اللغة الأمازيغية على غرار الشاوية والترقية وتمنراست.
ولفت موالي إلى أنّ كافة المحطات الإذاعية تقريباً تبثّ برامج حول الأمازيغية بمختلف أبعادها الثقافية والتراثية والدينية، شأنها شأن القنوات التلفزيونية الخاصة والعمومية التي باتت تقارب هذه المسألة من زاوية الاثراء الثقافي والحضاري الجزائري، وليس من منطلق سياسي إقصائي.