|
الاعلام الديني في العراق

الاعلام الديني في العراق... مبادرات إيجابية تواجه التحديات

سلّط نشر موقع "كركوك ناو" 12 تقريراً حول معاناة الأقليات النازحة من سهل نينوى وسنجار جراء تداعيات وباء كورونا في شمال العراق، الضوء على ظروفهم المعيشية الصعبة.

ولفت عمر الى أنّ المنصة ساهمت في تسليط الضوء على قضايا التنوع الديني باللغات المحلية لتلك المناطق إضافة الى اللغة الانجليزية. وأوضح "أدى تصميمنا على العمل على هذه القضايا الى ايصال المعلومات الى المجتمع، وساهم في التأثير الإيجابي على حياة هذه الأقليات".

ورغم أنّ البيئة العراقية تزخر بالتنوّع الديني والثقافي والعرقي، إلا أن ذلك لا ينعكس بأي شكل من الأشكال على الإعلام العراقي. ويندر وجود منصات إعلامية تعمل على تعزيز التنوع الديني وتسلّط الضوء على القضايا المرتبطة به.

ورأت الصحافية سهى عودة في حديث لـ"مهارات ماغازين" أنّ قلة وجود منصّات إعلامية تسلّط الضوء على التنوع الديني والثقافي يعود الى أن الكثير من وسائل الإعلام تابعة وممولة من أحزاب سياسية، وينصبّ تركيزها بالتالي على الصعيد السياسي بشكل كبير.

حتى أنّ الإعلام الرسمي الممثل بشبكة الإعلام العراقي يخضع لتأثير الحكومات المتعاقبة ولا يضع قضايا التنوع في أولوياته. وهذا ما أكده أيضاً الصحافي محمد المؤمن، الذي أشار لـ"مهارت ماغازين" إلى أنّ الإعلام العراقي شهد بعد عام 2003 نوعاً من ردة الفعل على الفكر الشمولي خلال فترة ما قبل 2003. فانطلقت قنوات دينية تابعة لأحزاب دينية تركز على ترويج الفكر الإسلامي سواء الشيعي أو السني كجزء من الأيدلوجية والبروباغندا الحزبية. وانعكس ذلك بشكل سيء على بيئة التنوع في العراق، إذ قلّل من مستوى التنوع وتقبل الاخر والتعايش.

سلّط نشر موقع "كركوك ناو" 12 تقريراً حول معاناة الأقليات النازحة من سهل نينوى وسنجار جراء تداعيات وباء كورونا في شمال العراق، الضوء على ظروفهم المعيشية الصعبة. فزادت السلطات المحلية الدعم الطبي والمساعدات الغذائية للنازحين من المسيحيين، الشبك، الأيزيديين والأرمن، وقدّمت وزارة الهجرة والمهجرين منحاً مالية لهم واستأنفت إرسال المساعدات الغذائية الشهرية.

وأكد عدد من مديري المخيمات أنهم تلقوا منذ نشر التقاريرمستلزمات طبية من وزارة المهجرين للوقاية من الوباء، في حين وزعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المساعدات المالية على 110 آلاف أسرة نازحة.

وقال مدير"كركوك ناو"، إحدى المنصات الإعلامية القليلة المتخصّصة بقضايا التنوع الديني والثقافيفي العراق سلام عمر لـ"مهارات ماغازين" إنّ المناطق التي تغطيها المنصة إعلامياَ هي أغنى مناطق العراق لناحية التنوع الديني والعرقي. لذا، فإن أسلوب التعامل مع قضايا من هذا النوع يحتاج الى استراتيجيات وتدابير خاصة، من خلال تشكيل فريق صحافي مهني من مختلف المكونات الدينية والعرقية.

تجربة فريدة

واعتبر سعد سلوم، رئيس "مؤسسة مسارات" المتخصّصة بالتنوع وحوار الأديان، أنّ "تغطية الإعلام العراقي لقضايا الأقليات الدينية تخللها الكثير من الأخطاء المنهجية: معرفة ضعيفة للصحافيين بالرتب الدينية لرجال الدين وأخطاء في أسماء الطوائف. كما تضمنت مقالات كثيرة أفكاراً نمطية ومسبقة عن أتباع بعض الطوائف الدينية".

ودفع هذا الواقع سلوم للسعي من أجل إيجاد منصات إعلامية متخصّصة قادرة على إعطاء صوت للطوائف الدينية والأقليات كافة في العراق.

وأنشأت "مؤسسة مسارات" في العام 2005 مجلة أكاديمية تعتبر المنصة الإعلامية الأولى في تلك الفترة، التي تضيء على قضايا التنوّع الديني. تناولت المجلة قضايا معظم المكونات الدينية العراقية وحاولت، وفق سلوم،تغيير تقاليد المؤسسات الأكاديمية العراقية نحو بحث ميداني متخصص عن التنوع الديني، يعمل على تصحيح الصورة النمطية وينشر التنوير بأهمية التنوع الديني في الأوساط المثقفة والنخب الأكاديمية. وتوقّف العمل في المجلة في العام 2011 مع نشر عدد أخير عن"الأقليات الشيعية في الشرق الأوسط".

بعد الإبادة التي حدثت في سنجار والتطهير العرقي الذي تعرضت له الأقليات الدينية في العراق على يد تنظيم "داعش"بدءاً من العام 2014، انطلقت العديد من الأصوات المنادية بمحاربة الجهل المستشري في المجتمع تجاه التنوّع، والذي أدى الى تمييز واضطهاد للأقليات. لذلك، تمّ إنشاءمعهد "صحافة التنوع" في العام 2020 ليكمل ما بدأت به مجلة "مسارات".

يهدف القيّمون على المعهد، بحسب سلوم، إلى خلق جيل جديد من الصحافيين يعالجون قضايا التنوع الديني بشكل خاص، في وقت "ما زال انغلاق الطوائف الدينية على نفسها مستمراً في العراق، وحيث لكل طائفة وسائلها الإعلامية الخاصة". وأوضح أنّ "لكل من الطوائف المندائية والأيزيدية والكلدانية مثلاً موقعها الإلكتروني الخاص، لكنّ وجود منصّة تهتم بالتنوع الديني كان مفقوداً، وهو السبب الأساسي لصدور مجلة مسارات ومن ثمّ إنشاء معهد "صحافة التنوع".

قدّم المعهد، وفق ما أوضح الصحافي المشارك في تدريباته حسنين الحسون لـ"مهارات ماغازين"، تجربة جديدة للصحافيين، وهي التخصّص في التغطية الحساسة للتنوع الديني وامتلاك الأدوات المناسبة وتبادل الأفكار لمعالجة مواضيع وقضايا التنوع، لا سيما أنّ المعهد يجمع صحافيين من مختلف المكونات والخلفيات الدينية والثقافية.

تحديات مستمرة

وقد انعكست هذه التحدّيات على الاعلام المتخصّص بتعزيز التنوع الديني. وقال عمر من "كركوك ناو" إنّإحدى تلك المشاكل يتمثل في عدم سهولة الوصول الى المعلومات الموثوقة حول الأقليات الدينية، ما جعل العمل الصحافي حولهاأكثر صعوبة، عدا عن الانتشار الواسع للمعلومات الخاطئة وخطاب الكراهية.

كما تعيش أغلب تلك المكونات في مناطق تعاني من أوضاع أمنية واقتصادية متدهورة. لذا، فإن المخاطر الأمنية ومسألة إدامة تلك المنصات جعل مهمتهم أكثر تعقيداً.

وتحدّثت عودة عن تحديات أخرى مرتبطة بنقص الخبرات الإعلامية المتخصصة في مجال التنوّع الديني، رغم تلقي العديد من الصحافيين لتدريبات حول التغطية الحسّاسة للتنوّع الديني. ومن تلك التحديات أيضاً، عدم توفير المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية الدولية الدعم التقني والمالي لتلك المنصات، وهو ما أدى الى وجود عدد قليل من المنصات المهنية، التي لم تتمكن من التأثير على المجتمع والمسؤولين بصورة ملحوظة.

فرض الوضع العراقي بعد العام 2003 مجموعة من التحديات على التنوع الديني، فالأولويات كانت بعيدة عن الاهتمام بالتنوع، من كتابة الدستور وصولاً الى تشكيل حكومات تعالج الخلل الأمني المستمر.

خلال هذه الفترة، تمّ العمل على تقسيم المجتمع العراقي عبر تعزيز الهويات الطائفية والمذهبية، في ظل افتقاد للهوية الوطنية الجامعة. لذلك، حرص المجتمع المدني المعني بالتنوع الديني والثقافي على العمل لإيجاد هوية وطنية قائمة على جذور التعدّد الديني والعرقي والطائفي.

وشهد تعزيز التنوع الديني أيضاً تحدّيات مرتبطة بالممانعة السياسية، مع سعي جهات الى تسييس المكونات الجماعية للمجتمع العراقي لتحقيق كسب سياسي ضيّق، ولم تسع الى بناء هوية وطنية قائمة على احترام التنوّع وقبول الآخر. أكثر من ذلك، تمّ النظر الى التنوّع بوصفه مصدر تهديد وليس مصدر غنى. وعرقلت هذه النظرة العمل على تعزيز التنوّع الديني والثقافي في العراق.

خارطة التنوع

يعد العراق واحدًا من أكبر بلدان التنوع في العالم العربي، حيث يضم في تركيبته السكانية والاجتماعية العديد من القوميات والأديان والمذاهب: الاسلام، المسيحية، المندائية، الأيزيدية، الزرادشتية، البهائية، الكاكئية واليهودية.

 ويمكن تقسيم هذه المكونات حسب تصنيفات قانونية ودستورية، إذ تذكر المادة الثانية من الدستور العراقي الأديان الثلاثة الأولى المسيحية، والمندائية الصابئة والأيزيدية، إلى جانب الإسلام طبعًا كدين للدولة الرسمي ومصدرٍ للتشريع. في المقابل، تجاهل المشرع الدستوري ذكر الأديان الأخرى كالزرادشتية والبهائية والكاكئية واليهودية.

ويمتاز العراق أيضاً بتنوعه القومي، وأبرز القوميات العربية التي تشكل الغالبية، وتأتي بعدها الكوردية، ومن ثم التركمانية، إلى جانب الآشورية والأرمنية والكلدانية.

كما يمتاز العراق بالتنوع المذهبي، بين الشيعة والسنّة في الإسلام، والأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت، والإنجيليين والأقباط والأرمن في المسيحية.

إلا أنّ هذا التنوع، وعوض أن يكون نعمة، تحول نقمة. تعاني القوميات والأديان والمذاهبمن مشاكل داخلية تجاه بعضها البعض، تذكّيها أطراف إقليمية أو داخلية، ومشاكل خارجية في محيطهاكرّستها سياسات سابقة ونهج حالي، سواء على مستويات قانونية أو اجتماعية أو سياسية، من شانها أن تضعف من عملية انسجام التنوع وحفاظه على خصوصيته.

وكان بعض هذا التنوع مدعاة لحالات تكفير وقتل وطائفية وصهر، لا سيما بعد احتلال تنظيم "داعش" مساحات واسعة من شمال العراق عام 2014. جرى تهجير وقتل العديد من الأقليات الدينية المسيحية والأيزيدية في سهل نينوى وسنجار، وهو ما شكل إساءة لصورة التنوع الديني في البلاد.

التنوع في التشريعات العراقية

يذكر الدستور العراقي الجديد الصادر في عام 2005 التنوع الديني في بعض مواده، لكن ذلك لا ينعكس على التشريعات التي يغلب عليها مراعاة الطوائف الرئيسية في البلاد، من دون النظر أو الاهتمام بالأقليات الدينية والعرقية.

تشير المادة 2 من الدستور الى أنّ "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهـو مصدر أساس للتشريع: لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. كما يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين".

وتعتبر المادة 3 أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب. وتذكر المادة4 أنّ "اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقا للضوابط التربوية، أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة".

ورأى سلوم أنّ المادة 2 من الدستور لم تنعكس على التشريعات والقوانين، ذلك أنّ التشريعات التي سبقت عام 2003 تعترف بالطوائف عبر قانون "الطوائف الدينية في العراق"، وفيه ملحق يتضمّن اعترافاً رسمياً بها.

كما توجد قوانينلتنظيم الأوقاف الدينية كقانون ديوان أوقاف المسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين، لكنها تحدّد صلاحيات الديوان من الناحية الإدارية فقط.وبالتالي، لا توجد تشريعات تعزّز التنوع أو تتناوله بشكل تفصيلي. وبمعنى آخر، لا تتوفّر تشريعات تتحدّث عن حقوق المكوّنات الدينية أو الأقليات الدينية.

وقد قدّمت مؤسسة "مسارات" مسودة قانون حول حقوق الأقليات الدينية والتنوع في العراق في العام 2011، لكن حتى الآن لم تحيله رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب العراقي لإقراره. ولفت سلوم الى قانون أقرّ في شباط 2021، عن حقوق الناجيات الأيزيديات من داعش، لكنه لا يتضمن أي ذكر للتنوع الديني أو حقوق الطوائف الأخرى.

مرجعيات الطوائف

يتميّز العراق بوجود العديد من المرجعيات الروحية الدينية لطوائف عدّة، وهو ما يشكل أحد أبرز مصادر القوة الناعمة للبلاد، فضلاً عن وجود آيات الله بما فيهم المرجع الأعلى لشيعة العالم في النجف، ومراجع كبار أخرون في كربلاء.

وتتخذ مرجعيات روحية عدّة من العراق مركزاَ لها، مثل المرجعية الدينية العالمية لطائفة الصابئة المندائيين في بغداد وسط البلاد، والمرجعية الدينية العالمية للأيزيديين في شيخان في محافظة نينوى شمال البلاد، فضلاً عن مرجعية الكلدان الكاثوليك في العالم، ومرجعية كنيسة المشرق الآشورية التي عاد كرسيها الى العراق بعد أن ظل منذ سبعينيات القرن الماضي خارج البلاد.

كما يضم العراقمرجعيات لطوائف إسلامية مثل الطائفة الشيخية في البصرة جنوب البلاد، وهناك أقليات دينية لا يوجد مثيل لها في العالم العربي مثل الكاكائيون في شمال البلاد، الذين يمثلون امتداداً لطائفة أهل الحق في إيران، والشبك الذين يعدون أقلية اثنية تستقر في منطقة سهل نينوى، وتتميز بتراث مميزفي التصوّف.